بعد تحريره القريب، سيُبنى اليمن بسواعد مخلصة، لا تحمل وراءها تاريخاً من الخيانة أو التلون أو الضعف أو الفشل أو الارتباك.
لم يكن ممكناً أن يُترك اليمن للنفق المظلم الذي دخله مع كارثة الاجتياح الحوثي. وكان هذا الاجتياح ذروة المأساة التي تفاعلت أسبابها قبل وقت طويل، وتعددت الأطراف التي ساعدت على حدوثها. ومساعدة دولة الإمارات العربية المتحدة لليمن في كل المواقف ليست بالأمر الجديد أو الطارئ، فمنذ قيام اتحاد دولة الإمارات عام 1971، لم تنقطع مساعداتها لليمن، وتشهد على ذلك مشروعات تنموية شملت كل مناطق البلد العربي الشقيق، واستفادت منها أجيال من اليمنيين. وإلى جانب الدعم الإنساني والاقتصادي، كان الدعم السياسي الذي لم يتوقف يوماً، انطلاقاً من واجب عروبي تحملت دولة الإمارات أعباءه راضية.
بعد تحريره القريب، سيُبنى اليمن بسواعد مخلصة، لا تحمل وراءها تاريخاً من الخيانة أو التلون أو الضعف أو الفشل أو الارتباك، وسيكون التحالف العربي في هذه المرحلة عوناً لأبناء اليمن المخلصين على إنهاء الحلقة المفرغة من التدمير والتخريب.
هذا هو الإطار الذي تحركت فيه دولة الإمارات والتحالف العربي لإنقاذ اليمن من العصابة الحوثية، ومن المصير الأسود الذي يلازم كل الدول والمناطق التي تمتد إليها المخالب الإيرانية البشعة. ولم يكن التدخل العسكري غير الحل الأخير الذي جاء عقب استنفاد كل الحلول، فقد تواصلت الجهود السياسية الإماراتية والخليجية منذ بدأت اضطرابات عام 2011، وكانت المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية هي الصيغة التي يمكن أن تضمن نوعاً من السلام للبلد الممزق، لكن هناك من كان يتربص بها، وعلى رأس هؤلاء أفاعي إيران وأذنابها، وأفاعي جماعة "الإخوان المسلمين".
وبالرغم من أن الاضطرابات في اليمن تضر بالاستقرار في الإقليم عامة، فلم تكن هناك أخطار تهدد دولة الإمارات، ولم يكن من الصعب على المملكة العربية السعودية ضبط حدودها وحماية مواطنيها من تبعات ما يحدث في اليمن، ولم يكن الحوثيون يريدون أكثر من الاستفراد باليمن لو تُركوا وشأنهم. غير أن القادة في دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية كانوا يعرفون أن هذا يعني قبل كل شيء ترك الشعب اليمني وقوداً لمحرقة لا تنتهي، ونهباً للجوع والمرض والفقر والبؤس والموت العبثي. وقد دخل التحالف العربي اليمن ليحول دون سقوطه في هذه الهاوية، وليستعيد لليمنيين الأمل في مستقبل أفضل، وليخلص الجار العربي المنكوب من الحوثيين ومن القاعدة ومن الإخوان المسلمين ومن كل قوى الشر التي نهشت الجسد اليمني طويلاً. وتحقيق هذا الأمل يقترب مع بشائر النصر في الحديدة.
في اليمن رجال مخلصون ضاعت أصواتهم بين قعقعة السلاح وسطوة المؤامرات وصخب المنافقين والمتلونين ومصالح الأحزاب التي ترى في اليمن فريسة، وهؤلاء المخلصون هم من يجب الرهان عليهم في مستقبل اليمن، لأنهم وحدهم القادرون على بنائه، والنهوض به من أزمته الحالية. ومن الضروري أن يتعالى الجميع على المصالح الفئوية والمكاسب الوقتية من أجل المصلحة اليمنية العليا. ولا يمكن للجماعات والعصابات التي تتلقى أوامرها من الخارج أن تسهم في الحل لأن مصلحة الأطراف الخارجية هي ما يقودها، ويستوي في ذلك عصابات الحوثيين الذين سيخدمون سادتهم في إيران، وعصابات الإخوان المسلمين الذين سيخدمون سادتهم في "التنظيم الدولي" وداعميهم في قطر، حتى لو احترق اليمن وشعبه بسبب مواقفهم وسياساتهم، وكذلك الانتهازيون في حزب المؤتمر الشعبي العام، فهؤلاء جميعاً كانوا جزءاً من الأزمة، وقد ملّ الشعب اليمني وجوههم وتصريحاتهم، والتي لم يجنِ منها اليمن إلا الشقاء.
لقد قدَّم التحالف العربي تضحيات هائلة لإنقاذ اليمن، ويعرف قادته أن دحر الحوثيين وسحقهم ليس نهاية المهمة، إذ ستتلوها مهمة البناء والتطوير ووضع الأسس السليمة لنهوض اليمن بعد كبواته المستمرة. وأولى الناس بالمساهمة في ذلك هم اليمنيون المخلصون والأكفاء الذين لم تلوثهم المصالح والارتباطات الخارجية، ولم يكونوا جزءاً من الأزمات التي توالت على اليمن خلال السنوات السابقة. وسوف يكون محترفو التحالفات الانتهازية وأصحاب التاريخ الطويل في التلون والنفاق وتبديل المواقع والقفز من السفن الغارقة عبئاً على اليمن الجديد، ويجب أن يُبعدوا من واجهة المشهد لكي لا يعيدوا إنتاج المشكلات والمآزق والكوارث.
اسم عملية "عاصفة الحزم" كان يحمل رسالة بأن هناك نية لقطع اليد الإيرانية التي تمتد إلى بلد عربي لتسيطر عليه عبر عملاء يُعميهم الحقد والتعصب الطائفي، ويمارسون الغدر والخداع والمناورة إلى أن تأتيهم الفرصة. وجاء اسم "إعادة الأمل" ليكشف عن الهدف الأبعد، وهو إحياء الأمل في نفوس اليمنيين لبناء وطن يليق بعراقتهم وحضارتهم. وبناة الوطن هم المنتمون إليه انتماءً كاملاً لا يشوبه شك. أما الذين كانت قراراتهم تُملى عليهم من الخارج، فإنهم سيضعون الألغام في قلب أي بناء وطني يُسمح لهم بالمشاركة فيه، وسينتظرون لحظة ملائمة لينقضوا على اليمن وأهله من جديد، كما فعل الحوثيون في سبتمبر 2014 بعد سنوات طويلة من المسكنة وادّعاء المظلومية.
بعد تحريره القريب، سيُبنى اليمن بسواعد مخلصة، لا تحمل وراءها تاريخاً من الخيانة أو التلون أو الضعف أو الفشل أو الارتباك، وسيكون التحالف العربي في هذه المرحلة عوناً لأبناء اليمن المخلصين على إنهاء الحلقة المفرغة من التدمير والتخريب، وعلى إزاحة الأحزاب والجماعات والتكتلات التي تقودها أطماعها ومكاسبها الخاصة. والتي تغلّب مصالحها الضيقة على المصلحة الوطنية العليا، وسينهض اليمن قوياً عزيزاً بفضل تضحيات أبنائه الأبرار، وأشقائهم في التحالف العربي الذين روت دماؤهم الطاهرة أرض اليمن، وفتحت الطريق أمام المستقبل المنشود لليمنيين، ولا تراجع عن هذا الهدف.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة