الاقتصاد الأكبر أوروبيًا يعاني.. ألمانيا رهن "معضلة الغاز"
يبدو أن فاتورة عناد ألمانيا وإصرارها على التخلي عن الغاز الروسي ستكبدها الكثير، ففي أول 5 أشهر فقط من 2022 ارتفعت واردات الغاز 160%.
وكانت بيانات رسمية، قد أظهرت أن الزيادة في قيمة واردات ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، تأتي على الرغم من تراجع حجم الواردات بنحو 23% في نفس الفترة.
وتستورد ألمانيا الغاز بشكل رئيسي من روسيا، إلا أنها بدأت في الاعتماد على الغاز الطبيعي المسال بشكل أكبر منذ بداية الأزمة الأوكرانية.
وتعتبر إحصاءات شهر مايو، والصادرة من مكتب التجارة الخارجية الألماني، هي الثالثة التي تعكس تأثير أزمة أوكرانيا، والتي بدأت في 24 فبراير الماضي، بجانب تأثير العقوبات التي فرضها الغرب على موسكو.
وأظهرت بيانات مكتب التجارة الخارجية، التي يجري نشرها متأخرة شهرين، أن حجم واردات الغاز في الفترة من يناير إلى مايو بلغ 50.1 مليار متر مكعب، بانخفاض حوالي 23 بالمئة عن الفترة نفسها في 2021.
وقفزت قيمة الواردات إلى 26.3 مليار يورو (26.74 مليار دولار) في الخمسة أشهر الأولى هذا العام، مقارنة مع 10.1 مليار يورو (10.24 مليار دولار) في نفس الفترة العام الماضي.
الدولة الأوروبية الأكثر تضررًا
وتحتاج ألمانيا إلى خفض استهلاكها من الغاز أكثر من أي دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي من أجل تحقيق هدف التوفير في الاستخدام المتفق عليه للتكتل البالغ 15%، وفقا لحسابات (د.ب.أ) باستخدام بيانات المفوضية الأوروبية.
ويجب على ألمانيا أن تجد بوسيلة أو بأخرى طريقة لتوفير 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي بين بداية أغسطس ومارس من العام المقبل من أجل الوصول إلى هدف الاتحاد الأوروبي، أي ما يعادل متوسط الاستهلاك السنوي للغاز لـ 5 ملايين أسرة مكونة من أربعة أشخاص.
ونظرا لارتفاع مستوى استهلاكها للغاز فإن ألمانيا، مطالبة بتحقيق عمليات توفير أكبر من أي دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي، مما يجعلها مسؤولة عما يقرب من ربع عمليات التوفير في الغاز في جميع أنحاء التكتل.
وأشار وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك إلى أن ألمانيا تسير بالفعل على الطريق الصحيح لتحقيق خفض بنسبة تتراوح بين 14 إلى 15% في الاستهلاك مقارنة بالعام الماضي. ومع ذلك أكد هابيك أيضًا أن ألمانيا ستحاول خفض استهلاكها بأكثر من الحد الأدنى المتفق عليه البالغ 15%.
ودعا رئيس اتحاد الصناعات الألمانية، زيجفريد روسورم، الحكومة إلى تسريع إجراءاتها للتوفير في الغاز، وحذر من أن الشركات التي تحاول التحول من الغاز إلى النفط تتباطأ بسبب الروتين.
ودعا روسورم إلى تسريع التدابير مثل استبدال محطات توليد الطاقة التي تعمل بالغاز بمحطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم.
وقال روسورم: "هذه ليست السرعة التي تحتاجها ألمانيا في إدارة الأزمات، ألمانيا في خضم أكبر أزمة طاقة منذ تأسيس الجمهورية الاتحادية، يجب على الشركات والمستهلكين من القطاع الخاص القيام بدورهم لتوفير الغاز من أجل منع توقف الإنتاج، إنها الآن مسألة تصميم وسرعة".
وبالقياس على الدول الأوروبية، نجد أن ألمانيا -بوصفها أكبر اقتصادات القارة العجوز- المتضررة الكبرى من الضغوط الروسية على إمدادات الغاز، ما يتطلب استعدادات بصورة تفوق بقية الدول، لكن الواقع جاء مخالفًا لتلك الآمال.
على الصعيد المحلي، تسببت المستويات المرتفعة لأسعار الغاز في ألمانيا نحو دفع فواتير الكهرباء إلى مستويات غير مسبوقة، ودخل واحد ضمن كل 4 أشخاص -حتى الآن- ضمن نطاق شرائح "فقر الطاقة"، وفق بيانات معهد كولوغن للأبحاث الاقتصادية.
ويزيد ذلك من الأعباء الحكومية، إذ تعكف حاليًا على إعداد برامج دعم للأسر منخفضة الدخل.
ومن ضمن السيناريوهات التي يحذّر منها محللون إمكان تسبُّب نقص إمدادت الغاز في ألمانيا بتوقُّف بعض المرافق، وانخفاض الطلب الصناعي على الوقود بنسبة 17%، إذا استمرت تدفقات خط نورد ستريم 1 عند مستوى 20% المنخفض.
الصناعة تعاني
وفي سياق متصل، أظهرت بيانات اقتصادية نُشرت في 4 أغسطس 2022، تراجع الطلب على إنتاج المصانع في ألمانيا خلال حزيران/يونيو الماضي للشهر الخامس على التوالي في ظل استمرار تأثيرات ارتفاع معدل التضخم واضطراب سلاسل الإمداد على آفاق أكبر اقتصاد في أوروبا.
وذكر مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني في بيان اليوم أنه "في ضوء زيادة حالة عدم اليقين الناجمة عن الحرب الروسية في أوكرانيا ونقص إمدادات الغاز، مازال نمو الطلب ضعيفا... آفاق النشاط الصناعي مازالت مقيدة في ظل استمرار تدهور مناخ الأعمال".
وتبدو النظرة المستقبلية لألمانيا أسوأ من الكثير من الدول المجاورة. بالإضافة إلى معدل التضخم المرتفع واضطراب سلاسل الإمداد، يعتبر اعتماد ألمانيا الكبير على إمدادات الغاز الطبيعي الروسي يهدد باحتمال اللجوء إلى تنظيم إمدادات الطاقة واستخدام نظام الحصص للمستهلكين خلال الشتاء المقبل، في ظل استمرار تقليص روسيا لكميات الغاز التي تضخها إلى ألمانيا وأوروبا بشكل عام.
ومن المحتمل أن يتدهور الموقف بصورة أكبر في الأشهر القادمة حتى تضطر الشركات الصناعية في ألمانيا إلى خفض إنتاجها أو وقفه جزئيا.
التخزين.. ومعضلة الخلاص من الإمدادات الروسية
ما زالت مستويات تخزين الغاز في ألمانيا لا ترقى لمستوى يؤهل أكبر الاقتصادات الأوروبية لمواجهة شتاء بارد خالٍ من الإمدادات الروسية، إذ إن معدل التخزين الذي تعهدت بالوصول إليه مطلع نوفمبر/تشرين الثاني المقبل ما زال يواجه تحديات.
ورغم أن خطط الاتحاد الأوروبي المعلنة -قبل أسبوع- ترمي إلى خفض استهلاك الغاز بدءًا من الآن، فإن برلين تحتاج إلى معدل خفض أكبر، لا سيما بعد أن خفضت شركة غازبروم تدفقاتها إلى ألمانيا عبر خط نورد ستريم 1 لأسباب وصفتها بأنها "فنية"، ما يزيد من صعوبة تعزيز مستويات التخزين، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وأدى خفض تدفقات الغاز الروسي إلى ارتفاع أسعاره أوروبيًا لما يزيد عن 30% الأسبوع الماضي، ما ترتَّب عليه ارتفاع أسعار الكهرباء مسجِّلةً أرقامًا قياسية.
وفي الآونة الحالية، بات أمن إمدادات الغاز في ألمانيا على المحك، إذ إن المهلة المتبقية أمامها لتعزيز مستوى التخزين قبيل زيادة الطلب مع دخول فصل الشتاء باتت وشيكة، وتُقدَّر بنحو 3 أشهر فقط حتى مطلع نوفمبر/تشرين الثاني.
وقد خفتت أضواء القصر الرئاسي ليلًا، في حين عكفت مدن ألمانية على خفض معدل الإضاءة وتسخين المياه، وعمّت حالة من الاستنفار في البلديات المحلية بإعداد موائل تدفئة للحماية من قسوة برد الشتاء.
ورغم أن حرارة الصيف ما زالت في أوجها، فإن المهلة المقدَّرة بنحو 3 أشهر لتعزيز مستوى تخزين الغاز في ألمانيا تحاصر الجهود الحكومية قبل فصل الشتاء، الذي بات كابوسًا يهدد القارّة العجوز عمومًا، وألمانيا خصوصًا.
ووصفت محللة الأبحاث في وود ماكينزي، بيني لينك، أن خفض غازبروم لتدفقاتها من الآن يدفع إمدادات الغاز في ألمانيا لمواجهة مرحلة الخطر، بتأثيرها في مستويات التخزين.
وقُدِّر مستوى تخزين الغاز في ألمانيا -حتى الآن- بنحو 68%، غير أن التوقعات تشير إلى انخفاض هذا المستوى، خاصةً بعد قرار غازبروم فيما يتعلق بتدفقات نورد ستريم 1.
ويبدو أن الهدف الحكومي بالوصول إلى مستوى تخزين الغاز في ألمانيا لما يقارب 95%، بحلول مطلع نوفمبر/تشرين الثاني، بات مشكوكًا به في ظل مستوى التدفقات الحالي.
aXA6IDMuMTQ5LjIzNS4xNzEg جزيرة ام اند امز