«الحرب الخفية» في إسرائيل.. بين اليمين المتطرف والجنرالات
قبل شهرين، كتب رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي رسالة إلى رئيس الوزراء وحكومته حول التطرف المتزايد من المستوطنين منذ هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ولم تحظ الرسالة باهتمام كبير وحذر خلالها رونين بار من أن الهجمات المتزايدة التي يشنها المستوطنون ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية تمثل "إرهابا" و"تحديا للأمن القومي الإسرائيلي" و"وصمة عار كبيرة".
وحذر من أن هؤلاء المتطرفين لا يهاجمون الفلسطينيين فقط بل يشتبكون أيضا مع قوات الأمن الإسرائيلية بدعم من كبار أعضاء الحكومة.
وعلى مدار العام الماضي، تم التعتيم على الأوضاع في الضفة بسبب الهجوم الإسرائيلي المستمر في غزة ثم الحرب في لبنان والضربات الإيرانية على الأراضي الإسرائيلية، وذلك وفقا لما ذكرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية في تقرير طالعته "العين الإخبارية".
وأشار التقرير إلى أن الأمم المتحدة سجلت منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أكثر من 1400 حادثة من هجمات المستوطنين ما بين تخريب واعتداء وحرق عمد والتي أسفرت عن إصابات أو إتلاف ممتلكات، كما أدت إلى نزوح 1600 فلسطيني من منازلهم.
وجاء تحذير بار في الوقت الذي حذر فيه المسؤولون الإسرائيليون في وزارة الدفاع من أن الضفة على وشك الانفجار، وهو الأمر لذي قد يؤدي إلى مقتل مئات الإسرائيليين بـ«حريق جديد» في حرب إسرائيل متعددة الجبهات.
وتتجاوز آثار سلوك إسرائيل في الضفة مصير الفلسطينيين لأن الصراع بين جهاز الأمن واليمين المتطرف وحلفائه من المستوطنين لا يدور حول استخدام القوة في غزة، أو التوقف عن احتلال الضفة أو تقديم تنازلات، إنما هو صراع حول أمن إسرائيل وهويتها.
وربما تصغي إسرائيل إلى تحذيرات المسؤولين الأمنيين مثل بار، أو ربما تستمر في الخضوع لمتطلبات اليمين المتطرف، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى إراقة المزيد من الدماء، وفي النهاية الإضرار بمكانة إسرائيل ودعمها في الغرب، وبالتالي المزيد من العزلة الدولية.
«صراع وجودي»؟
في نظر العديد من الإسرائيليين الذين ما زالوا يرون أن إسرائيل دولة علمانية وليبرالية وديمقراطية، فإن الصراع ضد اليمين المتطرف أمر وجودي ستشكل السياسة والأمن الإسرائيليين في السنوات القادمة.
وبدأ الانقسام بين المؤسسة الأمنية واليمين المتطرف إلى 2006، عندما قتل الجندي إيلور عزاريا فلسطينيا مصابا وملقى على الأرض دون أن يشكل تهديدا في مدينة الخليل.
ودافع سياسيون من اليمين بما في ذلك بنيامين نتنياهو عن عزاريا وطالب بعضهم بالعفو عنه، في تناقض مع تصريحات غادي ايزنكوت رئيس الأركان الإسرائيلي آنذاك بأن تصرفات عزاريا تتعارض مع معايير الجيش.
كما كشفت الواقعة أيضا عن قوة حركة المستوطنين في السياسة الإسرائيلية، فبعد توجيه تهمة القتل إلى عزاريا جري تخفيفها لاحقا إلى القتل غير العمد حيث قضى 9 أشهر في السجن.
ناقوس خطر
يدق كبار المسؤولين الأمنيين ناقوس الخطر من أن اليمين المتطرف يعمل بشكل مباشر ضد مصالح إسرائيل.
ويشير المسؤولون تحديدا إلى بتسلئيل سموتريتش وزير المالية القومي الديني الذي يمثل حركة المستوطنين المتطرفة، والذي يتمتع من خلال منصب آخر في وزارة الدفاع بالسيطرة الفعلية على الشؤون المدنية في الضفة.
كما سبق اعتقاله واستجوابه في 2005 للاشتباه في تخطيطه لتفجير طريق سريع احتجاجًا على انسحاب إسرائيل من غزة.
كما يشير المسؤولون أيضا إلى إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي الذي أدين عدة مرات بالتحريض على العنصرية ودعمه لجماعة إرهابية يهودية.
ويعيش سموتريتش وبن غفير في مستوطنات الضفة ويروجان لضم المنطقة، وبعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، دعا كل منهما إلى إعادة توطين اليهود في غزة.
كما دعا بن غفير إلى إقالة كل من بار ووزير الدفاع يوآف غالانت بسبب فشلهما في منع الهجوم، ودعمهما لصفقة مع حماس لإطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار.
«معركة خفية»
وصف مسؤول استخباراتي إسرائيلي سابق الصدام المتزايد بين اليمين المتطرف والمؤسسة الأمنية بأنه "غير مسبوق".
وهذا الصدام متجذر في جهود نتنياهو للبقاء في السلطة من خلال ربط نفسه باليمين المتطرف وإلقاء اللوم على الجهاز العسكري والاستخباراتي حول 7 أكتوبر/تشرين الأول، في حين أنه ينكر مسؤوليته ويرفض إنشاء لجنة تحقيق مستقلة.
وهناك فجوة جوهرية بين الأيديولوجيين اليهود العازمين على إضفاء الطابع الرسمي على سيطرة إسرائيل على الأراضي المحتلة وبين قادة الأمن المنخرطين في العمليات اليومية والتواصل مع المسؤولين الأمريكيين.
وهؤلاء (قادة الأمن) يرتبطون بحكم انتمائهم للمؤسسة العسكرية بالنظام الديمقراطي العلماني الليبرالي، ويصرون على الاحتفاظ على الالتزام بسيادة القانون حتى لو ظاهريا على الأقل.
ولا يتعلق الصدام بطموحات اليمين المتطرف في الضفة فحسب، بل يمتد لمعضلة إسرائيل حول غزة حيث تدعم المؤسسة الأمنية، بقيادة غالانت، التوصل لصفقة كما ينتقد وزير الدفاع نتنياهو علنا لفشله في تقديم نهاية للحرب مع بديل واقعي لحكم حماس.
وفي أغسطس/آب الماضي، وصف غالانت رغبة نتنياهو في تحقيق "نصر كامل" بأنها "هراء خطابي"، في حين اتهم رئيس الوزراء وزير دفاعه بتبني "سرد معادٍ لإسرائيل".
ويعود نزاع الرجلين إلى ما قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بسبب الإصلاحات القضائية، والأسبوع الماضي ألغى نتنياهو رحلة غالانت المخطط لها إلى الولايات المتحدة.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أثار مقتل 6 رهائن إسرائيليين الغضب مما أدى إلى إضراب عمالي لمدة نصف يوم وبعض أكبر المظاهرات في تاريخ إسرائيل، حيث طالب ما يقدر بنحو نصف مليون شخص في تل أبيب وحدها نتنياهو بالتوصل إلى اتفاق.
ومع اشتعال جبهة لبنان وإيران إضافة إلى هجوم إسرائيلي في شمال غزة، يبدو أن صفقة الرهائن بعيدة المنال.
وأشار تقرير في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية الشهر الجاري إلى إحباط كبار مسؤولي الدفاع، الذين يتهمون الحكومة بالتضحية فعليًا بالرهائن في مسعى لضم غزة.
سبب آخر
كما يشتد الصراع بين المؤسسة الأمنية والحكومة، أو على الأقل وزراء اليمين المتطرف بسبب تدهور الوضع في الحرم القدسي الشريف.
وفي عدة مناسبات، عمل بن غفير على تقويض الوضع الراهن الهش من خلال تشجيع اليهود على الصلاة هناك، وهو ما يحدث بأعداد متزايدة الآن وأدانته المؤسسة الأمنية باعتباره استفزازات خطيرة لا تغضب الفلسطينيين فقط بل تستفز أيضا الأردن والعالم الإسلامي.
ومن المتوقع أن يصبح الحرم القدسي أكثر اشتعالا حيث تشق حركة مسيحية يمينية متطرفة طريقها إلى التيار الرئيسي بهدف إقامة احتكار يهودي للموقع بأكمله، وإعادة بناء الهيكل المزعوم.
وتستمر المواجهة بين اليمين المتطرف والمؤسسة الأمنية رغم التدهور السريع للوضع في الضفة وخارجها فمنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، مُنع 150 ألف فلسطيني من الضفة من العمل في إسرائيل، كما حجبت تل أبيب الأموال المخصصة للسلطة الفلسطينية بموجب اتفاقيات أوسلو.
ويقوض الضرر الشديد الناجم عن هذه السياسات قدرة المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين على الحفاظ على الحد الأدنى من النظام لأن البطالة وإفقار الفلسطينيين لا يؤديان إلا إلى زيادة احتمالات العنف.
وعندما يتعلق الأمر بالضفة، تظل الحكومة خاضعة لوزراء اليمين المتطرف دون أن تستمع إلى المؤسسة الأمنية أو إلى المحتجين في الشوارع.
الضغوط الخارجية
السؤال الآن ما إذا كانت الضغوط الخارجية قادرة على إجبار نتنياهو على تغيير مساره؟ إن الدعم غير المشروط الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل رغم توسع المستوطنات في مختلف أنحاء الضفة ساهم في إفلات المستوطنين المتشددين من العقاب مع تزايد نفوذهم داخل المؤسسات والسياسة الإسرائيلية.
وبدأت الولايات المتحدة في فرض عقوبات على المستوطنين المتشددين وبعض الجماعات التي تمول المشروع الاستيطاني، لكنها لم تستهدف بعد بن غفير وسموتريتش، أو الجماعات شبه الحكومية والمجالس الإقليمية للمستوطنين.
ولم تفرض واشنطن قيوداً جدية على تسليم الأسلحة إلى إسرائيل والتي قد تنتهي في أيدي المستوطنين ولم تستخدم أيضا إمداداتها من الأسلحة كوسيلة ضغط من أجل وقف إطلاق النار في غزة.
ومن المرجح أن يعتمد نتنياهو على اليمين المتطرف للبقاء في السلطة حتى لو تعرض لضغوط أمريكية خاصة أن المجتمع الإسرائيلي منحاز إلى حد كبير إلى موقفه الرافض لأي تنازل للفلسطينيين.
aXA6IDMuMTQwLjE5Ny4xNDAg جزيرة ام اند امز