بيئة مدمرة وأمراض مزمنة.. إرث داعش "السام" بالعراق
آثار الدمار التي خلفها تنظيم داعش على بيئة العراق ربما تكون غير مسبوقة ودائمة بعد نفوق أعداد كبيرة من الماشية وانتشار أمراض مزمنة.
آثار الدمار التي خلفها تنظيم داعش الإرهابي على البيئة العراقية ربما تكون غير مسبوقة ودائمة، في ظل إرث سام يشمل نفوق أعداد كبيرة من الماشية، وحقول زراعية لم تعد تنتج محاصيل صالحة للأكل ومضاعفات تنفسية مزمنة أصابت مئات الأطفال وكبار السن.
وفي تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، عرضت نماذج لضحايا الجرائم الوحشية التي ارتكبتها عناصر التنظيم الدموي، ومنهم الطفل أحمد جاسم.
وعلى غرار أي مراهق يبلغ من العمر 15 عاما، يمسك أحمد جاسم بهاتفه الذكي فترات طويلة، في اللعب ومشاهدة الفيديوهات وسماع الموسيقى. داخل غرفة المعيشة ذات الجدران الخرسانية الداكنة بمنزل أسرته المتواضع، يكشف الضوء الخافت المنبعث من شاشة الهاتف عن وجه شاحب للفتى الوسيم.
وخلافا لأقرانه، لا يخرج أحمد للعب كرة القدم أو تطيير الطائرات الورقية، لأن ممارسة تلك الأنشطة البسيطة ترهقه وتستنزف طاقة جسد الضئيل بسرعة، لأن قلبه تضرر بشكل دائم، نتيجة استنشاق الدخان الذي غطى مدينته التي يقطنها المزارعون والرعاة بعد إشعال مسلحي التنظيم الإرهابي آبار النفط القريبة.
"يكره الحياة. إنه فقط يكره الحياة "، بتلك الكلمات تحدثت عنه والدته رحاب فياض، ثم أضافت بنبرة صوت مفعم بالحسرة: "لقد أثرت عليه ليس فقط جسديا، ولكن نفسيا".
ووفقا للصحيفة، فجرت عناصر التنظيم 25 بئرا نفطية في محاولة يائسة وفاشلة في نهاية المطاف للدفاع عن أراضيهم ضد قوات الأمن العراقية عام 2016، وحطموا أصولا وطنية ذات قيمة كبيرة.
ولمدة 9 أشهر، غطت سحابة كثيفة تسبب العمى من الدخان مدينة قيارة التابعة لمحافظة نينوى (شمال) والقرى المحيطة بها، وحولت لون بشرة السكان وفراء الأغنام إلى الأسود جراء الرماد والغبار.
وفقدت العراق ما يصل إلى مليوني برميل من النفط -إما حرقت أو سكبت- بين يونيو/حزيران 2016 ومارس/آذار 2017، عندما قام رجال الإطفاء بإخماد الحريق الأخير، وفقا لتقرير الأمم المتحدة نقلا عن وزارة النفط العراقية.
وفي غضون ذلك، يخشى الخبراء البيئيون أن يكون جزء كبير من النفط قد تسرب إلى المياه الجوفية ونهر دجلة القريب الذي يمثل شريان الحياة لملايين العراقيين ويمتد إلى أكثر من 1609 كم إلى بغداد وخارجها.
وقالت الأمم المتحدة إن عناصر التنظيم أضرموا النيران في مصنع للكبريت شمال مدينة قيارة، ما أدى إلى تطاير 35 ألف طن من المادة اللاصقة في الهواء، بينما أشار خبراء حقوق الإنسان والبيئة إلى أن المنشأة التي كانت تحتوي على أحد أكبر مخزونات الكبريت في العالم، أشعلت جزئيا لوقف تقدم قوات الأمن العراقية.
ولا يزال حجم الضرر الكامل مجهولا، بعد أن توقفت الدراسات المتعلقة بالآثار الصحية على المدى الطويل، حيث جعلت الحكومة العراقية الأولوية لإعادة البناء، وإعادة توطين النازحين، وإزالة المتفجرات.
وفي السياق، قال عبد المنعم طبور رئيس قسم الصحة في محافظة قيارة إن "آثار ما حدث هنا سنشعر به لسنوات وعقود طويلة، والأسوأ لم يظهر حتى الآن، والحكومة لديها أولويات أخرى".
ويقول المسؤولون الأمريكيون الذين رصدوا حجم الدمار، إن ما رأوه يذكرهم بالأضرار البيئية التي لحقت بالكويت على يد قوات الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عندما أضرموا النيران في حقول النفط في البلاد عام 1991.
ولكن خلافا لما حدث في الكويت، استقرت السموم المنبعثة في المناطق المأهولة بالسكان وحقول المزارعين في قيارة والقرى المحيطة المتاخمة لحقول النفط ويقطنها نحو 100 ألف شخص، وفقا لآخر تعداد عام 2011.
وإلى جانب حرائق قيارة، نفذت عناصر داعش عمليات متنوعة من التخريب وتدمير البيئة امتدت إلى منطقة شاسعة شمالا إلى جبال حمرين في العراق وغربا إلى المزارع والحقول النفطية على طول نهر الفرات قرب مدينة دير الزور السورية.
بدوه، قال مسؤول أمريكي تابع عن كثب التدمير على مدى السنوات الثلاث الماضية، إن "الأضرار التي لحقت بالجانب السوري كانت بحق سلة الخبز في البلاد، وداعش لوثها من خلال الممارسات الصناعية والتخريب المتعمد".
وأضاف المسؤول الذي فضل عدم الكشف عن هويته: "هناك خنادق مليئة بالنفط، ونفط سكب في النهر، وسخام من حرق النفط الذي يلوث الحقول، كل ذلك يجعل من الصعب على القادة القادمين الحكم، أو حتى توفير الغذاء النظيف والمياه".
من جانبه، قال رمضان محجوب، رئيس مستشفى قيارة، "لقد مررنا بكارثة"، مشيرا إلى الأيام والشهور التي غطى الدخان خلالها المنطقة.
وأشار الطبيب علي فراج، وهو أخصائي الطب الباطني، إلى أن الأطفال والمسنين هرعوا آنذاك إلى المستشفى يعانون مشكلات في التنفس، بمعدل 600 حالة كل 3 ثلاث ساعات بعد حرق مصنع الكبريت، وبعد إحراق المصنع أصبحت الحالات أكثر شدة وشملت الطفح الجلدي والتهاب الشعب الهوائية الحاد والوفاة جراء الاختناق.