"عريضة النترات".. محاولة جديدة لتفجير مسار العدالة في "مرفأ بيروت"
يحاول مجلس النواب اللبناني الالتفاف على تحقيقات القضاء في ملف انفجار مرفأ بيروت، عبر تمكين ما يعرف بـ"المجلس الأعلى".
وفي وقت سابق، رفض قاضي التحقيقات طارق بيطار طلب الهيئة المشتركة المؤلفة من هيئة مكتب مجلس النواب ولجنة الإدارة والعدل بالحصول على مستندات إضافية تتعلّق بالنواب علي حسن خليل، وغازي زعيتر، ونهاد المشنوق، لرفع الحصانة عنهم واستجوابهم كمُدّعى عليهم في انفجار مرفأ بيروت.
- طاقة نور وسط عتمة لبنان.. ألمانيا تدعم مرفأ بيروت
- اشتباكات بين أهالي ضحايا مرفأ بيروت والأمن أمام منزل وزير الداخلية
وفي مواجهة موقف بيطار، يعمل عدد من النواب والكتل النيابية على جمع تواقيع على عريضة تطالب ملاحقة النواب الثلاثة المطلوبين للتحقيق في قضية المرفأ، أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وهي هيئة خاصة مؤلفة من نواب وقضاة يعينهم مجلس النواب، وليس أمام القضاء العدلي.
وتتضمّن هذه العريضة طلب توجيه الاتهام إلى كل من رئيس الحكومة حسان دياب، والوزراء السابقين: يوسف فنيانوس وغازي زعيتر ونهاد المشنوق وعلي حسن خليل أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
وكي تصبح فعالة، تتطلب هذه العريضة توقيع خُمس أعضاء المجلس النيابي أي 26 نائباً، وقد نجحت الاتصالات بالفعل في تأمين هذه التوقيعات، حيث وقّع عليها نواب من كتل حركة أمل وحزب الله وتيار المستقبل وتيار المردة بالإضافة إلى بعض النواب المستقلين.
ومن المقرر رفع العريضة إلى النواب الثلاثة المطلوبين في القضية، للرد عليها خلال مهلة أقصاها 10 أيام.
ولكن ما إن انتشر خبر العريضة، حتى شن رواد مواقع التواصل الاجتماعي حملة كبيرة تطالب النواب بالتراجع عنها فورا، واحتل وسم هاشتاق "نواب النيترات" (دلالة على نترات الأمونيوم التي انفجرت في مرفأ بيروت) المركز الأول بين الوسوم الرائجة في لبنان.
كما نشر النشطاء صور النواب الموقعين على العريضة، مع صور انفجار المرفأ، وحملوهم مسؤولية فشل تحقيق العدالة للضحايا حتى اليوم.
هذه الحملة دفعت عدد من النواب إلى التراجع وطلب سحب توقيعهم، فبعد الحملة أعلن النائبان سامي فتفت وديما جمالي من كتلة المستقبل سحب توقيعهما، كما أعلن النائب نقولا نحاس سحب توقيعه أيضاً، والنائب سليم سعادة سحب توقيعه. ووفي وقت لاحق أعلن النائب المستقبل عدنان طرابلسي سحب توقيعه أيضاً.
وفي المقابل هاجم مناصرو "حزب الله" المحقق بيطار واتهموه بالتسييس وعدم الخبرة، في خطوة قال متابعون إنها تأتي استكمالا للهجمة على القضاء وعرقلة التحقيق.
وفي هذا السياق، اعتبر رئيس مؤسسة جوستيسيا الحقوقية الخبير بول مرقص أن سحب التوقيع على العريضة النيابية لا يتم إلا بخطابات رسمية موجهة للبرلمان من النواب الراغبين في التراجع، فيما عدا ذلك تبقى قائمة.
وقال مرقص لـ"العين الاخبارية": "سقوط العريضة لا يعني سقوط الحصانات عن النواب الثلاثة"، مضيفا "إذا رفض المجلس النيابي رفع الحصانة للمحقق العدلي ملاحقة النواب عند نيل الحكومة الجديدة الثقة دون حاجة لرفع الحصانة".
وأوضج أنه "لا حصانة نيابية خارج دورات الانعقاد، فالمجلس راهناً في دورة انعقاد لأن الحكومة مستقيلة، ولكن في حال تشكيل حكومة جديدة وفور نيلها الثقة بمقتضى الفقرة ٣ من المادة ٦٩ من الدستور، عندها لا يكون هناك دورة انعقاد ولا حصانة، ويجوز حينها للمحقق العدلي استجواب الوزراء السابقين من النواب دون إجراء رفع الحصانة".
وتخوّف مرقص من إحالة القضية على المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، ومن ثم تمييعها وإبعاد الحقيقة..
بدورها، قالت "المفكرة القانونية"، وهي مؤسسة حقوقية قانونية لبنانية، في بيان إنّ "ثمة أدلّة عدّة على الطّابع الاحتيالي لهذه المناورة (العريضة)، أولها أن طلب الاتهام يصدر بشكل خاص من نواب الكتل التي ينتمي إليها المطلوب اتهامهم".
ورأت أنّ طلب الاتهام في العريضة يستند إلى إحالتيْ فادي صوان (المحقق العدلي السابق) وبيطار علما أن القوى السياسية التي ينتمي إليها هؤلاء النواب اعتبرت الإحالة الأولى استهدافًا سياسيًا وسببًا للتشكيك بحيادية القاضي، كما أن العديد من الموقعين اعتبروا الإحالة الثانية غير وافية ولا تكفي لإثبات الشبهة.
وأشارت المفكرة ألى أنّ المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء المنشأ في 1990 لم ينعقد يوما، وثمة استحالة في توفر الغالبية المطلوبة لانعقاده اليوم (ثلثي النواب)، وتاليا فإن الطلب يرمي إلى فتح تحقيق موازٍ لتحقيق القاضي بيطار، بما يؤدي إلى التشويش على عمله وإلى تهريب المشتبه بهم من قبضته، لصالح محكمة وهمية.
في المقابل، قال البرلمان اللبناني في بيان "منذ انفجار المرفأ المشؤوم الذي أصاب بنتائجه الكارثية والمأساوية كل اللبنانيين في الصميم تواصل بعد الجهات المعروفة الهوى والانتماء التصويب على المجلس النيابي وعلى السادة النواب".
وتابع "أمس، بلغت حملة الاستهداف هذه ذروتها من الجهات نفسها، مطلقة النعوت والصفات التي ترقى إلى حد إصدار الاتهامات والاحكام خلافا لأحكام ونصوص الدستور ولقواعد القانون والعدل وتضليلا للحقيقة التي ما من لبناني إلاّ ويريدها إحقاقاً للحق وصوناً للعدالة وإنصافاً لدماء الشهداء والجرحى".
وأضاف أن "مديريه الإعلام في مجلس النواب تهيب بالقضاء خاصة المحقق العدلي وجوب التحرك لوضع حد لهذه الإساءة الموصوفة لمهمته ولمنطق القانون والعدالة وبنفس الوقت الإساءة للشهداء، وحق ذويهم بمعرفة حقيقة ما حصل في الرابع من آب، ومعرفة حقيقة من أدخل النيترات إلى المرفأ وكيفية حصول الانفجار".
ومضى قائلا إن "المجلس النيابي الذي دُمرّت أجزاء منه وأصيب العشرات من موظفيه وأفراد حرسه جراء التفجير المشؤوم يجدد التأكيد على أنه تعاون ويتعاون وسوف يتعاون مع القضاء، وأن مهمته الأولى الآن تأليف لجنة تحقيق وفقاً لما نص عليه القانون رقم 13 والسير بالتحقيق من البداية إلى النهاية بعيداً عن أي استثمار سياسي أو شعبوي يطيح بالنتيجة التي تؤدي إلى العدالة".
يذكر أن مجلس النواب اللبناني أجّل رفع الحصانة بعد طلب المحقق العدلي رفعها عن ثلاثة نواب، وطلب أدلة اضافية، إلّا أن المحقق العدلي نفسه رفض تسليم الأدلة باعتبار أن التحقيق سري، ما دفع المجلس إلى التفتيش عن عوائق جديدة يضعها في طريق التحقيق.
وقبل أقل من أسبوعين من الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت الذي وقع في 4 أغسطس/آب 2020، لم تقدم التحقيقات أي جديد في القضية، وتم تغيير المحقق العدلي السابق في القضية نتيجة ضعوط سياسية، فضلا عن التحايل المستمر على مسار التحقيق.
aXA6IDMuMTMzLjE1Ny4yMzEg جزيرة ام اند امز