الانتخابات الإسرائيلية.. حضر الأمن وغاب السلام
رغم اختلاف البرامج السياسية بين المعسكرين المتنافسين بزعامة نتنياهو وجانتس تجرى الانتخابات في إطار السقف الذي فرضه اليمين القومي
فى التاسع من أبريل/ نيسان الجاري، تجرى انتخابات الكنيست الـ21، في تاريخ إسرائيل، والتي يتقرر على ضوء نتائجها تكليف أحد أعضاء الكنيست الذي يحظى بدعم وموافقة أغلبية الكتل البرلمانية بتشكيل الحكومة بناء على تكليف من رئيس الدولة.
وتجرى انتخابات الكنيست في إسرائيل وفق نظام التمثيل النسبي؛ الذي يعتبر الدولة دائرة انتخابية واحدة، وتتنافس الأحزاب والقوائم الانتخابية، على مقاعد الكنيست المائة والعشرين، وتوزع المقاعد وفق عدد الأصوات التي حصلت عليها كل قائمة، وفي حال لم تحصل بعض القوائم الانتخابية على معامل التمثيل في الكنيست الذي يبلغ الآن 3.25% من أصوات الناخبين، يتم توزيع هذه الأصوات على القوائم الممثلة في الكنيست على ضوء الاتفاق بين القوائم، أو منح هذه الأصوات للقوائم والأحزاب الحاصلة على العدد الأكبر من أصوات الناخبين.
وهذا النظام الانتخابي النسبي، وإن يعكس تعدد الأحزاب والقوائم والتيارات السياسية في إسرائيل، إلا أنه يخلق مضاعفات وعدم استقرار، حيث لم يحصل أي حزب أو قائمة انتخابية إسرائيلية على عدد المقاعد اللازمة لتشكيل الحكومة والحصول على الثقة، أي 61 مقعدا، وكانت الأحزاب والقوائم الفائزة بأكبر عدد من المقاعد بحاجة دائمة لتحالفات مع الأحزاب الصغيرة يمينا ويسارا؛ لتأمين هذه الأغلبية الائتلافية، التي كثيرا ما تتعرض بعد تشكيل الحكومة لخروج بعض هذه التحالفات منها، الأمر الذى يفضي إلى إجراء انتخابات مبكرة وأغلب هذه الائتلافات لم تتمكن من إتمام مدة ولاية الحكومة والكنيست باستثناء ست حكومات.
الانتخابات التي ستجرى في 9 أبريل/نيسان لن تستثنى من هذه القاعدة، لأن استطلاعات الرأي كافة التي أجريت حول هذه الانتخابات حتى الآن تشير إلى فوز الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو وتحالف "أزرق أبيض" بزعامة "بينى جانتس" و"يائير لبيد" بعدد من المقاعد يتراوح بين 31 مقعداً و28 مقعداً، وذلك يعنى استعانة الفائز منهما بالعدد الأكبر من المقاعد الذي سيكلف من قبل رئيس الدولة بتشكيل الحكومة بالتحالف مع الأحزاب الأخرى التي تتوافق مع رؤيته أو الحصول على تأييدها مقابل ضمان مكاسب سياسية في التمثيل الوزاري.
القوائم والأحزاب المتنافسة
يجرى السباق في هذه الانتخابات بين 13 حزبا، تتوزع بين اليمين واليسار والوسط وأقصى اليمين وأقصى اليسار، وأهم هذه الأحزاب يبرز حزب الليكود بزعامة نتنياهو وتحالف "أبيض أزرق" الناجم عن اندماج حزب "حصانة إسرائيل" بزعامة "بينى جانتس" وحزب "يوجد مستقبل" بزعامة "لبيد"، فضلاً عن الأحزاب اليهودية الأخرى الدينية والعنصرية وأحزاب الأقلية العربية، التي لم تتمكن من تشكيل قائمة واحدة، على غرار الانتخابات السابقة، وتقدمت بقائمتين مستقلتين، وهو الأمر الذي قد يؤثر على عدد مقاعدها في هذه الانتخابات.
الرهان الأكبر في هذه الانتخابات على ما يبدو يتمثل في "بقاء نتنياهو أو رحيله" سواء كان هذا الرهان من قبل نتنياهو والليكود، الذى يؤيد بقاء نتنياهو، أو من قبل جانتس ولبيد والتحالف الرئيسي المناهض لنتنياهو، والذى يدعو إلى رحيله وقطع الطريق عليه، فمن ناحية بعد أن كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يرفض إجراء انتخابات مبكرة بعد التطورات في غزة، وانسحاب وزير دفاعه "ليبرمان" من الحكومة واستقالته، وتولى رئيس الوزراء حقيبة الدفاع، والانتقادات التي وجهت له، عاد وقرر إجراء انتخابات مبكرة بعد تزايد احتمالات توجيه لائحة اتهام ضده في قضايا تتعلق بالفساد والرشوة وخيانة الثقة، وبناء على إشارات استطلاعات الرأي العام إلى تؤكد تفوق مركز نتنياهو في هذه الانتخابات مقارنة بالمعسكر المنافس، وأنه من الممكن أن يتجنب اللجوء إلى الاستقالة أو المحاكمة في حالة فوزه في هذه الانتخابات، قرر نتنياهو إجراء انتخابات مبكرة.
أما التحالف المنافس لنتنياهو فيرى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يحظى بذات الخلفية الأمنية والعسكرية لمنافسيه من الجنرالات الثلاثة الذين تولى اثنان منهم رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي وتولى ثالثهما وزارة الدفاع "يعلون"، كما أن توجهات نتنياهو إزاء المفاوضات مع الفلسطينيين تفضي إلى عزلة إسرائيل دوليا ومفاقمة الأخطار الأمنية.
إزاحة نتنياهو أو بقاؤه الرهان الأبرز
غير أن هذا الرهان الأبرز والأكبر في هذه الانتخابات، لا يعنى أنه الرهان الوحيد، بل ثمة أيضا رهانات داخلية وإقليمية، ولكنها لا ترقى إلى مستوى الرهان الأكبر، وهو أن إزاحة نتنياهو تتعلق بدعم التحالف المنافس لنتنياهو الحل السلمي والتفاوضي مع الفلسطينيين، مع الاحتفاظ بالمستوطنات في الضفة الغربية وبقاء القدس موحدة، وتعديل قانون الدولة القومية الذي أقره الكنيست العشرون وإن كان بأغلبية ضئيلة.
منظور رئيس الوزراء الإسرائيلي للفوز بمنصب رئيس الوزراء في الولاية الخامسة التي تضعه في مكانة مهمة في تاريخ إسرائيل، يتمحور حول ضرورة خلق نخبة جديدة من القيادات الإسرائيلية تتشكل من اليمين القومي والحريديم المتدينين والسفاراديم أي اليهود الشرقيين، وذلك بدلا من غلبة اليهود الأشكنازيم والعلمانيين واليسار المسيطرين على مؤسسات الدولة، وخاصة الإعلام والقضاء، وهو التحالف الذي يحظى بانتقادات نتنياهو، كما أنه يقف وراء محاولات اتهامه بالفساد، والوقوف وراء محاولات تشويه سمعته ونزاهته.
إذا نحينا جانباً نتائج استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي، التي تشير إلى تقارب في عدد المقاعد التي قد يحصل عليها أي من الحزبين الكبيرين في هذه الانتخابات، أو تفوق أحدهما على الآخر بمقعدين أو ثلاثة، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار هامش الخطأ المسموح به في هذه الاستطلاعات أو المفاجآت غير المتوقعة في الساعات القليلة، التي تسبق الانتخابات، فإنه يمكن حصر الأوراق التي يملكها كل من المتنافسين البارزين في هذه الانتخابات، وهما نتنياهو وجانتس، فالأول يحظى بالدعم الأمريكي من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقراراته المتعلقة بالاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيل والسيادة الإسرائيلية على الجولان، وبمقدور نتنياهو أن يحوز قصب السبق في هاتين القضيتين، وعودة خيار "إسرائيل الكبرى" مرة أخرى، بعد أن كان هذا الاختيار رهن التفاوض في إطار التسوية، بالإضافة إلى ذلك خبرة نتنياهو الدولية وتمرسه في السياسة الخارجية الإسرائيلية وعلاقته بالدوائر السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية والرأي العام الأمريكي، والعلاقات العربية الإسرائيلية التي تشهد تطورا ملحوظا، في مقابل ذلك فإن منتقديه ينسبون إليه قصوره عن تحقيق وحدة إسرائيل وتعميقه للانقسامات، وإبراز وجه إسرائيل العنصري، وافتقاره إلى الخبرة الأمنية والعسكرية خصوصا إزاء حماس وغزه.
أما منافسة "جانتس" فينفرد بورقة عدم انتمائه إلى اليمين أو إلى اليسار، وأن خلفيته الأمنية كرئيس لأركان الجيش الإسرائيلي خاصة في حرب إسرائيل ضد غزه عام 2014 تؤهله أكثر إلى تحقيق الأمن لإسرائيل، كما أنه يميل إلى الحل السلمي مع الفلسطينيين واستئناف المفاوضات، من ناحية أخرى فإن التحالف الذى يتزعمه يضم بعض الجنرالات بما لهم من مصداقية وحظوة لدى الرأي العام الإسرائيلي في قضايا الأمن مثل "جابى إشكنازي" رئيس الأركان السابق "وموشى يعلون" وزير الدفاع السابق، ومع ذلك فإن منافس نتنياهو لا يمتلك خبرته الدولية ولا علاقات نتنياهو الأمريكية، وعندما زار الولايات المتحدة لم يقابل الرئيس الأمريكي "ترامب" كما فعل نتنياهو.
في هذا السياق يؤخذ على نتنياهو التحالف مع "حزب القوة اليهودية" العنصري من قبل مجموعات كبيرة من اليهود الأمريكيين الليبراليين، وهو الحزب الوريث "لمائير كاهانا" وحركة كاخ، كما أن تحالف "جانتس" قد يتحالف مع نواب القوائم العربية.
السقف اليميني يؤطر الانتخابات
وبالرغم من اختلاف البرامج السياسية بين المعسكرين المتنافسين بزعامة نتنياهو وجانتس، والبيانات والتصريحات السياسية والانتقادات المتبادلة بينهما، إلا أنه ثمة حقيقة لا يختلف حولها أحد من المعلقين أو المحللين؛ ألا وهي أن هذه الانتخابات الحادية والعشرين للكنيست الإسرائيلية تجرى في إطار السقف الذي فرضه وأملاه على الساحة السياسية الإسرائيلية، اليمين القومي والديني الإسرائيلي منذ عام 1977، بزعامة مناحم بيجن، وتشكيل حكومات الوحدة الوطنية الإسرائيلية. هذا السقف المتعلق خاصة بالتسوية السياسية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي والصراع العربي الإسرائيلي حيث تمكن اليمين القومي والديني في إسرائيل خاصة خلال العقدين الأخريين من صياغة خطوط الإجماع حول هذه التسوية أن لا عودة لحدود 1997 والاحتفاظ بالكتل الاستيطانية في الضفة الغربية والإبقاء على القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل والاحتفاظ بالسيطرة على مرتفعات الجولان السورية.
من ناحية أخرى، فإن العديد من المحللين يرون في برنامج تحالف جانتس نسخة أخرى من اليمين القديم، ولكن بلغة مختلفة عن نتنياهو بالرغم من حديثة عن الحل السلمي والتفاوض والرهان الأكبر الذي يخيم على هذه الانتخابات يبدو حتى الآن أنه الهاجس الأمني المسيطر على تحالف الجنرالات واستعادة قوة الردع في مواجهة حماس في غزة، خاصة مع تفكك حزب العمل وتقليص نفوذه وسيطرة اليمين على مؤسسات الدولة التي لم تسلم رغم هذه السيطرة من انتقاد اليمين والزعم بسيطرة النخبة القديمة عليها.