الانقسام الداخلي يؤرق إسرائيل في ذكرى تأسيسها الـ75
تأتي الذكرى الـ75 لتأسيس إسرائيل، وسط هواجس غير مسبوقة في تاريخها بسبب الانقسام الداخلي الذي تعاني منه منذ شهور.
ورغم الطائرات الحربية المتطورة، التي قدمت عروضا في سماء إسرائيل تظهر قدراتها العسكرية المتفوقة في المنطقة، وكذلك قوتها الاقتصادية إلا أن إسرائيل احتفلت يوم استقلالها وسط دعوات احتجاجات واسعة تعد لها المعارضة ضد الإصلاح القضائي الذي تدفع به حكومة بنيامين نتنياهو وتعتبره المعارضة مناهضا للديمقراطية.
أما أحزاب الحكومة، فقد دعت إلى مسيرات مليونية في أنحاء إسرائيل، الخميس، تأييدا لقوانين الإصلاح القضائي تحت عنوان "لن يسرقوا أصواتنا الانتخابية".
ومنذ أكثر من 3 أشهر يهيمن على المشهد الإسرائيلي الخلاف الحاد حول قوانين الإصلاح القضائي التي قسمت الإسرائيليين ما بين مؤيد ومعارض.
ولم يغب هذا الانقسام عن كلمات المسؤولين الكبار في الحكومة الإسرائيلية الى حد اعتبره الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ أكبر تهديد وجودي يهدد إسرائيل حاليا.
وقال هرتسوغ في كلمة سابقة له: "ألتقي بكم على مر السنين، وأيضًا، بشكل مؤلم، في الأشهر الأخيرة.. أنتم تشاركوني مخاوفكم العميقة بشأن وحدة إسرائيل، وكما وعدتكم فأنا أعمل يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة لحماية بلدنا الحبيب كدولة قوية وموحدة يهودية وديمقراطية".
وأضاف: "أعداؤنا يسيئون تفسير ثقافة الجدل الإسرائيلية والروح الإسرائيلية بشكل كامل، يجب ألا يخطئوا: نحن جميعًا شعب واحد، مجتمع واحد مشترك، دولة واحدة، ستستمر في الدفاع عن نفسها، وستواصل مد يدها بسلام، وستستمر في التغلب، مرة بعد مرة، على أولئك الذين ينتفضون لتدميرنا".
وعلى مدى سنوات وجودها، كان الخلاف في إسرائيل ما بين مؤيدي السلام مع الفلسطينيين والرافضين له وبشأن الاستيطان في الأراضي الفلسطينية أو خلافات بشأن سياسات اقتصادية ولكن في العام الحالي فإن الخلاف أصبح داخليا.
ويتمحور الخلاف أساسا خول شخص رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو منذ تقديم لائحة اتهام ضده بالفساد في العام 2019، ما قاد إسرائيل إلى سلسلة من العمليات الانتخابية قبل أن يتمكن نتنياهو نهاية العام الماضي من تشكيل حكومة على رأس حكومة توصف بأنها الأكثر يمينية في تاريخ البلاد.
كيف يبدو المزاج الوطني في إسرائيل؟
رصد معهد ديمقراطية إسرائيل المزاج الوطني في البلاد عشية الاحتفالات بعيد الاستقلال.
ويقول في الدراسة التي تلقتها "العين الإخبارية" إنه "حدث انخفاض حاد هذا الشهر في نسبة المتفائلين بشأن الحكم الديمقراطي في إسرائيل وحصة المتفائلين بشأن مستقبل أمن إسرائيل، النتيجة المجمعة للاثنين هي الأدنى منذ أن بدأنا قياساتنا قبل 4 سنوات".
وأضاف المعهد: "نسبة أولئك الذين يعتقدون أن الديمقراطية الإسرائيلية في خطر شديد هي نفسها كما كانت في نهاية عام 2022، بأكثر من النصف بقليل. ومع ذلك، أصبحت الآراء حول هذه القضية أكثر استقطابًا: في حين أن هناك إجماعًا شبه كامل في اليسار على وجود مثل هذا الخطر وتوافقه الأغلبية في الوسط، إلا أن أقلية فقط من اليمين تتبنى نفس الرأي".
وتابع المعهد: "كما كان الحال في الشهر الماضي، وجدنا مرة أخرى ارتفاعًا في نسبة المستجيبين الذين أفادوا بأنهم شاركوا في نشاط احتجاجي واحد على الأقل ضد التشريع الذي تقدمه الحكومة، ووصل إلى حوالي خُمس الجمهور الإسرائيلي".
وأشار إلى أنه "يعتقد غالبية المستجيبين أن الاحتجاجات كان لها تأثير ضئيل على سياسة الحكومة حتى الآن، ويقدر الثلث تقريبًا أن التأثير كان كبيرًا".
غير أن الملفت بشكل خاص هو أن أكثر من ثلث المستجيبين أفادوا بوجود خلافات شديدة مع أفراد الأسرة أو زملاء العمل فيما يتعلق بالتغييرات التشريعية التي تقدمها الحكومة والاحتجاجات ضدهم.
وقال إنه "على الرغم من وجود زيادة معينة في نسبة أولئك الذين يعتقدون أن هناك احتمالًا كبيرًا لاندلاع حرب أهلية عنيفة، إلا أن الغالبية لا تزال تعتقد أن هذا غير مرجح، ويقدر عدد أكبر ممن هم في اليسار أكثر من الوسط أو اليمين احتمالية أن تكون عالية".
ومن جهة ثانية فإن المزاج الشعبي يشير إلى أن "غالبية الجمهور اليهودي يعارض رفض الجنود التجنيد في الجيش الإسرائيلي على أسس أيديولوجية أو دينية، ويوافقون على التجنيد لكن يرفضون الخدمة في الأراضي المحتلة، أو يرفضون الأوامر التي تتعارض مع ضميرهم.
ومع ذلك، فإن حوالي ربع الجمهور اليهودي يؤيدون هذه الإجراءات الثلاثة، مع دعم أعلى في اليسار وأدنى في الوسط، بحسب المصدر ذاته.
هل تسلل الانقسام إلى داخل الجيش؟
ومنذ أسابيع، تحاول الحكومة الإسرائيلية إرسال الرسائل بأن الانقسام الداخلي لا يؤثر على قدرات الجيش الإسرائيلي.
وصباح الأربعاء، قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي: "الجيش الإسرائيلي هو القاسم المشترك الأوسع بين المواطنين الإسرائيليين؛ كل من يخدم فيه يحب شعبه وبلده ووطنه، تكمن قوتنا في الشراكة، وإذا عرفنا كيفية إيجاد القاسم المشترك من الاختلافات، فيمكننا التركيز على مهمة واحدة: التفوق".
وللمرة الأولى وجد الجيش الإسرائيلي، على الأقل الاحتياط، نفسه منخرطا بشدة في الانقسام الداخلي الإسرائيلي.
وأعلن المئات من ضباط وجنود الاحتياط خلال الأسابيع الماضية عن رفضهم الحضور إلى الخدمة احتجاجا على قرارات الحكومة بشأن الإصلاح القضائي.
ولكن استطلاع المزاج الشعبي أشار إلى أنه "يعارض غالبية الجمهور اليهودي رفض جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي الحضور إلى الخدمة - سواء للتدريب، أو الخدمة العملياتية من قبل الطيارين، أو التعبئة للقتال - احتجاجًا على الحكومة.
وأعرب معظم ناخبي أحزاب الائتلاف عن معارضتهم الشديدة لمثل هذه الأعمال، فيما انقسم ناخبو أحزاب المعارضة حول هذه القضية.
وأضاف الاستطلاع أنه تم العثور على خلافات بين ناخبي الائتلاف والمعارضة فيما يتعلق بالاستجابة المناسبة من قبل الجيش الإسرائيلي لجنود الاحتياط الذين يرفضون الحضور إلى الخدمة احتجاجًا على الحكومة، ويعتقد غالبية ناخبي الائتلاف أنه يجب اتخاذ الإجراءات القانونية في مثل هذه الحالة، مقارنةً مع ربع الناخبين فقط لأحزاب المعارضة الذين يؤيدون هذا الخيار.
وتابع الاستطلاع أن "الجمهور منقسم حول مسألة التأثير المحتمل على سياسة الحكومة لرفض جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي الخدمة، ولكن نسبة أكبر من التأثير المحتمل أقل من تقييمه على أنه مرتفع. من المفهوم أننا وجدنا خلافات في هذه القضية بين ناخبي التحالف والمعارضة".
خلافات مع العالم الخارجي
كما تحل ذكرى تأسيس إسرائيل مع تعاظم الخلافات ما بين الحكومة الإسرائيلية والدول الخارجية وعلى رأسها الولايات المتحدة.
وباستثناء "القناة 14" الإسرائيلية المقربة منه، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يتحدث إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية وإن كان يمنح مقابلات للعديد من محطات التلفزة الأمريكية حصرا.
ويسود الاعتقاد بأن نتنياهو يريد من هذه المقابلات نقل رسائل إلى الإدارة الأمريكية وأيضا الى اليهود في الولايات المتحدة الذين يشكلون نصف عدد اليهود حول العالم.
وظهرت تلك الخلافات في رفض الرئيس الأمريكي جو بايدن استقبال نتنياهو في البيت الأبيض على الرغم من مرور نحو 4 أشهر على تشكيله الحكومة.
وعادة ما يتم استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد في البيت الأبيض بعد أسابيع قليلة فقط على تشكيله الحكومة ونيله ثقة الكنيست.
ويقول استطلاع المزاج الشعبي إن "الجمهور منقسم حول مسألة ما إذا كان ينبغي لإسرائيل أن تأخذ بعين الاعتبار وجهة نظر الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بالتغييرات التشريعية التي تجريها الحكومة".
وأضاف "أولئك الذين يعتقدون أن موقف واشنطن يجب أن يؤخذ في الاعتبار من المجموعة الأكبر، لكنهم ما زالوا أقل من نصف المستطلعين. أكثر من الثلث بقليل يعتقدون أنه لا ينبغي أخذ وجهة نظر الأمريكيين بعين الاعتبار".
بانتظار حوار الرئيس
ومع انتهاء الأعياد الإسرائيلية فإن الأنظار ستوجه إلى الرئيس الإسرائيلي هرتسوغ الذي يتوقع أن يسرع الحوار بين الحكومة والمعارضة لايجاد قواسم مشتركة حول تشريعات الإصلاح القضائي.
وحتى نجاح أو فشل هذا الجهد، فإن احتجاجات المعارضة ستتواصل، كما يقول منظموها.