مطبخ زرياب.. رحلات ونوادر عامرة بالمذاقات
جولة مع كتاب "مطبخ زرياب" للمفكر السوري فاروق مردم به الذي جمع فيه بين أدب الرحلات ومشاهداته الطريفة حول فنون الطبخ وتاريخها.
عبر نوادر تاريخية، وقراءات ثقافية، ترك المؤرّخ والمفكر السوري المقيم في فرنسا فاروق مردم بك انطباعاته الثرية الضاربة في أصول المطبخ في المشرق والمغرب في كتابه اللافت "مطبخ زرياب".
الكتاب من علامات الكتب التي تلمست تاريخ المأكولات، ومزجت بين مشاهدات أدب الرحلة، وانطباعات المذاق، تقمص فيها الكاتب روح "زرياب" ذلك الموسيقيّ العراقي العبقري الذي يعود له تأسيس المدرسة الأندلسية وإضافة الوتر الخامس على العود، ولُقب بـ"الطائر الأسود"، وإلى جانب الموسيقى وألحانها، يعود إليه كذلك تعليم أهل قرطبة إعداد المآكل البغدادية، وإدخاله "الهليون" إلى إسبانيا، وتطويره لفنون المائدة، جالبا معه من موطنه العراق، الذي غادره حوالى عام 820 ميراثا غارقا في الفنون بتنويعاتها الموسيقية وكذلك في المأكولات.
ولعل سيرة هذا "الطائر الأسود" بثراء تكوينها، وأثرها في خلق حالة التنوع والمذاق، جعل فاروق مردم بك يستعير اسمه وروحه المنطلقة في كتابه الذي ألفه بالفرنسية وصدر عن دار "آكت-سود" بباريس، وأصدر مشروع "كلمة" للترجمة في أبوظبي ترجمته إلى اللغة العربية عام 2015، التي أنجزها الدكتور جان ماجد جبّور.
لن تجد في الكتاب حضورا فقط للمطبخ العراقي، إنما ستجد تأصيلا للتاريخ الثقافي للمطبخ على امتداد زمني كبير، في كل من الشام، والخليج، والمغرب الأقصى واليونان وغيرها من الجغرافيات التي تخمر بها تراث الطهي منذ ما قبل الميلاد إلى الوقت المعاصر.
ويعالج صاحب "مطبخ زرياب" هذا المدى الزمني والثقافي الشاسع من خلال 3 أجزاء رئيسية منقسمة لفصول، منها فصل بعنوان "ثمار"، وبه يعود إلى أصول مكونات المطبخ، قبل سريان مدارس الطهي بها، فيتوقف عند تاريخ الزعفران والتمر والأرز والباذنجان والتين والعنب والبرغل والفستق والتفاح واليقطين والحمص، وغيرها الكثير من الخضروات واللحوم والتوابل.
ويُمرر مردم بك عبر فصوله عادات الطعام لدى الأوروبيين والشوام والمصريين والخليجيين والمغاربة، ويربطها بالتاريخ مستعينا بأساطير ومرويات متصلة بوصفات الأكلات لدى الشعوب المختلفة فتجد مثلا إضاءات في الكتاب على أبرز وصفات الطعام كمرقة المشمش التونسية، والأرز بدبس التمر الخليجي، وفتّة المكدوس السورية، والبطاطا الحلوة بالزعفران المغربية، والمقلوبة الفلسطينية، والعجة الإسكندرانية، واللحم بالزبيب الجزائري، وحلاوة الرز اللبنانية، والمسفوف المغربي ويخنة الفول الأخضر التونسية، وغيرها الكثير من صنوف أدار المؤلف تاريخها ومذاقاتها بكثير من الحرفة الوصفية والتاريخية.
تأخذك الوصفات إلى اكتشافات لاتخلو من نوادر، فيشاركك "زرياب" دهشته من أن أهل حلب يحضّرون الكبّة بـ60 طريقة مختلفة، ويرصد الإسقاطات الطبقية التي تقلل من قيمة الباذنجان، ونعته في الكثير من السرديات الشعبية بطعام الفقراء، ويتوقف عند فوائده الجمة، كما يثني على فوائد 14 صنفاً من الفواكه والخضار، وكذلك على الكوسكوس والأرزّ والبرغل، وخصص في كتابه جزءا خاصا بعنوان "مذكرات الرحلة ، يتنقل فيها مردم بك بطرافة من مطابخ بلاد المغرب الى المشرق فالخليج، فأوروبا، ونجده ينعت الخليج بـ "قصر التوابل"، ولبنان بـ"الابتكار بكل تنويعاته"، وسوريا بـ"الأذواق مجتمعة"، والمغرب بـ "استراحة الذوّاقة"، واليونان بـ"مباذخ بيزنطية المنسية"، وإسبانيا بـ"عطر من الجنة" وغيرها من النعوت التي لا تخلو من مشاهدات أدبية.
ويُدرج المؤلف أسماء تاريخية، يعتبر أن كل محبي الطبخ يجب أن يعرفوها، لعل أبرزهم "أمير الذواقين" إبراهيم بن المهدي، صاحب أول كتاب في الطبخ باللغة العربية، وقد كان أخا الخليفة هارون الرشيد، لكنه لم يهتم بالسلطة، وكرّس نفسه للفنون كالطعام، والشعر والموسيقى أيضاً.
aXA6IDEzLjU4LjQ1LjIzOCA= جزيرة ام اند امز