الموقف الدولي يكاد يكون أقرب إلى الإجماع على رفض خطة نتنياهو وقراره
منذ إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطته لضم أجزاء من الضفة الغربية؛ اجتاح الضمير العالمي ما يشبه الصحوة التي تنادي حيناً بتحذيره من مغبة تنفيذها لما تنطوي عليه من تداعيات على السلم في المنطقة والعالم، وأحياناً بالتلويح بالعقوبات ضد إسرائيل باعتبار خطة الضم، في حال تنفيذها، تشكل انتهاكاً للقانون الدولي الذي يعتبر الضفة الغربية أرضاً محتلة.
الحكومة الإسرائيلية استفزت أصدقاءها قبل أعدائها، وأحدثت شرخاً داخل إسرائيل على مستوى الطبقة السياسية وفي الأوساط الإعلامية والشعبية، لكن اللافت في سياق مواقف أصدقاء إسرائيل المعارضين لضم أجزاء من الضفة جاء من بريطانيا على لسان رئيس وزرائها بوريس جونسون حيث توجه إلى الرأي العام الإسرائيلي بمقال خصّ به صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، ضمّنه موقف بلاده بلا مواربة والقائم على اعتبار قرار الضم، إذا ما حدث فهو "انتهاكٌ للقانون الدولي" و أن "المملكة المتحدة لن تعترف بأي تغييرات على خطوط 1967 باستثناء تلك المتفق عليها بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي".
لا يخفي جونسون في مقاله مشاعره المؤيدة لإسرائيل وإعجابه بها والتأكيد على أن مواقفه المناهضة لقرار الضم تنبع من حرصه على مصلحة إسرائيل وأمنها واستقرارها، ويذهب إلى حدود مداعبة مشاعر الإسرائيليين وتحفيز ذاكرتهم الجمعية وتذكيرهم بدور بلاده و"افتخاره بمساهمة المملكة المتحدة بولادة إسرائيل بإعلان بلفور عام 1917".
لكن رئيس وزراء بريطانيا يضيف في خطابه للإسرائيليين قائلا : "سيبقى وعد بلفور عملاً غير مكتمل حتى يتم التوصل إلى حل يوفر العدالة والسلام الدائم لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين" .
تدرك لندن كما غيرها من عواصم القرار في العالم أن التحديات الماثلة حالياً أمام الجميع لا تسمح بنشوب نزاعات أو اضطرابات إضافية وتحديدا في المنطقة.
هل كانت لندن بحاجة إلى مثل هذه الصدمة الإسرائيلية ليستيقظ ضميرها الإنساني والأخلاقي وتعود للانسجام مع قيمها في العدالة والديمقراطية والحرية والتأكيد على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة المنصوص عليها في القوانين الدولية ؟.
وهل فعلاً حكومة جونسون قادرة على التأثير على توجهات وخطط نتنياهو وثنيه عن تنفيذها ؟ ماهي الخيارات المتاحة بيد لندن لترجمة مواقفها الرافضة لقرار الضم ؟ ..
الموقف الدولي يكاد يكون أقرب إلى الإجماع على رفض خطة نتنياهو وقراره، والسؤال المطروح الآن يتعلق بالآليات التنفيذية التي يمكن أن تجسد مواقفهم الرادعة لحكومة نتنياهو بهذا الخصوص، الموقف البريطاني يستلهم تاريخاً عريقاً وعميقاً في العلاقات الدولية وقوانينها ونظمها.
ولا يبدو اليوم في هذه الانعطافة الإسرائيلية الخطيرة بعيداً عن عاملين مؤثرين؛ أولهما الإحساس بالمسؤولية التاريخية والقانونية والأخلاقية لدولة كانت في زمن ليس بعيداً امبراطوريةً لا تغيب عنها الشمس، وكانت السبب الرئيسي، باعتراف جونسون، في قيام وإنشاء الكيان الإسرائيلي.
وهذا كما يبدو، يدفعها لتعلن موقفها وتأييدها صراحة لحقوق الشعب الفلسطيني وقيام دولته المستقلة دون التفريط بالعلاقات المتجذرة مع إسرائيل، وثانيهما استثمار المزاج الدولي العام والمواقف المتقاطعة معها في سياق ممارسة الضغوط على نتنياهو بعد أن تواترت ردود الأفعال العربية والدولية التحذيرية في مجملها والملوحة بعقوبات على إسرائيل من قبل البعض، وخاصة الأوروبيين، إذا ما تم المضي قدماً بقرار الضم.
يضاف إلى ذلك استشراف البريطانيين لواقع وطبيعة الموقف العربي عموما والفلسطيني رسمياً وشعبياً بشكل خاص والمدعوم بإجماع عربي، حيث كان جوهرياً في تحريك المجتمع الدولي لردع إسرائيل من جانب، ومن جانب آخر أعاد محورية القضية الفلسطينية إلى دائرة الاهتمام، ودفع الجميع إلى تجاوز خلافاتهم الثنائية بما فيها حركتا فتح وحماس ليلتقي الجميع عند مسؤولية مواجهة مخططات نتنياهو التوسعية والتأكيد على جوهرية حقوق الشعب الفلسطيني ووجوب الدفاع عنها.
وتدرك لندن كما غيرها من عواصم القرار في العالم أن التحديات الماثلة حالياً أمام الجميع لا تسمح بنشوب نزاعات أو اضطرابات إضافية وتحديدا في المنطقة، وعليه فلا يمكن التغاضي عن أي محاولات استفزازية من جانب نتنياهو وحكومته، ولا يجوز التفريط بما تحقق على صعيد عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية رغم محدودية ما تحقق وعدم تلبيته لكامل حقوق الفلسطينيين.
بالمقابل يعلم رئيس وزراء إسرائيل أن الموقف الأمريكي المنقسم حيال خططه لا يشجع على المغامرة والذهاب إلى النهاية، ومن شأن الانقسام في الموقف الأمريكي أن يتيح للأوروبيين فرصة تصعيد ضغوطهم عليه سياسياً واقتصادياً عبر المشاريع الاقتصادية التي يديرونها في إسرائيل.
كما يعلم جيداً أن حلفاءه الغربيين وبريطانيا من ضمنهم سيلقون باللائمة عليه وعلى سياساته في حال دفع الفلسطينيين إلى خيار المواجهة في الميدان، موقف جونسون قد يكون الأكثر شفافية وجرأة من جانب بريطانيا تجاه حقوق الشعب الفلسطيني منذ ما ينوف على قرن تقريباً.
ولابد للعرب عامة والفلسطينيين بشكل خاص من استثماره واستثمار الموقف الدولي لمصلحة قضيتهم المركزية فلسطين، وتفعيل جميع أساليب وأدوات العمل والضغط من خلال رسم خارطة طريق للتحرك على المسرح الدولي لإعادة فرض حقوق الشعب الفلسطيني على طاولة الاهتمام الدولي وقطع الطريق على الأطراف الخارجية التي تتاجر بدم الشعب الفلسطيني وحقوقه ومستقبله ووحدته الوطنية خدمة لمشاريعها ومصالحها .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة