إيران تختزل لبنان لـ"صندوق بريد".. في انتظار رجل البيت الأبيض
مراقبون قالوا إن إيران اختارت عناوين محلية لعرقلة تشكيل الحكومة في لبنان لكنها تفضل تعليق الأزمة لحين ظهور نتائج الانتخابات الأمريكية
باعتذار مصطفى أديب رئيس وزراء لبنان المكلف عن عدم المضي قدما في تشكيل الحكومة، باتت البلاد التي تعاني من أعنف أزمة اقتصادية منذ نهاية الحرب الأهلية على طريق "جهنم" بحسب تعبير استخدمه الرئيس اللبناني ميشال عون قبل نحو أسبوع.
طريق عبده حلفاء إيران في لبنان ليسير البلد المنكوب بالطائفية على حافة انهيار يعيد انتاج واقع بيروت التي أتى على نصفها انفجار هائل الشهر الماضي، على الصعيد السياسي.
وأعلن أديب اعتذاره أمس السبت في خطوة عدتها فرنسا دليلا على "خيانة الأحزاب اللبنانية".
وعقب انفجار مرفأ بيروت الذي راح ضحيته أكثر من 200 قتيل وآلاف الجرحى وتسبب في خسائر مباشرة بقيمة 15 مليار دولار، ألقت فرنسا بثقلها خلف دعم تشكيل حكومة تكنوقراط في أسرع وقت ممكن في مسعى لإنقاذ لبنان من انهيار اقتصادي وشيك، لكن فيتو إيران عطل على ما يبدو خطة باريس.
وزار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبنان عقب الانفجار مرتين في إشارة لأهمية الملف على سلم السياسة الخارجية الفرنسية، كما زار وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف بيروت منتصف الشهر الماضي.
ويقول مراقبون وسياسيون لبنانيون إن إيران تفضل الاحتفاظ بورقة لبنان في الوقت الراهن في انتظار نتائج الانتخابات الأمريكية التي تشهد تنافسا بين خصمها اللدود الرئيس الحالي دونالد ترامب مرشح المحافظين، وجو بايدن الذي كان ضمن طاقم الإدارة الديمقراطية التي وقعت مع طهران اتفاقا حول برنامجها النووي.
وأعادت الإدارة الأمريكية فرض العقوبات على إيران والتي كان من المقرر تعليقها بموجب الاتفاق النووي، وتعهد ترامب بتطبيق أقصى ضغط على طهران بعد انسحاب بلاده من الاتفاق الموقع مع الدول الكبرى.
عناوين محلية لأزمة دولية
واختارت إيران عناوين محلية لعرقلة تشكيل الحكومة، إذ بدا السبب المعلن تمسك الثنائي الشيعي؛ حزب الله وحركة أمل بالاحتفاظ بوزارة وتسمية الوزراء الشيعة في الحكومة.
تمسك ممجوج دفع حلفاء حزب الله في التيار الوطني الحر والرئيس عون للتنصل منه في خطاب علني يشي بخلاف نادر بين أنصار الفريق الواحد.
ومنذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي يتظاهر آلاف المحتجين للمطالبة بحكومة تكنوقراط من خارج الطبقة السياسية التقليدية في البلاد، وهو أمر دفع رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري للاستقالة معلنا تضامنه مع مطالب الشارع، لكن حزب الله وحلفاءه اختطفوا الحكومة باختيار حسان دياب رئيسا للوزراء.
وتقدمت حكومة دياب باستقالتها في أعقاب انفجار مرفأ بيروت، حيث دخلت فرنسا على خط الأزمة ودعمت بقوة العودة لمطالب المحتجين بتشكيل حكومة كفاءات تتجاوز منطق المحاصصة الطائفية لإنقاذ البلاد من أزمتها.
وقال عضو كتلة المستقبل النيابية النائب محمد الحجار لـ"العين الإخبارية" إن من وضع العراقيل أمام المبادرة الفرنسية هو من سيتحمّل مسؤولية ما سيؤول إليه الوضع في لبنان، مشيرا إلى أن الطرف المعرقل (حزب الله) أضاع فرصة على الشعب اللبناني من الصعب أن تتكرر.
وأوضح أن البعض قد وضع لبنان في ملعب الحسابات الدولية، واستخدمه ساحة للخلاف الإيراني- الأمريكي.
وأضاف قائلا إن عرقلة الحل في لبنان مرتبط بسياق الانتخابات الأمريكية المقبلة، وحزب الله ومن خلفه إيران يفضلان بقاء الأوضاع على حالها في انتظار أن تتضح الصورة في واشنطن.
وتجري الانتخابات الأمريكية مطلع نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
صندوق بريد
وتدحرج الصراع بين واشنطن وطهران حتى بات على حافة الحرب مطلع العام الجاري حينما قتل اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس الذراع الخارجي للحرس الثوري الإيراني في غارة أمريكية قرب مطار بغداد الدولي.
ومنذ مقتل سليماني تعهدت إيران بملاحقة المصالح الأمريكية عبر أذرعها في الإقليم، لكن خياراتها بدت محدودة في الساحتين العراقية واللبنانية، فيما تواجه ضغوطا متزايدة في الداخل لوقف أنشطتها المزعزعة للاستقرار والاهتمام بالوضع الاقتصادي الآيل للسقوط.
وقال الكاتب والمحلل السياسي اللبناني محمد نمر إن لبنان أصبح صندوق بريد لإيصال الرسائل السياسية والعسكرية الإيرانية للعالم العربي والعالم.
وأشار نمر إلى أن "حزب الله" يفضل في الوقت الراهن أن تراوح الأزمة مكانها حتى تتضح الصورة في الانتخابات الأمريكية.
وتوقع أن تفسد المليشيا الموالية لإيران أي مبادرة للحل إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية.
وختم مشدداً على أنه يوماً بعد يوم يتأكد اللبنانيون والعالم أن لا دولة تستقيم بوجود مليشيا موالية لإيران تتحكم بمصيرها وهذا الامر اصبح واضحاً امام اعيّن اجمع.
الخراب
وكان وزير العدل اللبناني الأسبق أشرف ريفي، قد تحدث عن الموضوع نفسه مؤكدا أن إيران وأذرعها في لبنان تقف خلف تعثر تشكيل حكومة مصطفى أديب.
وأضاف ريفي في حديث تلفزيوني بعد اعتذار أديب "لدينا معلومات شبه أكيدة تفيد أن الإيرانيين لا يريدون حكومة في الوقت الحاضر، لذلك فالفريق المحسوب عليها وضع شروطا تعجيزية، لأن طهران تريد ربطها بموعد الانتخابات الأميركية".
وأشار ريفي إلى تصريح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قبل أيام، الذي أبدى فيه امتعاضه من مبادرة الرئيس الفرنسي ماكرون لتشكيل حكومة إنقاذ في لبنان.
وقال الوزير السابق: "الإيرانيون يعيشون وهم إعادة الإمبراطورية الفارسية، معتقدين أن دولا عربية مثل لبنان يجب أن تتبع لهم".
ورأى وزير العدل اللبناني الأسبق أن تأليف حكومة أديب أصبح عصيا، لأنه "بات في أيدي مجموعة من الناس أشبه بمافيا أوصلوا البلد للخراب".