كتف بكتف.. أهل الموصل يجمعون شتات مدينتهم
منذ الصيف، أنفق المجتمع الدولي نحو 400 مليون دولار للمساعدة في إعادة الكهرباء والمياه والخدمات الطبية للموصل
في حرارة شمس الصيف بعد أسابيع من نهاية واحدة من أكبر المعارك الحضرية منذ الحرب العالمية الثانية، شق مدير مدرسة ثانوية طريقه ببطء من منزله في شرق الموصل إلى الضفة الغربية لنهر دجلة لمواجهة حطام مهنة أمضى فيها حياته.
- بالصور.. الموصل تحتفل بالنصر بعد 3 سنوات تحت إرهاب داعش
- الثلاثي الرحيم بالموصل.. أطباء لا يفرقون بين صديق وعدو
فعلى مقربة من المدينة القديمة بالموصل، حلّ الخراب بمدرسته التي تعود إلى العهد العثماني، حيث درس أجيال من الزعماء السياسيين والعسكريين العراقيين، وهلّت سحابة من اليأس على مدير المدرسة مثنى صالح جراء حجم الدمار الذي حلّ بالمكان الذي كان يأمل أن يشكل الجيل القادم من قادة العراق.
ولكنه لم يجعل اليأس يتملكه، وسخّر الصفتان اللتان يشتهر بهما مواطنو الموصل، وهما الإبداع والاجتهاد، ويخطط الشهر الجاري لاستئناف الدراسة في فصول تضم 450 طالبًا، وذلك بفضل المتطوعين ومتبرع عراقي.
منذ الصيف، أنفق المجتمع الدولي نحو 400 مليون دولار للمساعدة في إعادة الكهرباء والمياه والخدمات الطبية، وتكافح الدول المانحة جنبًا إلى جانب مع الحكومة العراقية لوضع خطة إعادة تنمية شاملة تقدر بمليارات الدولارات وتمويلها، وفقًا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
يأتي ذلك بالتزامن مع حشد سكان الموصل مواردهم الخاصة وروح الخير بداخلهم لنشر حياة جديدة في المدينة، فالطرق السريعة المؤدية إلى الموصل مزدحمة بالشاحنات التي تجلب السلع التجارية ومواد البناء.
وعلى جانبي النهر، تُعرض طوابير لامعة من الغسلات والمدافئ ودراجات الأطفال للبيع، بينما تقوم المطاعم، وخاصة تلك التي تحتوي على قسم للعائلات بأعمال هائلة.
وفي 30 نوفمبر/تشرين الثاني، نظمت منظمة غير هادفة للربح في الموصل مارثون وسباقات ركض للأطفال، وهي الفعالة التي جذبت نحو 4 آلاف شخص.
وعلى الجانب الشرقي، يعج حرم جامعة الموصل المترامية الأطراف بالنشاط الصادر من 30 ألف طالب وطالبة يحضرون الدروس هذا الخريف، كما أُعيد تسجيل مئات من الطلاب من أماكن مختلفة من العراق.
ولا تزال الجامعة تحظى بتقدير كبير بسبب خريجيها في مجالات الطب والعلوم، إلا أنه أثناء حكم تنظيم داعش الإرهابي، توقفت أغلب الدروس؛ لأن التنظيم منع تدريس ما اعتبره إثمًا مثل الفنون والفلسفة، وأيضًا لخوف الأساتذة والطلاب الخروج من منازلهم.
ويقول الإداريون في الجامعة، إنهم لا يعرفون كيف يستبدلون ملايين من الكتب من مكتبتهم بكتب أخرى ومستودع للمخطوطات القديمة والمواد البحثية، وجميعها حرقها تنظيم داعش، أو آلاف الدولارات المنفقة في المعدات العلمية.
مع ذلك، تعامل طاقم الجامعة وطلابها بمفردهم مع المهام الصغيرة، فساعدت البروفيسور انتصار عبد الرضا، التي تُعلم المحاسبة منذ 18 سنة، في الإشراف على مجموعة من الأساتذة والطلبة الذين جمعوا الأموال لإصلاح السقوف والأسلاك الكهربائية في فصول قسمها، ونظفوا قاعات المحاضرات ودهنوها، وهي المهام التي سمحت باستكمال الدراسة الشهر الماضي.
وعلى بعد أميال قليلة، عمل مدير مستشفى الخنساء للأطفال والولادة الدكتور جمال يونس، أثناء الصيف مع منظمات المعونة الدولية مثل "أطباء بلا حدود" لحل مشكلة الاحتياجات الملحة، مثل تركيب المولدات والحاضنات؛ لإبقاء العمل في جناح الولادة الوحيد في المدينة وغرف جراحات الأطفال مستمرًا.
ولا يزال يونس يواجه عجزًا متكررًا في الميزانية التشغيلية اليومية، ففي أكتوبر/تشرين الأول ولد ما متوسطه 4 أطفال في المستشفى يوميًا، ولكن طاقم العمل يكافحون للحفاظ على المخزونات مثل القفازات الجراحية والطعام للمرضى، وفي الوقت الراهن يحل مشاكله الدكتور سعد صالح، وهو جراح يتكل على أصدقائه وهم أعضاء من أغنى عائلات الموصل.
كما انضم العراقيون البارزون الموجودون خارج البلاد، فقال صالح إن مجموعة من العراقيين البريطانيين أرسلوا تمويلات لإمدادات المستشفى، والأسبوع الماضي قام رجل بتوصيل ظرف يحتوي على 1200 دولار من جراحة تعيش في بغداد ولدت في الموصل ورغبت في مساعدة مدينتها.
وأشار صالح إلى أن العراق عاش في عقود لم يثق الناس في بعضهم البعض، مضيفًا "هذه هي الحقيقة ونواجه تحديًا كبيرًا الآن، ولكن بطريقة ما، فالأمر مختلف الآن، فالناس متحفزون بالفعل لمساعدة بعضهم البعض".