طبيبة تروي حياة الموصل "السرية" تحت قبضة "داعش"
"داعش" كان لديه نظامان في المستشفيات، واحد يحصل فيه عناصره وعائلاته على أفضل العلاج والآخر للعوام.
في اليوم الذي هاجم فيه تنظيم داعش مدينة الموصل، صيف 2014، ركضت الطبيبة الشابة وسان من قسم الولادة إلى غرفة الطوارئ في مستشفى الجمهورية، فيما بدأ تدفق الجرحى المدنيين.
وسان تخرجت لتوها في مدرسة الطب ولا خبرة لديها في علاج الصدمات، لكن مع استمرار وصول الجرحى حاولت تعويض نقص المعرفة لديها بحماستها.
بحلول الليل، كانت العنابر مكتظة والمرضى يتوافدون على الأروقة، نامت وسان طوال الليل في المستشفى، متجاهلة اتصالات والدها المتواصلة كي تعود إلى المنزل.
وفي صباح اليوم التالي، عندما بدأ سقوط قذائف الهاون قرب المستشفى، هرع الأطباء والمرضى إلى سيارات الإسعاف للهرب عبر جسر إلى الجهة الشرقية من المدينة، وهناك سمعوا أخبار فرار الحاكم وكبار الجنرالات، وسقوط غرب الموصل.
اتصل والدها ثانية، حيث كان ذاهبًا مع العائلة إلى منطقة آمنة في إربيل، لكنها أجابت: "اترك جواز السفر الخاص بي بالمنزل وغادروا، لقد أقسمت على مساعدة المرضى"، ثم أغلقت الهاتف وسرعان ما عادت إلى المستشفى.
بعد ثلاثة أيام من الاشتباكات الأولى، دخل العنابر رجال مقنعون يحملون أسلحة آلية، لتكون هذه بداية حياة جديدة لوسان وأطباء آخرين كانوا هناك.
نظام ثنائي المستوى
في محاولة من تنظيم داعش لبناء دولته المزعومة، أنشأ ديوان الصحة (وزارة الصحة) الذي عمل عبر نظام من مستويين؛ فكانت هناك قواعد أحدها لـ"الإخوة" الموالين لداعش، وأخرى للعوام أو عامة الشعب، بحسب صحيفة "الجارديان" البريطانية.
وقالت وسان إنهم كان لديهم نظامان في المستشفيات، واحد يحصل فيه أفراد داعش وعائلاتهم على أفضل العلاج، والثاني كان متعلقًا بالناس العاديين (العوام) الذين كانوا مجبرين على شراء أدويتهم من السوق السوداء.
وأضافت: "بدأنا نكره عملنا؛ كأطباء من المفترض أن أعالج جميع الناس بالتساوي، لكنهم أجبرونا على علاج مرضاهم فقط. شعرت بالاشمئزاز من نفسي".
نسخة المدينة التي كان يديرها داعش لم تكن فعالة أو مهتمة بالعدالة، وكانت الموصل تدار عبر مزيج من الأنظمة، بدءًا من الرأسمالية الحرة إلى الاقتصاد الموجه الشمولي.
عندما بدأت وسان تستوعب مدى اختلاف نظام داعش عن أي شيء كان موجودًا قبله، حاولت المغادرة، لكنها تأخرت للغاية؛ حيث إن المهرب الذي كانت تتواصل معه ألقي القبض عليه، واقتحمت سيدات شرطة داعش منزل وسان وصادروا هاتفها وأعلموها بأنها كانت تحت المراقبة.
لم تتمكن وسان من ترك عملها؛ فالغياب من العمل لثلاثة أيام عقابه الاعتقال بتهمة الفرار من الخدمة، لكنها قررت التمرد من الداخل.
مستشفى سري
وقالت وسان: "قبل بدء العمليات العسكرية، بدأت الأدوية في النفاد، لذا بدأت جمع ما يمكنني الحصول عليه من المنزل، وبنيت شبكة صيادلة موثوقين، وبدأت جمع معدات من الأطباء والمسعفين، حتى تمكنت من إعداد مجموعة جراحية كاملة في المنزل، تتيح لي إجراء عمليات بتخدير كلي".
انتشرت الأحاديث حول مشفى وسان السري، وقالت: "بدأ بعض الناس المجيء من الجانب الآخر من الموصل، لكن مخزون الأدوية لديّ بدأ في النفاذ، كان هناك مخزون كبير في المستشفى، لكن غرف التخزين يسيطر عليها داعش".
وأوضحت وسان، أن التأقلم على الأوضاع ساعدهم في النجاة تحت حكم داعش، مشيرة إلى أنهم كانوا ينظمون حفلات للصديقات اللاتي ستتزوجن، وأعياد ميلاد وخطبة، لكن بصوت موسيقي منخفض.
وسان قالت إن تلك كانت محاولات لعيش حياتهم القديمة بدون تغيير، وخلال تلك الحفلات كانوا يغطون الكاميرات الموجودة بالمستشفى لمراقبتهم، كما أقاموا حفلات للأطفال مرضى السرطان.
وفي أحد الأيام وجدت وسان محل حلوى لايزال مفتوحًا، فطلبت كعكة على هيئة "سبونج بوب"، الشخصية المفضلة لطفل مريض بالسرطان، لكن مالك المحل اعتذر عن إعدادها؛ لأنه ممنوع من خبز أي كعكة عليها أشكال شخصيات، لكنه أعطاها كعكة مربعة صفراء اللون.
نصف الأطفال الذين حضروا تلك الحفلات الآن موتى؛ بسبب نقص العلاج.