أمريكا اللاتينية.. تغييرات تقوض سياسة واشنطن لـ"ترويض العصاة"
"المسمار الأخير في نعش السياسة الأمريكية المتشددة تجاه تلك المنطقة".. هكذا اعتبر تحليل التطورات السياسية التي شهدتها أمريكا اللاتينية.
التحليل الذي نشره موقع "نيوزويك"، أشار إلى "التطورات السياسية التي شهدتها أمريكا اللاتينية على مدى الأشهر الأخيرة، وفي مقدمتها انتخاب رئيس يساري في البرازيل، ومن قبله آخر في كولومبيا"، مؤكدا أنها "يقوض قدرة الولايات المتحدة على عزل وعقاب الأنظمة غير الطيعة لها في القارة بشكل نهائي".
- أمريكا اللاتينية.. هل بدأ "المد الوردي" الجديد؟
- رئيس كولومبيا الجديد.. زحف يساري بأمريكا اللاتينية "يقلق" البيت الأبيض (فيديو)
واعتبر التحليل أن "أحد أبرز الأمثلة على ذلك هو سياسة واشنطن تجاه فنزويلا التي فشلت في عزل حكومة الرئيس نيكولا مادورو"، بل إنها تكاد تبحث عن مخرج مشرف لها من هذه السياسة الفاشلة لكنها تخشى في الوقت نفسه رد فعل جماعات الشتات الفنزويلية التي كانت أحد الأسباب في تبنى الرئيس السابق دونالد ترامب سياسة متشددة تجاه هذه الدول.
واستعرض التحليل المساعي الأمريكية في عزل مادورو منذ يناير/كانون الثاني 2019 في عهد ترامب، الذي قطع العلاقات مع حكومة الرئيس الفنزويلي الاشتراكي نيكولا مادورو بعد إعادة انتخابه التي اعترض عليها زعيم المعارضة خوان جوايدو.
ومنذ ذلك الوقت، بات جوايدو زعيم البلاد المعترف به من قبل الولايات المتحدة، على الرغم من فشله في السيطرة على السلطة من خلال انتفاضة في وقت لاحق من ذلك العام.
وعانت "حكومته" من أزمات متعددة، وضعف مركزه لدرجة أن دوره كزعيم للجمعية الوطنية أصبح تحت التحدي منذ انتخابات يناير/كانون الثاني عام 2020 عندما استعاد حزب مادورو السيطرة على البرلمان.
ووفقا للتحليل، فإن السياسة الأمريكية المتمثلة في عزل مادورو دبلوماسياً والاعتراف بـ" حكومة مؤقتة "وهمية كممثل شرعي لفنزويلا أصبحت غير قابلة للاستمرار منذ أن أنهى البرلمان المنتخب ديمقراطياً برئاسة جوايدو فترة ولايته.
ولا يزال مادورو مسيطرا بقوة على قصر ميرافلوريس، الذي اتصل منه بالرئيس البرازيلي المنتخب لولا، الإثنين، لتهنئته بالفوز على الرئيس اليميني المنتهية ولايته جايير بولسونارو.
كل هذه التطورات باتت في صالح الزعيم الفنزويلي مادورو الذى كان تلقى في يونيو/حزيران خبرا سعيدا آخر وهو انتخاب الرئيس الكولومبي جوستافو بيترو خلفا للمحافظ المنتهية ولايته إيفان دوكي، ليكون بترو هو أول زعيم يساري في البلاد على الإطلاق، والذي واصل على الفور إعادة العلاقات مع مادورو في أغسطس/آب والتقى به شخصيًا هذا الأسبوع.
ووفقا للمراقبين، فإن المزيد والمزيد من الحكومات التي اعترفت في الأصل بجوايدو قد سحبت، بطريقة أو بأخرى، هذا الاعتراف، لتكون التغييرات في الحكومة في كولومبيا والبرازيل هي تقريبًا المسامير الأخيرة في نعش سياسة التشدد الأمريكي.
وبالنسبة لبايدن، فإن الوضع يمثل ضربة أخرى لاستراتيجية إدارته في نصف الكرة الغربي، والتي ظهرت نقاط ضعفها بالكامل في قمة الأمريكيتين التي استضافتها الولايات المتحدة في لوس أنجلوس في يونيو/حزيران الماضي.
فقد كان التجمع، الذي يهدف إلى استعراض قيادة واشنطن في المنطقة، شهد مقاطعة العديد من القادة للحدث بسبب استبعاد كوبا ونيكاراجوا وفنزويلا التي يقودها الاشتراكيون، بينما استخدم ممثلو الدول الأخرى الذين حضروا - الاجتماع للتعبير عن شكواهم بشأن إدراج الولايات المتحدة جيرانهم على القائمة السوداء.
وجاء الموقف المتشدد لإدارة بايدن على النقيض من موقف الرئيس السابق باراك أوباما، الذي قاطع عقودًا من السياسة الخارجية للولايات المتحدة وقام بفتح العلاقات مع كوبا، خصم حقبة الحرب الباردة، وذلك في وقت كان بايدن يشغل فيه منصب نائب الرئيس.
لكن انفراج أوباما وانفتاحه على الجزيرة التي يقودها الشيوعيون خالفه مرة أخرى ترامب، الذي ضاعف من العقوبات المفروضة على هافانا، وكذلك على كاراكاس وماناجوا.
ولقي موقف ترامب احتفاء كبيرا بين المحافظين في الولايات المتحدة، بما في ذلك الأصوات المؤثرة داخل جماعات الشتات الكوبي والفنزويلي. لذا بدا الديمقراطيون وكأنهم قرروا الإبقاء على هذا الحماس اليميني بينما يخوضون معاركهم السياسية في الداخل.
سياسات تقليدية
وقال جون كافانا، كبير المستشارين في معهد دراسات السياسة، لمجلة نيوزويك إنه "على مدار العامين الأولين لبايدن، بينما كان جريئًا في السياسة الداخلية، كان تقليديًا وغير مبتكر في السياسة الخارجية". فلقد تجاهل إلى حد كبير أمريكا الجنوبية مع انتشار النفوذ الصيني. وأضاف أن "الولايات المتحدة ببساطة لم تعد فاعلا مهما في أمريكا الجنوبية".
وأشار كافانا إلى أنه "في الوقت الذي حددت فيه موجة جديدة من القادة اليساريين مسارًا جديدًا للقارة، فشلت إدارة بايدن في اغتنام الفرص الجديدة للمشاركة في عملية سلام فنزويلا بقيادة المكسيك".
كما أنها لم تتمكن من العثور على مجالات جديدة للتعاون مع كولومبيا وتشيلي، حيث هزم اليساري جابرييل بوريك المحافظ خوسيه أنطونيو كاست.
لكن ضعف موقف جوايدو، الذي تؤيده واشنطن، داخل فنزويلا وفشله في تحقيق الأغلبية في الانتخابات، قد يتيح لواشنطن طريقة تحفظ ماء وجهها للخروج من هذا المأزق الدبلوماسي، لاسيما وأن الولايات المتحدة بحاجة إلى النفط الفنزويلي مع استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا.
لكن بحسب المحللين، فإن حتى هذا التوجه قد يكون صعبا في واشنطن، بالنظر إلى اقتراع التجديد النصفي لأعضاء الكونغرس الأمريكي الثلاثاء القادم، الذي قد يعيد الجمهوريين للسيطرة على مجلس النواب، ويحد، من ثم، من قدرة بايدن على أي انفتاح محتمل على كراكاس.
واختتم التحليل بالتأكيد على أن سياسة التشدد الحالية الموروثة من ترامب لم تنجح وبدلاً من ذلك "انتهى الأمر بالفائدة على خصوم الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم"، إذ إن فشل واشنطن في عزل "الأنظمة العصية" قد اعتبر فشلا دبلوماسيا في قارة شديدة الأهمية للولايات المتحدة الأمريكية.
aXA6IDMuMTQ1Ljk3LjIzNSA=
جزيرة ام اند امز