بعد فوزه بأغلبية ساحقة.. ماذا قال خالد العناني أول عربي يتولى منصب المدير العام لليونسكو؟

في تصويت كاسح داخل المجلس التنفيذي لليونسكو، فاز الدكتور خالد العناني بمنصب المدير العام الجديد للمنظمة، متعهدًا بجعلها بيتًا يعكس تنوع الإنسانية.
في إنجاز تاريخي، حصل الدكتور خالد العناني، وزير السياحة والآثار الأسبق، على منصب المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) للفترة من 2025 إلى 2029، بعد أن نال 55 صوتًا من أصل 57 خلال تصويت المجلس التنفيذي للمنظمة، الذي جرى مساء الإثنين، 6 أكتوبر/ تشرين الأول، في العاصمة الفرنسية باريس، ليخلف بذلك الفرنسية أودري أزولاي في إدارة المنظمة.
وفي أول تصريح صحفي له بعد فوزه، أكد العناني من باريس أن مهمته لن تكون مجرد إدارة مؤسسة دولية، بل التزامًا بجعل اليونسكو بيتًا جامعًا للقيم المتنوعة لشعوب العالم، بحيث تصبح معاناتهم وأحلامهم جزءًا من رسالتها الإنسانية الجامعة.
تفاصيل أو تعليق من خالد العناني بعد فوزه بمنصب مدير عام اليونسكو
يأتي هذا الفوز تتويجًا لمسيرة مهنية تمتد لأكثر من ثلاثين عامًا، تنقّل خلالها العناني بين التدريس الجامعي والبحث العلمي وعلوم الآثار وإدارة المتاحف والعمل التنفيذي، ما شكّل قاعدة لرؤيته القائمة على أهمية الثقافة والتعليم والعلوم في بناء التفاهم العالمي وتعزيز السلم الدولي.
وقال العناني إن تجربته الأكاديمية منحته الدقة والانضباط المنهجي، فيما أضافت له خبراته التنفيذية القدرة على تحويل الأفكار إلى سياسات قابلة للتطبيق، تستند إلى الحوار والشراكة الدولية. وأضاف: "رؤيتي لليونسكو تنطلق من مبدأ أن العمل المنفرد لا يحقق الأهداف، بل التضامن والتعاون الحقيقي هو ما يضمن أن يشعر كل عضو بأنه شريك في صنع القرار".
ويُعد انتخاب العناني لهذا المنصب حدثًا غير مسبوق، إذ أصبح أول شخصية عربية تتولى إدارة اليونسكو منذ تأسيسها عام 1945، كما أنه ثاني إفريقي يشغل المنصب بعد السنغالي أمادو محتار مبو (1974 – 1987). وقد حظي بترشيح ودعم عربي شامل، تجسّد في قرار أصدرته جامعة الدول العربية على مستوى القمة في مايو/ أيار 2024 بتأييد ترشيحه كمرشح عربي وحيد، كما نال دعمًا إفريقيًا واسعًا.
وعن هذا الدعم، قال العناني: "أشعر بفخر كبير لأن ترشيحي حظي بتأييد واسع من المجموعتين العربية والإفريقية، وهو ما يعكس ثقة جماعية تتجاوز الأبعاد القُطرية، وتعبر عن هوية مشتركة وقيم متجذّرة. وسأعمل على أن تكون أصواتهم حاضرة في قلب القرارات داخل اليونسكو".
أولويات خالد العناني الفترة القادمة
وأشار إلى أن من أولوياته بناء شراكات فاعلة عبر تعزيز التعاون بين دول الجنوب، بما يجعل من اليونسكو منصة لتبادل التجارب الناجحة، وتعزيز قدرة الدول على مواجهة التحديات العالمية مثل تغيّر المناخ، والهجرة، وحماية الهوية الثقافية، والتعليم، بحيث تتصدر هذه القضايا أجندة العمل الدولي.
وكرّر العناني تعهده بأن تكون المنظمة بيتًا جامعًا للتنوع الإنساني، وليس مجرد مؤسسة إدارية، مضيفًا: "ما يميز اليونسكو هو اتساع ولايتها لتشمل التعليم والثقافة والعلوم والاتصال، وهذا يتقاطع تمامًا مع خبرتي الأكاديمية والتنفيذية".
وقد حصل الدكتور العناني على عدة تكريمات دولية، من أبرزها وسام جوقة الشرف الفرنسي برتبة فارس، والدكتوراه الفخرية من جامعة بول فاليري مونبلييه 3، والتي اعتبرها تتويجًا للتعاون الدولي في مجالات البحث العلمي وصون التراث.
منذ إطلاق حملته الانتخابية قبل نحو 30 شهرًا، قام العناني بزيارة أكثر من 60 دولة، حيث التقى بمجموعة واسعة من المسؤولين والخبراء وممثلي المجتمع المدني، وطرح خلالها رؤية متكاملة لمستقبل عمل اليونسكو، ترتكز على القرب من الدول الأعضاء والتفاعل المباشر مع مجتمعاتها.
"اليونسكو من أجل الشعوب"
وقال العناني إن بعض المحطات تركت أثرًا عميقًا في نفسه، خاصة زياراته للدول الإفريقية والجزرية الصغيرة، حيث لمس عن قرب التحديات التي تواجهها في مجالات التعليم وصون التراث ومواجهة آثار تغير المناخ. وأضاف: "هذه اللقاءات لم تكن بروتوكولية، بل كانت فرصًا للاستماع المباشر لاحتياجات تلك المجتمعات، ما عزز قناعتي بضرورة أن تكون اليونسكو أقرب إليهم وأكثر فاعلية في دعمهم".
وأشار إلى أنه خرج من هذه التجربة بإيمان راسخ بأن مستقبل المنظمة مرتبط بمدى استجابتها لاحتياجات الفئات والمجتمعات الأكثر هشاشة، وبمنحها صوتًا حقيقيًا ضمن النظام متعدد الأطراف.
وتقوم رؤية "اليونسكو من أجل الشعوب"، التي تقدم بها العناني، على أن التعليم يجب أن يحتل موقعًا مركزيًا في جهود التنمية، مؤكدًا أن "التعليم ليس فقط حقًا أساسيًا، بل أداة تمكين وبناء للعدالة الاجتماعية". وحدد ثلاثة محاور رئيسية في هذا المجال: تقليص فجوة عدم المساواة في التعليم، دعم التحول الرقمي في البنية التحتية وتدريب المعلمين، والتعليم من أجل المستقبل عبر تعزيز مهارات القرن الحادي والعشرين.
وأعرب عن تطلعه لأن تكون اليونسكو منطلقًا لإصلاح عالمي في التعليم، قادرًا على قيادة حوار دولي وتحويله إلى برامج عملية تستفيد منها كل الدول دون تمييز.
رؤية خالد العناني في مجال التراث الثقافي
وفي مجال التراث الثقافي، أكد العناني أن الحفاظ عليه يتجاوز الاحتفاء بالماضي، بل هو رابط بين الأجيال يرسخ الشعور بالانتماء. وقال: "من هنا جاء حرصي على إشراك الشباب في برامج حماية التراث، وتوسيع الوعي بأهميته من خلال التعليم، وتشجيع الابتكار والمبادرات الشبابية في حماية المواقع الأثرية".
كما شدد على ضرورة الربط بين التراث والتنمية المستدامة، وتحويله إلى مورد اقتصادي يمكن استثماره من خلال السياحة الإبداعية والصناعات الثقافية، ما يمنح المجتمعات المحلية، خصوصًا الشباب، فرصًا جديدة للنمو والمشاركة.
وفيما يخص الثقافة، قال العناني إنها تمثل لغة تجمع بين الشعوب، وإذا حظيت بالتوظيف السليم، فإنها قادرة على بناء التفاهم وتعزيز السلم. وأكد ضرورة دعم الإبداع الفني المشترك، وتوسيع منصات تبادل الثقافات، خاصة الأصوات المهمشة، بما يعزز من قدرة اليونسكو على أن تكون جسر حوار عالمي.
وأوضح أن تجربته أثبتت له أن الإدارة الناجحة للتراث والمؤسسات الثقافية لا تتحقق من المكاتب وحدها، بل من خلال التواجد الميداني والتفاعل المباشر مع المجتمعات، مشددًا على أهمية أن يعزز وجود اليونسكو الميداني في الدول النامية والأقل نموًا.
توسيع مكاتب منظمة اليونسكو إقليميًا
وأشار إلى ضرورة توسيع مكاتب اليونسكو الإقليمية، وتزويدها بالخبرات المتخصصة، وتنفيذ زيارات رصد دورية لمواقع التراث، والتعاون مع الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص من أجل تحقيق نتائج ملموسة على الأرض.
ورأى أن أساس النجاح في العمل الدولي يتمثل في الحوار والتوافق، مضيفًا: "الحوار يفتح أبواب التفاهم، والعمل الجماعي يعطي قوة للقرار لأنه يعكس توافقًا واسعًا. لذلك سأحرص على إدارة مبنية على الإنصات والشراكة وبناء التوافقات".
وقد أوصى المجلس التنفيذي لليونسكو بانتخاب العناني رسميًا خلال اجتماع المؤتمر العام المقرر في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني بمدينة سمرقند في أوزبكستان. ورغم أن هذا التصويت لم يتم بعد، فإن توصيات المجلس التنفيذي لم يُسبق أن رُفضت في تاريخ المنظمة، ما يجعل انتخابه محسومًا بشكل شبه نهائي.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNSA= جزيرة ام اند امز