دعوات إسقاط عون.. معضلة الدستور ووحدة المعارضة
الفرقاء السياسيون ينقسمون في هذا المطلب، ليس فقط حلفاء الرئيس وعلى رأسهم حزب الله، إنما أيضا المعارضون له لأسباب مرتبطة بالمرحلة
منذ انطلاق التحركات الشعبية في 17 أكتوبر/تشرين الأول، ومن ثم استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري بدأت الأصوات تعلو للمطالبة بإسقاط رئيس الجمهورية ميشال عون.
- لبنان سيطلب رسميا من صندوق النقد المساعدة لحل الأزمة المالية
- نفي عون لـ"هيمنة" حزب الله على حكومة لبنان يثير انتقادات
ويواجه المطلب معضلتين تتطلب الأولى تضامنا وتنسيقا واسعا بين الأطراف المعارضة للرئيس للتغلب عليها، في مقابل المعارضة الحاسمة من قبل المراجع الدينية المسيحية، وعلى رأسها المارونية، التي ترفض مطلب إسقاط الرئيس.
وتكمن المعضلة الثانية في ظل الدستور اللبناني الذي لا يتضمن مواد تمكن من إقالة الرئيس، سوى عبر آليتين فقط، وهما تقديمه استقالته بنفسه أو من خلال اتهامه بالخيانة العظمى ومحاكمته في المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
وينقسم الفرقاء السياسيون في هذا المطلب، ليس فقط حلفاء الرئيس وعلى رأسهم حزب الله، إنما أيضا المعارضون له لأسباب مرتبطة بما يعتبرها البعض أولويات في المرحلة المقبلة.
وكان البطريرك الماروني بشارة الراعي حاسما في هذا الأمر حين دعا بعد استقالة الحكومة بأيام بعد بدء الانتفاضة الشعبية، إلى الالتفاف حول رئيس الجمهورية.
والشهر الماضي أكد، خلال لقائه مع نقابة الصحفيين اللبنانية، ردا على سؤال حول المطالبة باستقالة الرئيس، أن "الموضوع طُرِحَ مرة واحدة ولم يعد مطروحًا، أما إذا أُعيدَ طرحه فموقفنا واضح جدا، نحن ضد استقالة رئيس الجمهورية في المبدأ وفي المطلق".
ومع مرور الوقت، باتت أطراف المعارضة، تختلف في مقاربة هذا المطلب، ففي الوقت الذي يدعو له "الحزب التقدمي الاشتراكي" ويؤيده "تيار المستقبل"، يرى "حزب القوات" أنه ليس من الأولويات في هذه المرحلة.
ويمثل الحزب الاشتراكي ورئيسه النائب السابق وليد جنبلاط رأس حربة المطالبين بإسقاط رئيس الجمهورية.
وفي هذا الإطار، يقول النائب في "الاشتراكي" هادي أبوالحسن، إن "رؤية جنبلاط تنطلق من ضرورة إحداث تغيير شامل في البلاد يبدأ من رأس الهرم بعدما أثبت النظام فشله فشلا ذريعا، بالتزامن مع إجراء انتخابات نيابية مبكرة وفق قانون جديد.
وأوضح أبو الحسن لـ"العين الاخبارية" أن "الواقعية تفرض علينا القول إن "تحقيق إسقاط رئيس الجمهورية يتطلب جبهة موحدة تشمل أطرافا عدة وتحديدا المسيحيين".
وأكد أن "القدسية ليست للأشخاص إنما للوطن، ونحن جاهزون لهذا الأمر وهناك أطراف عدة جاهزة لكن المرجعيات الدينية وتحديدا المسيحية غير جاهزة، ومن هنا تأتي دعوة جنبلاط للتحفيز نحو التغيير".
وذكّر أبوالحسن بما حدث عام 1952 عندما ساهم تحالف جمع رئيس "الاشتراكي" آنذاك، كمال جنبلاط والزعيم المسيحي كميل شمعون وتشكلت حينها جبهة معارضة أدت إلى استقالة رئيس الجمهورية بشارة الخوري.
وردا على من يرفضون إسقاط الرئيس محذرين من أن يصبح هذا الأمر قاعدة، قال: "ها هو بشارة الخوري سقط ولم يتحول الأمر إلى قاعدة، ولم يؤثر على موقع المسيحيين، بل على العكس".
وتابع: "هذا النظام ومن هو على رأسه يأخذ المسيحيين من خسارة إلى خسارة، ما يطرح السؤال الأساس: لماذا التمسك به؟".
ولا يختلف رأي "المستقبل" عن رأي "الاشتراكي"، حيث يقول النائب السابق والقيادي في "تيار المستقبل" مصطفى علوش لـ"العين الإخبارية"، إن "المطالبة بإسقاط رئيس الجمهورية كمطلب وحيد هدف لن يجد طريقه إلى التحقق خاصة إذا ما استمر البعض ممن هم في المعارضة في التفكير وفق منطق المحاصصة".
وأوضح أن "هذا المطلب مع امتلاك رئيس الجمهورية وحزبه وحلفائه الأكثرية في البرلمان والسلطة، يجب أن يكون ضمن سلّة متكاملة مع طرح البدائل".
ولفت علوش إلى أن "هذه البدائل التي يجب أن تتضمن أيضا انتخابات نيابية مبكرة، تتطلب تشكيل جبهة معارضة عريضة مع ثقل مسيحي مدعوما من المعارضة الشعبية، ومدعوما أيضا من فريق شيعي كرئيس البرلمان، رئيس حركة أمل، نبيه بري".
في المقابل، يعتبر "حزب القوات" (أكبر حزب مسيحي معارض للرئيس)، أن المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية قد تؤدي إلى تعقيد الأزمة. وهو ما يعبر عنه مسؤول الإعلام والتواصل في "القوات" شارل جبور، رافضا في الوقت عينه ربطه بالاعتبارات الطائفية المسيحية.
وقال جبور لـ"العين الإخبارية" إن "موقفنا ونظرتنا للاستحقاقات ليست مرتبطة بموقع مسيحي أو مسلم بحيث إنه عندما طالبنا باستقالة الحكومة لم يكن ذلك مرتبطا بموقع رئيسها الطائفي، إنما لأن المشكلة لا تتعلق برئيس الحكومة أو رئيس البرلمان أو رئيس الجمهورية.
وأضاف أن "المشكلة تتعلق بمجلس الوزراء مجتمعا الذي يشكل السلطة التنفيذية، وبالتالي من عليه مهمة العمل على كيفية إخراج لبنان من أزمته الاقتصادية والمالية التي يعاني منها".
وتابع: "من هنا كانت مطالبتنا بتشكيل حكومة من اختصاصيين مستقلين، لكن ومع عدم تحقيق هذا المطلب بات اليوم من الضروري الدفع باتجاه انتخابات نيابية مبكرة".
وأشار إلى أنه "لا يجوز اليوم طرح مواضيع خارج سياق الأزمة القائمة، بحيث تؤدي بنا إلى الدخول في صراع جديد أو تعقيد الأزمة بينما مركز القرار هو داخل مجلس الوزراء وليس لدى رئيسه أو رئيس الجمهورية".
ولفت إلى أن "حل الأزمة لن يتحقق إلا بالوصول إلى سلطة تنفيذية تشبه الناس وقادرة على حل المشكلات".
وعن إمكانية تشكيل جبهة معارضة تجمع الحلفاء السابقين (أطراف فريق 14 آذار) أي "المستقبل والقوات والاشتراكي يقول جبور: "لا يوجد أي خطة باتجاه تشكيل هذه الجبهة أو عودة الاصطفاف".
وأوضح أن "المطلوب هو عودة التنسيق فيما بينها وترميم العلاقة التي مرت بمرحلة شابها سوء تفاهم، وهو أمر وطني ضروري في هذا الوقت".
يذكر أن لبنان سبق له أن شهد استقالة رئيس للجمهورية الراحل بشارة الخوري عام 1952 خلال ولايته الممتدة منذ العام 1949، وذلك نتيجة ضغط ومعارضة شرسة له وحملات طالت الرئيس والحكومة آنذاك.
لكن هذا ما لم يتحقق عام 2006، بعد سنتين على اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، مع الحملة التي تعرض لها رئيس الجمهورية آنذاك إيميل لحود، للضغط باتجاه استقالته.
وكان موقف البطريرك الماروني نصرالله صفير حينها يتوافق مع موقف الراعي في هذه المرحلة، حيث قال: "اليوم الذي نسمح فيه بإسقاط لحود، نكون قد جعلنا إسقاط أي رئيس آخر قاعدة".
aXA6IDMuMTQyLjk4LjYwIA== جزيرة ام اند امز