منذ أن وصل ترامب المحسوب على الحزب الجمهوري لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية وهو أخذ على عاتقه توجيه الانتقادات وكيل الاتهامات
الحديث الذي أسدل الستار عليه مؤخراً في الولايات المتحدة الأمريكية والتي كان المسعى يركز على مسألة عزل ترامب هو بلا شك ليس صراعاً بين ترامب الرئيس والولايات المتحدة الأمريكية كدولة، بل هو صراع بين الحزب الجمهوري الذي ينتمي له الرئيس ترامب، والحزب الديمقراطي الذي يشكل المعارضة الرئيسية للرئيس ترامب.
ننظر إلى قطر وتركيا وإيران ونجد أنها كانت تعول على الانتخابات الرئاسية المقبلة والتعويل على صعود نجم الديمقراطيين، على أمل أن يكون هناك تغيير في السياسات الأمريكية للعودة إلى العصر الذهبي بالنسبة لهذه الدول، والذي كان في فترة حكم باراك أوباما
منذ أن وصل ترامب المحسوب على الحزب الجمهوري لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية وهو أخذ على عاتقه توجيه الانتقادات وكيل الاتهامات للنظام الأمريكي السابق برئاسة باراك أوباما، وكان جل تركيز ترامب هو تدمير وتحطيم ما كان ينظر له الحزب الديمقراطي بأنه إنجاز للديمقراطيين مثال الاتفاق النووي مع إيران، والذي شهد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي معارضة ديمقراطية تجسد حالة الصراع ما بين الحزب الجمهوري الذي ينتهج سياسة التدمير والتفتيت لكل ما يحاول أن ينظر له الحزب الديمقراطي إنجازاً ديمقراطياً ومحاولة فرض واقع جمهوري جديدا بإنجازات جمهورية بديلة للإنجازات الديمقراطية، وهو ما يتجسد في البرنامج الانتخابي للديمقراطيين، حيث إن معظم المرشحين الديمقراطيين بدا أنهم يدافعون بشكل رئيسي عن تركة باراك أوباما، التي يواصل دونالد ترامب تمزيقها، بحسب رأيهم، وفيما أعلن غالبيتهم عن رغبتهم في العودة إلى الاتفاق.
وبالتالي فإن الاتهامات التي وجهت للرئيس ترامب (باستغلال السلطة وعرقلة عمل الكونجرس) والدفع باتجاه المحاكمة والعزل هي محاولات ديمقراطية يراد منها كسر شوكة الجمهوريين، والتأثير على مجرى الانتخابات الرئاسية المقبلة، وبالتالي فإن تبرئة ترامب لا تعد انتصاراً للرئيس ترامب لوحده، بل هي انتصار للجمهوريين، والتي أسهمت فيه سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ، والذي يعتبر مجلس الشيوخ هو الفيصل النهائي وهو من يمتلك الكلمة الأخيرة في موضوع (عزل ترامب)، والذي أسهمت هذه السيطرة الجمهورية وحالة الحشد الجمهوري في الدفع باتجاه تبرئة الرئيس ترامب من التهم الموجهة إليه.
لقد أسهمت الأحداث الأخيرة في أن ترفع من كفة الرئيس ترامب لدى الجمهوريين؛ حيث أفادت مؤسسة غالوب أن 89% من الجمهوريين وافقوا على أداء ترامب في عامه الثالث في منصبه، ما جعله ثاني أكبر رئيس شعبية بين أعضاء حزبه في تاريخ الولايات المتحدة، وهو بالتالي ما يضع الرئيس ترامب المرشح المفضل للجمهوريين الذي سيسعون للحشد أكثر باتجاه ولاية ثانية للرئيس ترامب، لأن الصراع الديمقراطي الجمهوري لم ينته بانتهاء إجراءات محاكمة ترامب، وإغلاق القضية وتبرئته من التهم الموجهة له وبالتالي إسقاط محاولات عزله، لأن محاولة إثارة موضوع عزل ترامب هو يأتي في سياق المساعي الديمقراطية للتأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة، ما يعني أن الانتخابات الرئاسية المقبلة هي الفصل النهائي، وهي التي تعتبر الهدف الرئيسي وهي الإنجاز والمكتسب الحقيقي الذي يسعى الطرفان (الجمهوري وبخاصة الديمقراطي) للحصول عليه.
لم يكن ما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية من صراع متصاعد بين الجمهوريين والديمقراطيين هو ذات شأن داخلي، بل هو يمتد إلى منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي لا يمكن الإغفال عن دور شركات العلاقات العامة، فهناك دول ترى من مصلحتها عودة الديمقراطيين إلى واجهة المشهد السياسي وتراجع الجمهوريين وبالتالي العودة إلى حقبة الرئيس باراك أوباما، والتي كانت تعتبر لدول مثال تركيا وقطر وإيران (الفترة الذهبية)، والتي كانت السياسات الأمريكية آنذاك تخدم مشروعات ومخططات هذه الدول، ولعل المهادنة الأمريكية لجماعة الإخوان المسلمين كانت تخدم المسعى القطري والتركي، وأيضا الاتفاق النووي كان يخدم الطموح التوسعي الإيراني والذي جاء الاتفاق النووي ليطلق الذراع الإيرانية الإرهابية ويسلم المنطقة بأكمله للإيرانيين.
وبالتالي فعندما ننظر إلى قطر وتركيا وإيران نجد أنها كانت تعول على الانتخابات الرئاسية المقبلة والتعويل على صعود نجم الديمقراطيين، على أمل أن يكون هناك تغيير في السياسات الأمريكية للعودة إلى العصر الذهبي بالنسبة لهذه الدول والذي كان في فترة حكم باراك أوباما، والتخلص من حالة التشدد الأمريكية التي أظهرها الرئيس ترامب تجاه هذا المحور أو هذه الدول، وكل ما يمكن أن يخدم مشاريعها من جماعة الإخوان إلى الاتفاق النووي مع إيران.
وبالتالي فإن ما حدث في مجلس الشيوخ الأمريكي والذي أسدل الستار على مسألة عزل ترامب وألقى القضية وسعى لشطب التهم الموجهة لترامب لم يكن صفعة للديمقراطيين فقط، والذي بدأ واضحاً أثار هذه الصفعة من خلال التصرفات التي قامت بها نانسي بيلوسي من تمزيق لخطاب ترامب في الاتحاد، وهو ما يعكس حالة الخسارة التي مني بها الحزب الديمقراطي أمام الحزب الجمهوري، بل كان ذلك أيضا صفعة للدول التي كانت تراهن على عامل الوقت وتنتظر نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة على أمل الخروج من حالة الانحسار الذي تعيشها، وحالة التقهقر الحاصلة لمشاريعها ومخططاتها التوسعية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة