المقاتلات الكرديات.. كلمة السر في تراجع"داعش" من كوباني للرقة
نحو 7 آلاف مقاتلة كردية شكلن وحدات حماية المرأة، للدفاع عن المناطق ذات الأغلبية الكردية شمال شرق سوريا، فما دورهن بالمعارك؟
بكل شجاعة وبسالة تقفن في الصفوف الأمامية بالمعارك، يخُضن أكثر الاشتباكات حدة وصعوبة، فوراء جرأة القتال والزود والدفاع عن الأرض، قصص معاناة عديدة دفعتهن لحمل السلاح وخوض المعارك بالعديد من المدن السورية.
وتظن للوهلة الأولى أن وراء هذه الخطط والتحركات داخل المعركة هي عقلية مقاتلين رجال اعتادوا على خوض الحروب، بينما في كل تقدم جديد داخل معركة الرقة السورية التي انطلقت في الـ 6 من يونيو/ حزيران الماضي، تظهر قصة لمقاتلة كردية جديدة أعلنت الحرب ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، واتخذت قرارا لدحر آخر عناصره المسلحة خارج المدينة.
وبنحو 7 آلاف مقاتلة كردية مسلحة تألفت وحدات حماية المرأة، وهي وحدة ضمن وحدات حماية الشعب الكردية التي تأسست في يوليو/ تموز 2012، من أجل الدفاع عن المناطق ذات الأغلبية الكردية شمال شرق سوريا، لتقررن الكرديات بعد عام من تكوين قوات للدفاع عن الأكراد ضد جيش النظام والمعارضة المسلحة وعناصر داعش، تشكل تنظيم نسوي يضم مقاتلات كرديات، يمثل نحو ثلث العناصر الكردية، ويمنحهن حقوقا متساوية مع المقاتلين الرجال سياسًا وعسكريًا ومدنيًا بالمناطق الكردية.
الشجاعة والتدريب.. أدوات المقاتلات بالمعارك
وبمعركة الرقة تتقدم قوات سورية الديمقراطية بدعم التحالف الدولي يومًا بعد يوم، لتسترد عشرات القري والمناطق والمعسكرات التي وقعت تحت سيطرة داعش منذ يونيو/ حزيران 2014، ليستمر التوغل داخل الرقة بتحرير نحو 13 قرية وحيا، فضلًا عن الوصول لأسوار البلدة القديمة وبلدة جنوبي التي حولها الإرهاب لقاعدة عسكرية كبري ومعسكرا للتدريب فيها، والسيطرة على بلدة العكيرشي في الجانب الجنوبي من نهر الفرات، بخطط مشتركة تقودها المقاتلات الكرديات بجانب المقاتلين.
وفي مراحل معركة درع الفرات التي سبقت انطلاق معركة الرقة، ظهر دور المقاتلات بشكل كبير، لتبدأ استعدادات الاشتباكات بالحصول على دورات تدريبة عسكرية وحمل للسلاح، ودورات تدريب لإعدادهن نفسيًا وبدنيًا لتحمل كل ظروف القتال والحرب، وتتنوع أدوراهن بين حماية الصفوف الخلفية للمقاتلين، أو الدفاع بالخطوط الأمامية، ليبثثن الرعب في نفوس مسلحي التنظيم الإرهابي
فأغلب الكرديات التي حملن السلاح في وجه داعش، هن في الأصل سيدات وفتيات فضلن النزول لقلب المعركة وتركن العمل بالسياسة والانضمام لأحزاب، لتشعر بعضهن برجوع حقوقها والحصول على مساواة مع الرجال في المدن السورية ذات الأغلبية الكردية، فبعد خوضهن المعارك والاستبسال في القتال، بدأ الشعب السوري في هذه المناطق أن يعبر للمقاتلات عن تقديره واعتزازه لدورهن وإصرارهن على قيادة المعركة في الكثير من أوقات الحرب.
ورغم صعوبة المعارك وقسوتها، لتمسك فلول ومليشيات داعش بالتواجد داخل معقلهم الرئيسي بسوريا، نفضت المقاتلات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 18-44 عاما، أي خوف أو رعب يتسلل لهن عند المشاركة في القتال، ليخُضن معارك تحرير عين العرب "كوباني" والحكسة وعفرين ومنبج ما بين العام الماضي والعام الحالي.
وفي محافظة الحسكة التي تقع تحت سيطرة الأكراد حاليًا، تكونت مجموعات عسكرية نسائية باسم "قوات حماية نساء بين النهرين" لتنجح في طرد داعش في الـ 20 من فبراير/ شباط 2016، ولم تكن هذه المجموعة القتالية التي تشارك فيها المقاتلات الكرديات فقط، بل اشتركن في مجموعات وحدات حماية المرأة، وقوات الأساييش، وقوات الناطورة، ليجسدن النضال الواضح في الدفاع عن الأرض، بالتطوع للقتال بداية من ربة المنزل مرورًا بالعاملة في مجال حقوق المرأة والسياسية وصولًا إلى الطلبات بالجامعة والمراحل الدراسية المختلفة.
المقاتلات الكرديات .. نموذج لمحاربة إجرام داعش
فمهام المقاتلات منذ معركة تحرير كوباني والحسكة وعفرين إلى معركة الرقة المستمرة حاليًا لا يختلف عن مهام المقاتلين، ورغم تعرضهن للإصابة وطلقات الرصاص، لكن يظل الإصرار واضحا في ملامحهن، وبعد أن تعرضت المقاتلة الكردية شيرين حاجي صاحبة الـ 23 عاما لإصابة بالاشتباكات التي سبقت اقتحام الرقة لتفقد ساقيها، لكن لم تندم يومًا على خوض المعركة وتركها للحياة الطبيعة.
"إن خطة تسليح وحدات حماية الشعب هو قرار اتخذ في وقت متأخر بالمعارك، وإذا كان هذا الدعم يحدث منذ البداية وفي المقام الأول، فالتقدم داخل المدينة ربما كان أسرع، ولم نضطر لتقديم أرواحنا وتضحيات بالاشتباك الأخيرة عند أطراف الرقة" بهذا العبارة سردت شيرين حاجي قصة إصابتها بالمعركة وهي ترقد داخل مستشفى بمدينة القامشلي بسوريا، معتبرة أن التأخير في تسليح قوات وحدات حماية الشعب الكردية هو سبب إصابتها وليس قلة خبرة بالمعارك أو ضعف لمهارتها القتالية.
وكما نفضت المقاتلة الصغيرة غبار الخوف من خوض المعركة، نفضت أيضًا آلام الإصابة ومعاناة فقدانها لساقيها، لتستكمل بقولها "الآن جرحت، ولكن الآلام يجب أن تتوقف وتنتهي" مستغرقة في تفكيرها للبحث عن سبيل لحصول أهلها على حرية كاملة وسليمة داخل الرقة، لتشجع باقي المقاتلين والمقاتلات في توجيه ضربات متتالية لثكنات التنظيم الإرهابي.
وببنادق وبأسلحة متنوعة بين الخفيفة والثقلة، تتواجه مئات المقاتلات بجانب المقاتلين إلى شرق الرقة، بهدف تنفيذ الخطة المشتركة الموضوعة من أجل فتح الجبهات في 3 محاور في توقيت متوازٍ من الناحية الشرقية والجنوبية والشمالية الغربية، لينجحن في تنفيذ التقدم البري وتطويق الرقة، مع استمرار القصف الجوي بواسطة طائرات التحالف الدولي.
لتدخلن المقاتلات بكل ثقة حاملات زجاجات المياه، والأسلحة للقرى والبلدات في شاحنات كبري، تحسبًا لخطوات التنظيم الإرهابي وعناصر المسلحة الذين يلجؤون إلى حيل ضعيفة بالتخفّي في زي مقاتلين أكراد هاربين عبر الأنفاق بنشر المتفجرات والألغام والعبوات الناسفة في طرق السير، لإعاقة التقدم داخل المدينة.
بينما تردد اسم الفتاة العشرينية "شين إبراهيم" من بداية يناير/ كانون الثاني الماضي في عملية "درع الفرات"، لشجاعتها في خوص بعض المجموعات المقاتلة نحو الطبقة وسد الفرات، ولحرصها على الظهور بشكل أنيق مرتدية البدلة العسكرية وعلى كتفها شال زيتي اللون، مهتمة بتنسيق شعرها بشكل معين، لاستكمال القتال ضد عناصر داعش.
لتحمل شين سلاحها على كتفها الثاني وسط مئات المقاتلين الرجال، لتتقدم بخطوتها جانب خطواتهم، مدافعة عن باقي الكرديات التي وقعن في أيدي عناصر داعش المسلحة، مؤكدة في أحاديثها مع زملاء الكفاح والقتال أن هدفهم هو القتال حتى الموت أو نيل الحرية وتحرير الأسيرات، ليستمر دورها من معركة تحرير عين العرب " كوباني" في الـ 27 من يناير/ كانون الثاني 2016 إلى القتال في الرقة.
التجميل والزغاريد.. سلاحهن لدحر داعش
فطوال الـ 3 سنوات الماضية، واجهت الكرديات جرائم بشعة بحقهن من قبل مسلحي داعش، ليذُقن كل أنواع الإيذاء النفسي والبدني، لتتحول هذه العمليات الإجرامية والممارسات الوحشية لداعش إلى دافع لتحول الكرديات هذه الآلام إلى سلاح للدفاع عن أراضيهن التي بسط التنظيم الإرهابي سيطرته عليها، محرمًا كل أنواع الفنون والأغاني والموسيقي ليمنع النساء من استخدام أدوات التجميل، ناشرًا فكره المتطرف الذي سرعان ما نجحت الكرديات في إذابته باستخدام أدوات التجميل وتصفيف الشعر كـ جزء من الاستعداد للمعارك، فضلًا عن الظهور في جميع مشاهد القتال بابتسامة عريضة، تؤكد على عزيمتهن القوية التي لا تتأثر بأي إرهاب،
فعند سماعك زغاريد وأصوات تتعالى بالفرحة من داخل مدن شمال شرق سوريا، تعلم سريعُا أن هناك مدينة جديدة قد تحررت من يد الإرهابيين، حيث اعتادت المقاتلات الكرديات على إطلاق الزغاريد في كل مرة تتقدم القوات ووحدات حماية الشعب نحو معاقل داعش، مشيرات إلى أن هذه الزغاريد والفرحة هي بمثابة رسالة للعناصر الإرهابية لبث المزيد من الرعب في أنفسهم، والتأكيد على أن محاصرتهم مستمرة لا محالة، وأن طبيعة القتال المتبع بالمعارك ضدهم، سيهزمهم نفسيًا أولًا قبل الهزيمة الفعلية على أرض الواقع أو خسارة لقري ومدن ومسلحين وعدة وعتاد.
لتتمكن المقاتلات الكرديات وهن عنصر رئيسي من قوات سوريا الديمقراطية، من بسط السيطرة على 35% من مساحة الرقة بعد 38 يوما من بدء القتال، والتوغل إلى داخل البلدة القديمة ليتم تحرير 50% منها، كما تكبد داعش على يد المقاتلين والمقاتلات الأكراد خسائر عديدة ما بين عشرات الذخائر والعتاد وأكثر من 350 مسلح بمعركة الرقة.