إسطنبول.. مدينة صنعت أردوغان وزلزلت عرشه
تمسك أردوغان بإعادة الانتخابات في العاصمة الاقتصادية يظهر خوفه من أفول نجمه، خاصة أنه قال عنها يوما ما: من يفزْ بإسطنبول يفزْ بتركيا.
رغم استلام أكرم إمام أوغلو، الذي ينتمي لحزب الشعب الجمهوري المعارض، رئاسة بلدية مدينة إسطنبول التركية في 17 أبريل/نيسان الماضي، عقب فوزه على مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم، بن علي يلدريم إلا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قرر الانقلاب على شرعية الصناديق وإعادة الانتخابات.
- رغم الهزيمة الرسمية لحزبه.. سلطات أردوغان تقرر إعادة انتخابات إسطنبول
- إسطنبول.. الصفعة الأكثر إيلاما تطلق خريف أردوغان
فهول الصاعقة التي نزلت على أردوغان بخسارته للمدينة التي صنعت نجمه الزائف قبل عقد من الزمان، أفقدته توازنه وزلزلت عرشه وجعلته يسقط قناع الديمقراطية الزائفة، ويؤكد رفضه الانصياع لقرار الشعب الذي لفظه وحزبه بعد سنوات من الفساد.
وجدد مطالبته في كثير من الأحيان بإعادة الانتخابات البلدية في المدينة، زاعما وجود "تجاوزات كبيرة" في الانتخابات التي مني فيها حزبه بخسارة فادحة، ومع ممارسة ضغوطه على اللجنة العليا للانتخابات التي قررت، الاثنين، إعادة السباق المحلي في المدينة يوم 23 يونيو/حزيران المقبل.
وجاء قرار اللجنة العليا للانتخابات، رغم إعلانها سابقا فوز مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أوغلو ببلدية المدينة الاستراتيجية.
لماذا يريد أردوغان إسطنبول
تمسك أردوغان بإعادة الانتخابات في العاصمة الاقتصادية، وتجنبه الحديث عن العاصمة الإدارية أنقرة التي خسرها أيضا، يظهر خوفه من أفول نجمه وزوال حكمه، خاصة أنه قال عنها يوما ما:" من يفز بإسطنبول يفز بتركيا".
وللمرة الأولى منذ عام 1994 تمكن سياسي من حزب ذي مرجعية غير إسلامية من انتزاع رئاسة بلدية إسطنبول (أكرم أوغلو)، إثر فوزه على مرشح مقرب من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات البلدية الأخيرة.
وأظهرت نتائج الانتخابات المحلية في ولاية إسطنبول حصول مرشح الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أوغلو على 4 ملايين و169 ألفا و765 صوتاً، مقابل حصول مرشح العدالة والتنمية بن علي يلدريم على 4 ملايين و156 ألفا و36 صوتاً.
وشكلت هزيمة يلدريم، الذي كان آخر من تولى رئاسة الحكومة قبل إلغاء المنصب، ضربة موجعة للحزب الحاكم، بسبب قامته السياسية وبسبب إلقاء أردوغان بكل وزنه السياسي لدعمه.
مخاوف من زوال حكمه
ولفوز المعارضة التركية ببلدية إسطنبول له أهمية سياسية كبيرة، فهي أكبر مدن تركيا، وشريان الاقتصاد، والرمز التاريخي والمجتمعي النابض بالذاكرة التركية المشتركة.
ومن تلك المدينة ورئاسة بلديتها بدأ أردوغان طريقه لسدة الحكم، والآن يخشى من أن تمهد الطريق إمام أوغلو لإزاحة أردوغان والتخلص من إرث "العدالة والتنمية" الفاسد، وتنهي أسطورة رئيسه الكاذب.
فأردوغان بدأ نجم السياسي بالصعود من رئاسة بلدية إسطنبول، فقد فاز بها عام 1994، ولكن بإعلان فوز أوغلو أحد أكثر الوجوه المعارضة المعروفة في تركيا بدأ الحديث عن مستقبل سياسي على المستوى الوطني.
والخسارة الكبيرة للعدالة والتنمية في الانتخابات المحلية التي جرت في 31 مارس/آذار الماضي، جعلت مساعي أردوغان للترشح لفترة رئاسية جديدة في 2023 محل جدل، وفي المقابل فتحت الطريق أمام أوغلو للـ"فوز بتركيا".
فأوغلو اليوم يتربع على رأس أهم المدن التركية اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، ولديه الوقت الكافي لتوسيع قاعدته الشعبية بحلول عام 2023، موعد الانتخابات الرئاسية في تركيا.
وكان مراقبون يرون أن "رئاسة بلدية إسطنبول يمكن أن تشكل دفعة لإطلاق مسيرة السياسيين على المستوى القومي، ومن بينهم إمام أوغلو، وهو ما جعل أردوغان يتمسك بهذه المدينة دون غيرها، خوفا من أفول نجم الحزب الحاكم، وسط أزمات سياسية واقتصادية تلاحقه.
فخسارته لإسطنبول وضعته بين نار القبول أو توخي نهج أكثر استبدادا، وفي الخيارين مخاطر مرتفعة للغاية، فضياع إسطنبول يعني الكثير بالنسبة لأردوغان، فهو دليل على أن سكان المدينة التي احتضنت انطلاقته السياسية، وترأسها لسنوات، لفظته، وقالت له "لا"، أي أنها صفعته بشكل مهين.
وتعتبر النتائج الحالية للانتخابات المحلية في تركيا مرآة عاكسة لوضع شعبية أردوغان وحزبه مستقبلا، لا سيما أنها تعبر عن المزاج العام للشارع التركي، الذي يعاني بسبب التردي الاقتصادي إلى جانب سياسات القمع والانتهاكات الممنهجة التي يمارسها ضد معارضيه.
كما أن المتتبع للشأن التركي يرى أن صعود المعارضة التركية في البلديات الرئيسية يعد مدخلا لزيادة شعبيتها، خاصة أنها بحكم منصبها لديها القدرة على توفير احتياجات ومتطلبات الأتراك الحياتية، ورفع معاناتهم الاقتصادية والاجتماعية، ما له أكبر الأثر في اتجاهات التصويت بالانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة.
ويبدو أن أوغلو يشكل تهديدا كبيرا لأردوغان إلى درجة أن وسائل الإعلام الموالية لحزب العدالة والتنمية الحاكم اتهمته في اليوم التالي لإعلان فوزه بقيادة "انقلاب انتخابي"، كل ذلك جعل أردوغان يخلع عباءة ارتداها لسنوات طويلة تحمل عنوان الديمقراطية، ويظهر وجهه القبيح.
وكان المجلس الأعلى للانتخابات في تركيا قرر في وقت سابق الإثنين إلغاء نتائج الانتخابات البلدية في مدينة إسطنبول التي ألحقت هزيمة مؤلمة بالرئيس طيب أردوغان وذلك استجابة لمطالب حزب العدالة والتنمية بإعادة التصويت في قرار أضر بالليرة وأثار اتهامات بوجود تضارب في المصالح.
ووصف حزب الشعب الجمهوري، أقوى أحزاب المعارضة الذي فاز في التصويت الأصلي برئاسة إسطنبول، القرار بأنه "دكتاتورية صريحة".
وتراجعت الليرة التركية بعدما نشر رجب أوزيل ممثل حزب العدالة والتنمية لدى المجلس القرار على تويتر.
aXA6IDE4LjExOC4xNDkuNTUg
جزيرة ام اند امز