مبادرة فرنسا تتهاوى.. لبنان يواجه "المجهول"
عكست زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى بيروت استياء باريس من السياسيين وبات الجميع يقر بسقوط المبادرة الفرنسية ودخول لبنان إلى المجهول.
فقد عكست زيارة جان ايف لودريان، إلى بيروت بعد تلويحه بالعقوبات على المسؤولين واقتصار لقاءاته على الرؤساء الثلاثة، مدى استياء باريس من الطبقة السياسية وقيادات الأحزاب الذين يتحملون مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في لبنان.
وبدا لمراقبين أن المبادرة الفرنسية التي أطلقت في أغسطس الماضي ونصت على تشكيل حكومة اختصاصيين غير حزبيين في موازاة تنفيذ الإصلاحات ومحاربة الفساد تقترب من السقوط.
يكاد المسؤولون في لبنان يقرون بهذا السقوط وبالتالي دخول لبنان إلى المجهول إذا لم يتداركوا الوضع قبل فوات الأوان في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية تتفاقم نتيجة الأزمة السياسية.
وتقول مصادر سياسية مطلعة على مشاورات الحكومة لـ"العين الإخبارية" إن "المبادرة الفرنسية بتفاصيلها لجهة صيغة الحكومة وتوقيت تأليفها لم تعد صالحة وما بقي منها هو روح هذه المبادرة بشأن أهمية تأليف الحكومة والإصلاحات والتحقيق المالي الجنائي".
وتضيف المصادر ذاتها، "في ظل الوضع الحالي مع شبه انسحاب مختلف الدول من الملف اللبناني لأسباب مرتبطة بالتطورات الإقليمية بات على المسؤولين اللبنانيين التحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لا سيما في ظل الأزمات المتفاقمة التي يعيشونها بعد عيد الفطر المبارك، وإلا سيكون لبنان أمام مرحلة صعبة جدا ".
من جهته يقول شارل جبور، مسؤول الإعلام في "حزب القوات" لـ"العين الإخبارية" "من الواضح حتى الساعة أن كل المساعي الخارجية والداخلية اصطدمت بجدار العرقلة السياسية لتأليف الحكومة ولا مؤشرات بإمكانية الخروج من هذا المأزق لا عن طريق المبادرة الفرنسية ولا غيرها".
ويؤكد جبور أن "الأساس في هذه المرحلة هو خطورة إبقاء أبواب البلد مشرعة أمام الفراغ وفي ظل الكلام عن رفع الدعم عن المواد الاستهلاكية وما يمكن أن ينتج عنه من فوضى اجتماعية وبالتالي يبقى السؤال اليوم هل سيتمكن لبنان من عبور هذه المرحلة الصعبة في ظل وضع لبنان الاقتصادي الكارثي".
ويضيف: "لا طرحنا حل إجراء الانتخابات النيابية المبكرة كمخرج سريع لأن البلد لا يحتمل الانتظار عاما لموعد الانتخابات المقبلة خاصة بعد مرور ثمانية أشهر على الفراغ، ولو اعتمد هذا الخيار كمخرج لربما كنا استطعنا إنتاج سلطة جديدة".
لكن من الواضح، حسب جبور، أن لبنان لا يمكنه الخروج من المأزق في ظل كل الظروف، وإذا كان المجتمع الدولي حريصا على إبقاء لبنان مستقرا في مرحلة انتقالية يعاد فيها هندسة المنطقة يبقى السؤال: هل سيتمكن من الصمود وأن يبقى مستقرا؟.
وعن سياسة فرنسا التي حاولت عزل الأحزاب عبر تجاهل لقاء وزير الخارجية الفرنسي للقيادات والتقى في المقابل مجموعات المعارضة والمجتمع المدني يقول جبور : "النتيجة هي رهن صناديق الاقتراع بمعزل عن دعم من هذا الطرف أو ذاك لكن لا شك أن المجتمع الدولي يئس من الفريق الحاكم نتيجة مصالحة السلطوية التي لا علاقة لها بمصالح المواطنين وأولوية البلد.. يبقى الأهم قدرة اللبنانيين على إنتاج سلطة لبنانية جديدة وهو رهن على قدرة المعارضة على تعزيز موقعها عبر صناديق الاقتراع".
وفي الاطار نفسه، اعتبر النائب المستقيل، نعمة افرام، أن المبادرة الفرنسية بمرحلتها الأولى انتهت وهي إعطاء فرصة للطبقة الحاكمة بالتغيير ودخلنا المرحلة الثانية أي مرحلة العقوبات.
وقال في حديث تلفزيوني إنه تبين للمجتمع الدولي أن في لبنان قوى بديلة للطبقة الحاكمة، في إشارة إلى مجموعات المجتمع المدني، مشددا على أنه يجب أن نتساعد لتحسين صورة لبنان.
الموقف نفسه عبر عنه إلياس حنكش، النائب المستقيل في حزب الكتائب الذي التقى رئيسه لودريان، أن اللقاء مع الرؤساء الثلاثة جاء على مستوى بروتوكولي، أما لقاء المجموعات التغييرية والسيادسة فقد وجّه رسالة تشكل اعترافًا بالبديل وعدم الاعتراف بشرعية مجلس النواب والقوى السياسية.
ولفت في حديث تلفزيوني إلى أن الفرنسيين وصلوا إلى نتيجة مفادها أنه لا يمكن لمن أوصلوا لبنان إلى هنا أن يتمكنوا من إنقاذه.
وأشار إلى أنه يتم العمل على تشكيل جبهة معارضة منذ فترة طويلة لأننا رأينا إلى أين أوصلت الاتفاقات الثنائية الهشّة البلد، ومن المؤكد أنه لا بد من ثوابت سياسية واضحة.
وأوضح حنكش أن المعارضة تضم المجموعات التي شاركت في اللقاء مع الوزير جان إيف لودريان وهناك الكثير من الانفتاح، مؤكدًا أن لا شيء يمنع من تضافر الجهود مع باقي المجموعات في الاستحقاق الانتخابي.
كان وزير الخارجية الفرنسي التقى الأسبوع الماضي في بيروت رئيسي الجمهورية ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في لقاءات بروتوكولية، إضافة إلى أحزاب ومجموعات معارضة فقط، ولا سيما منها التي انبثقت عن انتفاضة أكتوبر 2019، مقاطعا كل الأحزاب الأخرى.
وقال بعد اللقاءات: "حتى اليوم، لم يرتق اللاعبون السياسيون إلى مستوى مسؤولياتهم"، محذراً من أنه "ما لم يتحركوا الآن بمسؤولية.. فعليهم أن يتحمّلوا عواقب هذا الفشل".
وتقود فرنسا منذ أشهر ضغوطاً دولية لتشكيل حكومة اختصاصيين، لم تثمر بسبب الانقسامات السياسية والخلافات على الحصص.
واتهم لودريان الجمعة المسؤولين بقيادة البلاد إلى الموت. وقال "أنا هنا تحديداً لمنع هذا النوع من الانتحار الجماعي الذي ينظمه البعض".
وفي محاولة لمضاعفة الضغوط على الطبقة السياسية، فرضت فرنسا الشهر الماضي قيوداً على دخول شخصيات لبنانية تعتبرها مسؤولة عن المراوحة السياسية والفساد. ولم يتم حتى الآن الإفصاح عن هوية الشخصيات أو ماهية القيود.
ونقلت المجموعات المعارضة للمسؤول الفرنسي خشيتها من أن تعمد الطبقة السياسية الى تأجيل الانتخابات التشريعية المرتقبة في ربيع 2022، مقابل تشديد لودريان على أن "احترام الجدول الزمني الديموقراطي في لبنان أمر واجب ولن يقبل المجتمع الدولي أي محاولة للتأجيل".
aXA6IDMuMTI5LjI0Ny4yNTAg جزيرة ام اند امز