لا بد من التأكيد على أنه لم يتم انسحاب إيراني من الجلسة الختامية لمؤتمر وزراء خارجية التعاون الإسلامي مطلقاً.
أدارت دولة الإمارات مؤتمراً ناجحاً لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، في أول دورتها السادسة والأربعين المتزامنة مع يوبيلها الذهبي، ونجاح الإمارات في أي أمر أو مسعى لا يرضي إيران بطبيعة الحال، نظراً لما تمثله الإمارات من سياسات ومبادئ وقيم هي نقيضة بالتأكيد لما تمثله إيران المتربعة على رأس محور الشر في المنطقة، وبالعودة إلى الواقعة في الجلسة الختامية، والتي بنت عليها طهران بيانها الموتور المتوتر الصادر عن وزارة خارجيتها، فقد ترأس سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي الجلسة ومارس صلاحياته حسب لوائح وأنظمة المنظمة، ومنها أن البيان الختامي أو الإعلان الصادر، تصوغه الدولة المضيفة، ويعبر عن خلاصات القضايا والمسائل العامة، وفي إمكان الدول المشاركة التحفظ كتابة حسب الأعراف المرعية والقواعد السائدة، ولما تضمن «إعلان أبوظبي» فقرة معتادة حول حل مسألة الخلاف حول احتلال الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة من قبل إيران طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى سلمياً أو عبر المفاوضات المباشرة أو التحكيم الدولي.. في هذه اللحظات، خطف رئيس الوفد الإيراني وهو مساعد وزير، المنصة والمشهد، في فعل مستغرب مستهجن، وضرب على الطاولة بصوت مسموع، فسأله سمو الشيخ عبدالله بن زايد عن سبب المداخلة، فأخبره بأن هناك تحفظات على الإعلان، يقصد إعلان أبوظبي، وفي هدوء ورباطة جأش، رد عليه الشيخ عبدالله بأنه ليس من المعهود في الجلسات الختامية وبعد إعلان البيانات الختامية الاستمرار في المداخلات، وأن بإمكان المندوب الإيراني تسجيل تحفظه كتابة وتسليمه إلى الأمانة العامة للمنظمة، وبهذا اختتم سمو الشيخ عبدالله بن زايد اجتماعاً ناجحاً بمعرفة واعتراف الجميع.
هكذا عبرت إيران عن فزعها من منطق العقل والحوار ومجابهة الحجة بالحجة وعن كونها لا تمتلك أية أسانيد في قضية الجزر، وهكذا أكدت أنها لا تصلح للانخراط الطبيعي في سلك العلاقات الدولية
من جهة متصلة، فلا بد من التأكيد، خلافاً لدعاوى وأكاذيب الطرف الإيراني، على أنه لم يتم انسحاب إيراني من الجلسة الختامية لمؤتمر وزراء خارجية التعاون الإسلامي مطلقاً، وأبعد من ذلك، تم استلام التحفظ الإيراني لاحقاً وفق الأصول المتبعة، فلا إخلال من قريب أو بعيد بالأصول المتبعة والمتسقة مع اللوائح والأنظمة الداخلية للمنظمة.
يقود ذلك كل متابع أو معني إلى الحديث عن المواقف الإيرانية التي تتكرر في العديد من اللقاءات الدولية ويسببها الرفض الإيراني المستمر للتعامل مع هذه القضية حسب القواعد الدولية، ومحاولة طهران الدائمة تغطية احتلالها الغاشم للجزر العربية الإماراتية الثلاث عبر النبرة الحادة، وضرب الطاولات، والمواقف المسرحية، وهو المشهد نفسه الذي تكرر بعد كلمة وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير، وبالتحديد، لجهة إشارته إلى التدخلات الإيرانية في المنطقة واحتلال الجزر.
بمثل هذه التصرفات المشينة تعزل إيران، وهي المنعزلة والمعزولة أصلاً، نفسها أكثر، عن جيرانها ومحيطها والعالم، وتقدم نفسها كدولة مكتنزة بالعقد التاريخية والراهنة، تنطلق، وهي التي تتخذ مهنة صناعة المؤامرات وأحابيل الغدر، تجاه الجميع من دون استثناء، الشرق والغرب وكائنات الفضاء، كما تنطلق من رغبة مخفية ومعلنة في تصدير مبادئ «ثورتها» البائسة المبنية على ما يضاد الدين الصحيح والفطرة السليمة: نظرية الولي الفقيه.
الأطماع الإيرانية باتت معروفة وإن باتت مهزومةً ومحاصرة أكثر من أي يوم مضى، خصوصاً مع هزيمة مليشيات الحوثي الإيرانية الإرهابية في اليمن، وانحسار تنظيم القاعدة الإرهابي أو يكاد، وتقهقر «داعش» وشقيقاتها، واستمرار عزلة قطر بعد ارتمائها في أحضان إيران، والفضح المدوي المستمر لأطماع ما يسمى «حزب الله» بعد تصنيفه هو وتنظيم «الإخوان المسلمين» إرهابياً على نطاق عالمي واسع، وتراجع الدور الإيراني في غير مكان عربي، لكن ما يغيب عن الجماعة الحاكمة في طهران، أو ما تدعي ببهتانها أنه غائب، فيقين أن الجزر الإماراتية الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى إماراتية عربية خالصة، وأن دولة الإمارات، وطناً وقيادة وشعباً، ترفض هذا الاحتلال الذي تم أمام العالم قبل عقود معدودة رفضاً قاطعاً، الجزر الإماراتية عائدة بالرغم من طغيان طهران وصلفها، وما ضاع حق وراءه مطالب، إن إيران بتمسكها باحتلال الجزر الإماراتية وكأنه حق ثابت لا تختلف أبداً عن «إسرائيل» التي تتمسك باحتلال فلسطين وفي صميمها القدس الشريف وفي قلبها المسجد الأقصى، فالاحتلال هو الاحتلال، ومن لا يؤمن بذلك فهو انتهازي فاقد للعقل والمنطق والضمير.
عوداً على بدء، إلى واقعة الجلسة الختامية لمؤتمر وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي التي أدارها، كما المؤتمر، باقتدار، سمو الشيخ عبدالله بن زايد وزير الخارجية والتعاون الدولي، فإن إيران المنسية والهامشية والمهمشة وقليلة العقل والوزن تحاول بافتعال مثل هذه الحركات المضحكة والمواقف الفارغة إثبات حضورها ووجودها، متجاوزة حقيقة أن في منظمة التعاون الإسلامي 57 دولة، وأن معظم دول العالم الإسلامي ودول العالم أجمع مؤيدة لحق الإمارات التاريخي والقانوني في الجزر الإماراتية الثلاث، كما أنها تدرك، بناء على تجارب دولية وثنائية أن إيران لا تحترم قيم الحرية والحوار، وتميل إلى أفكار وإجراءات القمع والاستبداد، إلى جانب خوفها بل «رعبها» من مجرد المفاوضات حول الجزر المحتلة، أو الذهاب معاً إلى محكمة العدل الدولية للدخول في مواجهة قانونية مباشرة، والسبب أنها لا تستطيع تبرير احتلالها الغاشم لهذا الجزء العزيز من دولة الإمارات الغالية والوطن العربي الكبير.
الرسالة إلى إيران، وهي على رأس محور الشر في المنطقة: نحن في زمن سقوط الأقنعة وأوراق التوت الأخيرة، ومهما حاول المرجفون، فإنهم مكشوفون بل مفضوحون، وسيظلون موضع نبذ المجتمع الدولي وأسارى العزلة.
هكذا عبرت إيران عن فزعها من منطق العقل والحوار ومجابهة الحجة بالحجة وعن كونها لا تمتلك أية أسانيد في قضية الجزر، وهكذا أكدت أنها لا تصلح للانخراط الطبيعي في سلك العلاقات الدولية، وهكذا عبرت، بأسلوب واضح جلي، عن عدم قدرتها على «ابتلاع» حقيقة أن منظمة التعاون الإسلامي تنتظر مستقبلاً يليق بها بين طموح دولة المقر المملكة العربية السعودية الشقيقة، وتطلعات دولة الرئاسة دولة الإمارات العربية المتحدة.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة