لبنان ورحلة العلاج المر.. مصير مجهول ينتظر الجلسة السابعة مع الصندوق
وصف المتحدث باسم صندوق النقد الدولي جيري رايس المحادثات مع لبنان بأنها بناءة ومستمرة عن بُعد، حتى الآن
يترقب لبنان ما ستؤول إليه نتائج مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي، سعيا للحصول على الدعم لإنقاذ الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتأزم، في ظل اقتناع الجميع أن عدم نجاح هذه الفرصة سيزيد الأمور تعقيدا وسيكون لبنان عندها أمام المصير المجهول.
وعقد الوفد اللبناني المفاوض برئاسة وزير المالية غازي وزني ستة اجتماعات حتى الآن مع صندوق النقد الدولي على أن يعقد الاجتماع السابع اليوم الاربعاء، في حضور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على رأس فريق من البنك المركزي، بحسب بيان لوزارة المال التي وصفت أجواء الاجتماعات بالايجابية.
كذلك وصف المتحدث باسم صندوق النقد الدولي جيري رايس المحادثات حتى الآن بأنها بناءة ومستمرة عن بُعد.
وقال في وقت سابق: "سنصف الخطة الاقتصادية للحكومة اللبنانية على أنها نقطة بداية جيدة لهذه المناقشات"، مشيراً الى أن "الخطة تُشخص العديد من القضايا الاقتصادية التي تواجه لبنان وتقترح مجموعة شاملة من السياسات لمعالجتها.
ويجمع كل من وزير الاقتصاد السابق والنائب الحالي نقولا نحاس والخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان على أن تنفيذ الإصلاحات هو المفتاح الاساسي اليوم لانقاذ لبنان، معبرين عن أملهما في نجاح المفاوضات مع صندوق النقد، لأن فشلها وعدم حصول لبنان على المساعدات سيزيد الوضع الاقتصادي والاجتماعي تعقيدا وتأزما.
العبرة في التنفيذ وليس بالخطط
وقال نحاس لـ "العين الاخبارية" إن "لبنان بحاجة أساسية للتمويل الخارجي للانطلاق نحو النهوض، وصندوق النقد هو فرصة في هذه المرحلة الانتقالية علينا الاستفادة منها".
ويؤكد أن نجاح لبنان في الحصول على المساعدات يتوقف على تنفيذ الاصلاحات التي باتت معروفة، ونصت عليها خطة الحكومة الإنقاذية"، لكنه يؤكد "العبرة تبقى في التنفيذ وليس في الخطط خاصة وأن الحكومات وضعت الكثير من الخطط واطلقت وعودا بالاصلاح لكنها لم تنفذ شيئا".
ويشدّد على أن الإصلاحات يجب أن تكون بنيوية وسياسية في كل المؤسسات وعلى رأسها القضائية وهي متطلبات أساسية لا بد منها، لتحقيق التغيير ومحاربة الفساد والهدر وغيرها من الامور التي كانت السبب في ما وصلنا اليه اليوم، وبالتالي اكتساب ثقة الداخل والخارج للحصول على المساعدات".
ومع تفاؤله في تحقيق التغيير في هذه المرحلة، يرى نحاس "أن فشل المفاوضات مع صندوق النقد، وهذا ما لا نتمناه، سيؤدي بلبنان الى المجهول"، مؤكدا "كلما تأخرنا في الإصلاحات تأخرنا في النهوض".
مفاوضات تصب في مصلحة لبنان
من جهته، يعتبر الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان أنه من السابق لأوانه الحديث عن نتائج المفاوضات مع الصندوق، لكنه يجدد التأكيد في حديث مع "العين الاخبارية" على قضايا أساسية من شأنها أن تساهم في نجاح هذه المفاوضات وهي تصب في مصلحة لبنان، أهمها، ضبط الحدود ومكافحة التهريب ومحاربة الفساد والهدر والتفلت الضريبي، إضافة إلى تقليص حجم القطاع العام الذي يكلف الدولة 40 بالمئة من النفقات، ويقدر العاملين فيه باكثر من 300 الف موظف، بما يشبه البطالة المقنعة.
ويلفت أبو سليمان إلى أن تحرير سعر صرف الليرة، الذي تنص عليه شروط الصندوق واعلنت الحكومة انها ستعتمده في خطتها، لا بد بدوره ان يكون بشكل تدريجي ويترافق مع الاصلاحات والا سينعكس سلبا على الوضع الاجتماعي وسيؤدي الى ارتفاع كبير للاسعار.
وفي حال باءت المفاوضات مع صندوق النقد بالفشل، فيلفت أبو سليمان إلى حلول يصفها بـ "غير الكلاسيكية" بامكان لبنان أن يلجأ إليها رغم أن نتائجها ستكون محدودة، وهي تلك التي تعرف بـ "swap line"، أو اتفقاقيات لتبادل العملات بين المصارف المركزية على غرار ما يحصل بين سويسرا وبلدان اخرى، وذلك عبر وضع مبالغ من العملة اللبنانية في هذه المصارف لفترة محددة قابلة للتمديد مقابل الحصول على العملة الصعبة، لكن حتى هذا الأمر يتطلب علاقات جيدة مع الدول وثقة من قبل هذه المصارف تجاه لبنان، وهو ما على الدولة اللبنانية أن تعمل على اثباته.
وفي الاطار نفسه، وصف وزير الاقتصاد الحالي راوول نعمة المرحلة الحالية التي يعيشها لبنان "بالصعبة وأن وسيلة الخروج منها تكمن من خلال تلقينا المساعدات من الدول الصديقة والشقيقة ومن صندوق النقد الدولي والاتفاقيات التي سيتم توقيعها معه".
ولفت في حديث إذاعي إلى أن موضوع مساعدات صندوق النقد يعتمد في شكل أساسي على "سرعة الإصلاحات التي ستطبقها الحكومة والتي ستساعد على خروجنا من الأزمة تماما كما حصل في اليونان وقبرص حيث تحسنت أوضاع البلدين خلال 3 سنوات".
وقال: "كل مندوبي الدول الذين اجتمعوا برئيس الحكومة أشاروا إلى امكان البناء على خطة الحكومة الانقاذية بما فيهم صندوق النقد، وهذا في حد ذاته يشكل ايجابية كبيرة، مع امكان تحسينها وتعديلها والاخذ بالآراء حولها".
الصندوق لا يفرض خطط
وأكد أن الصندوق "لا يفرض خطته على الحكومة، بل هو ينتظر خطة حكومة أي بلد"، مطمئنا بأن "لا ضرائب على كاهل المواطنين وذوي الدخل المحدود في المدى القصير، وأن العمل جار على دعم هؤلاء لرفع أي أذى قد تسببه الازمة الاقتصادية عليهم".
ويعتمد لبنان في مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي على خطة تقشفية أقرتها الحكومة نهاية الشهر الماضي وتمتد على خمس سنوات. وتقترح إصلاحات على مستويات عدة بينها السياسة المالية وميزان المدفوعات والبنى التحتية، وإعادة هيكلة للديون والمصارف.
كما تنص على إصلاحات أساسية في البنى التحتية، بينها في قطاع الكهرباء المترهّل والذي يشكّل العبء المالي الأكبر.
وكان وزير المال غازي وزني أعلن ان "حصة لبنان في صندوق النقد هي حوالي 870 مليون دولار، ويأمل أن يصل إلى مستوى أعلى، حوالى عشرة أضعاف هذا المبلغ، أي تقريباً تسعة مليارات دولار، وذلك بدعم أيضاً من الدول الشقيقة والصديقة".
- أزمة لبنان الاقتصادية تدهس العاملات الأجنبيات "بلا رحمة"
- انطلاق مباحثات لبنان وصندوق النقد.. والشعب يدفع الثمن
وينتظر لبنان أن تخوّله الإصلاحات الواردة في الخطة الحصول على 11 مليار دولار إضافية تعهّد المجتمع الدولي بتقديمها على شكل هبات وقروض في مؤتمر "سيدر" الذي انعقد في باريس في عام 2018، مقابل إجراء إصلاحات بنيوية وخفض النفقات العامة.
وأمل وزني بالانتهاء من المفاوضات في أسرع وقت. وقال "كلما أسرعنا في الانتهاء من موضوع المفاوضات كلما كان ذلك أفضل للبنان"، مشيراً إلى أن "الاتفاق مع صندوق النقد يعطي مصداقية لبرنامج الحكومة، ويفتح أفق لبنان أمام مؤتمرات الدعم الدولية ويسهل التفاوض بين لبنان والدائنين".
ويتخوّف البعض من أن تؤدي الانقسامات السياسية العميقة دون تنفيذ الخطة. كما تحدث البعض عن مخاوف من عدم وصول المساعدات، ولو عبر صندوق النقد، لكون الحكومة مدعومة خصوصا من حزب الله المصنف "إرهابيا" من الولايات المتحدة.
لكن وزني شدّد على أن الخطة "ورقة مالية اقتصادية وليست ورقة سياسية"، مؤكداً أن "ليس هناك تفاوض مع الصندوق بشروط سياسية، ولم توضع أي شروط سياسية".
والأزمة الاقتصادية الحالية تُعد الأسوأ منذ الحرب الأهلية (1975-1990)، وهي وليدة سنوات من النمو المتباطئ، مع عجز الدولة عن إجراء إصلاحات بنيوية وترهل المرافق العامة واستشراء الفساد.
وخرج مئات الآلاف من اللبنانيين إلى الشوارع بشكل غير مسبوق في 17 تشرين الأول/أكتوبر وعلى مدى أسابيع، ناقمين على الطبقة السياسية التي يحملونها مسؤولية الفساد والفشل في معالجة الأزمات المتلاحقة.
ويتزامن الانهيار الاقتصادي مع أزمة سيولة حادة وشحّ في الدولار منذ الصيف الماضي ووصول سعر صرفه الى اعلى مستوياته. وانعكس ذلك على تراجع القدرة الشرائية للبنانيين إلى حد كبير وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة 55 في المئة، بحسب تقديرات رسمية. وتوقعت الحكومة في خطتها الاصلاحية أن تبلغ نسبة التضخم في العام الحالي 53 %.