جداريات اعتصام الخرطوم.. ريشة تروي قصص الثورة السودانية
حركة دؤوبة من شرق ساحة الاعتصام بمقر القيادة العامة للجيش السوداني إلى غربها لا تترك جدارا أو أرضية إلا وزينته بجدارية فنية
حركة دؤوبة من شرق ساحة الاعتصام بمقر القيادة العامة للجيش السوداني إلى غربها، لا تترك جداراً أو أرضية إلا وزينته بجدارية يرسمها شباب من الجنسين، لتقدم لوحات تحكي عن الثورة التي انتظمت في البلاد طيلة الأربعة شهور الماضية.
مع انسحاب ضوء الشمس، بدا الشاب أبوالقاسم (25 عاماً)، ممسكا بريشته يرسم إحدى الشخصيات باللون الأسود على جدار في محيط الاعتصام، فيما تقف الأعين حوله تراقب فرشاه تنزلق جيئة وذهابا بألوان متباينة لترسم لوحة زاهية.
وعن جداريته التي يحاول رسمها وهي ترفع بأصابعها علامة النصر، تحدث أبوالقاسم، قائلا "هذه اللوحة للشهيد عبدالعظيم بابكر، الذي مهر الثورة بدمائه".
وقال أبوالقاسم لـ"العين الإخبارية": "أحاول رد الاعتبار للشهداء من خلال رسم شخصياتهم على الجدران في ميدان الاعتصام".
ويُعتبر عبدالعظيم بابكر، الذي استشهد في 24 يناير/كانون الثاني الماضي، وكاتب المقولة الأشهر التي تتداولها منصات التواصل الاجتماعي: "لقد تعبنا يا صديقي، ولكن لا أحد يستطيع الاستلقاء أثناء المعركة"، ويعد أحد أشهر شهداء الثورة في السودان.
واللوحة الجدارية هي أي قطعة من الأعمال الفنية المرسومة أو المطبقة مباشرة على الجدار، السقف أو غيرها من الأسطح الكبيرة الدائمة، فيما تظل الصفة المميزة لها أنها تدمج بانسجام العناصر المعمارية للفضاء المعين في الصورة.
وتمثل الجدارية عملا فنيا مرسوما على الجدران أو السقف، وتعد أحد أهم الفنون الأكثر قدرة على توصيل رسالتها بسلاسة وقوة، وذات تأثير كبير على أعداد كبيرة من الناس.
وتحاول مجموعة من المعتصمين استغلال الجدران وتزيينها بالرسومات بالمقر الدائم للاعتصام، للتعبير عن أشواقهم وأحلامهم لمعانقة أجواء الحرية والتعبير عن أحلامهم ورؤاهم بعد كبت وحرمان دام لأكثر من 30 عاما، في ظل حكم الرئيس السابق عمر البشير.
وتسعى مجموعات من الشباب استغلال فرصة الاعتصام للتعبير عن التطلعات والطموحات عبر الرسومات الحائطية، وطرح أفكارهم بشأن مستقبل البلاد، بعد انسداد الأفق طيلة المرحلة الماضية، ولجوء الأغلبية العظمى إلى الهجرة إلى خارج البلاد.
وفي أحد الممرات الضيقة، يتفانى تامر عبدالمجيد (26 عاماً)، في رسم لوحة جدارية، يغلب على ألوانها الأزرق والأبيض والأصفر، وبعض الألوان الزيتية.
وفي حديثه لـ"العين الإخبارية"، يرى عبدالمجيد أن مساهمته في الثورة الحالية بالسودان تكمن في تزيين الجدران باللوحات التي تضفي جمالا على المكان.
وأضاف عبدالمجيد "درست الفنون في كلية الفنون الجميلة والتطبيقية بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، وعاطل عن العمل، لكنني سعيد بوجودي في مقر الاعتصام وتزيين الجدران بالألوان الزاهية".
على الجانب الآخر من المكان، توجد لوحات يغلب عليها اللون الأزرق والأصفر لشهداء آخرين من شهداء الثورة، مكتوب عليها "شرف الثورة" و"هنا أقصى حدود الحرية".
المشهد الأكثر إيلاما في مقر الاعتصام الصور المعلقة للأطفال الذين دمرت حياتهم الحرب في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، وتزامن إلصاق تلك البوسترات التي تحمل صور الأطفال، مع وصول موكب دارفور غربي السودان للانضمام إلى المعتصمين، والتعبير عن اللحمة الوطنية التي مزقها النظام الإسلامي الذي اقتلعته الثورة الشعبية.
ومنذ عام 2003 تقاتل 3 حركات مسلحة رئيسية في دارفور ضد الحكومة السودانية، هي "العدل والمساواة" بزعامة جبريل إبراهيم، و"جيش تحرير السودان" بزعامة مني مناوي، و"تحرير السودان" التي يقودها عبدالواحد نور.
وخلفت حرب دارفور 300 ألف قتيل، وشردت نحو مليونين و500 ألف شخص، وفقا لإحصائيات الأمم المتحدة، لكن الحكومة ترفض هذه الأرقام، وتقول إن عدد القتلى لا يتجاوز 10 آلاف في الإقليم، الذي يقطنه نحو 7 ملايين نسمة.
ومنذ السادس من أبريل/نيسان الماضي يعتصم الآلاف من المحتجين أمام مقر القيادة العامة للجيش السوداني بالخرطوم، في تتويج لمظاهرات استمرت نحو 4 أشهر داخل الأحياء والأسواق ومواقف المواصلات العامة.
وفي 11 أبريل/نيسان الماضي، انحاز الجيش السوداني للشعب، بينما تواصل اعتصام المتظاهرين خارج مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، لتحقيق مطالب الثورة في نقل السلطة لحكومة مدنية، وتقديم رموز نظام البشير للعدالة.
aXA6IDMuMjEuNDYuNjgg جزيرة ام اند امز