في ذكرى ميلاده: كيف رسم رفائيل العذراء مريم أكثر من ثلاثين مرة؟

يوافق اليوم ذكرى ميلاد الفنان الإيطالي رفائيل، أحد أبرز رموز عصر النهضة الأوروبية، الذي لم تقتصر عبقريته على التقنية واللون، بل امتدت إلى قدرته على تحويل القماش إلى مرآة للروح.
وفي قلب هذه المرآة، كانت السيدة مريم العذراء، الحضور الأوفى في أعماله، موضوعًا استحوذ على مخيلته، حتى رسمها في أكثر من ثلاثين لوحة، وكل واحدة منها تحمل اسمًا خاصًا وشكلًا فنيًا جديدًا، لكن بعينين متشابهتين، ساكنتين، لا تخطئهما العين.
تعدد اللوحات.. وحدة الوجه
جسّد رفائيل شخصية السيدة مريم في أكثر من ثلاثين عملًا، يعيد من خلالها بناء المشهد ذاته بمعانٍ مختلفة، ويعيد ابتكار الثوب ذاته، بالملامح نفسها. الملامح التي كانت في كل مرة، تشبهه بقدر ما تشبه موضوعه.
بين الإيمان والجمال
في سياق فني كانت الكنيسة فيه الراعي الأول، شكّلت صورة مريم موضوعًا دينيًا محوريًا. لكن رفائيل لم يعاملها كمجرد واجب تصويري. بالنسبة له، كانت العذراء رمزًا يتجاوز اللاهوت، ويعكس رؤيته للجمال النقي، والأمومة الصافية، والسكينة الحاضرة في وجه امرأة. مريم، في لوحات رفائيل، لم تكن بعيدة، بل قريبة. امرأة تنتمي إلى الناس، لا تحلّق فوقهم.
ملامح مريم: بحث شخصي عن وجه الطمأنينة
تشير بعض التحليلات إلى أن فنان النهضة استوحى وجه مريم من امرأة أحبها في صمت، بينما تشير أخرى إلى أنه استمد ملامحها من وجوه نساء مدينته، حتى وصل إلى هذا النموذج المثالي. ما يبدو مؤكدًا أن رفائيل لم يكن يبحث عن قديسة فقط، بل عن تعبير داخلي عن الطمأنينة والجمال، وجهٍ يمكنه أن يرى فيه العالم كما يجب أن يكون.
"العذراء سيستينا": حين تلتقي الأيقونة بالخلود
من بين جميع لوحاته، تبرز "العذراء سيستينا" كإحدى أشهر أعماله. في هذه اللوحة التي رسمها في سنواته الأخيرة، تظهر مريم وهي تمشي بثبات وتحمل الطفل يسوع، بنظرة واثقة، لا تخلو من الحزن العميق والسكينة، وكأنها تعرف ما ينتظر ابنها، لكنها لا تتردد. أسفل اللوحة، يجلس ملاكان صغيران يحدقان إلى الأعلى، وقد أصبحا لاحقًا من أكثر عناصر الفن تداولًا في الثقافة البصرية الحديثة.
بين الإبداع والتدين.. رفائيل والحد الفاصل
لم يكن تصويره للعذراء تعبيرًا عن التزامات عقائدية فقط، بل فعلًا فنيًا يعكس فهمه العميق للأنوثة، والروحانية، والإنسان بوصفه كائنًا يبحث عن المعنى من خلال الجمال.
وبين ثلاثين لوحة أو أكثر، ظل وجه مريم عند رفائيل ثابتًا، كأنما كان يرسمه كل مرة ليقترب منه أكثر، لا ليكتفي بتكراره.
aXA6IDMuMTUuNi4xNTYg جزيرة ام اند امز