لبنان على صفيح ساخن.. ومولوي يحذر من "الطابور الخامس"
احتجاجات وسط العاصمة اللبنانية تندد بالأوضاع المعيشية، تتحول لمواجهات مع الأمن وتسفر عن إصابات وحالة من الفوضى في بلد تطوقه الأزمات.
واليوم الأربعاء، تظاهر عسكريون متقاعدون وناشطون مدنيون وسط بيروت، احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة.
وحمّل المشاركون -الذين اعتصموا أمام مقر البرلمان- السلطة السياسية والمصرف المركزي مسؤولية ما وصلت إليه البلاد من أزمات وانهيار على مختلف الأصعدة.
وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية بأن حدة المواجهات اشتدت بين المتظاهرين -أغلبيتهم من العسكريين المتقاعدين- وفرقة مكافحة الشغب بساحة رياض الصلح وسط بيروت؛ لحماية مدخل السرايا الحكومي، بعد محاولة اجتياز الأسلاك الحديدية.
وتطور الأمر إلى استخدام عناصر أمنية القنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين الذي رفعوا رايات الجيش اللبناني أثناء المواجهات لإبعادهم.
ولاحقا، تقدمت عناصر من الجيش نحو الشريط الشائك ليشكلوا فاصلا بين المتظاهرين والقوى الأمنية، مطالبين قوات مكافحة الشغب بعدم إلقاء القنابل المسيلة للدموع على المحتجين.
ومع احتدام المواجهات، سُمع دوي صفارات سيارات الإسعاف في المحيط، على خلفية وقوع إصابات في صفوف المتظاهرين، فيما سجلت حالات إغماء بين المحتجين بسبب إطلاق القنابل المسيلة للدموع، وتم طرد النائب بولا يعقوبيان من قبل المتظاهرين.
العسكريون المتقاعدون
وكان حراك العسكريين المتقاعدين قد دعا "جميع العسكريين المتقاعدين إلى أوسع مشاركة في التظاهرة الحاشدة" اليوم.
وقال الحراك في بيان: "يعزّ علينا كعسكريين متقاعدين أن تصل بنا الأمور إلى ما وصلت إليه، ونحن من أفنينا زهور شبابنا وقدمنا آلاف الشهداء والجرحى والمعوقين لنرسي الأمن والاستقرار والسلام في ربوع وطننا الحبيب".
وأضاف أنه "بدلاً من أن نقابل بالتكريم والوفاء، تقابلنا السلطة بالنكران والجحود ومحاولة النيل من حقوقنا التاريخية، لكننا لن نسكت بعد اليوم ولن ندع الجوع يتسلل أكثر إلى بيوتنا وعائلاتنا، بل سنواجه هذه الغطرسة بكل ما أوتينا من قوة حتى تحقيق مطالبنا المعيشية الطارئة".
وخلال الاحتجاجات، قال العميد المتقاعد جورج نادر: "يا عسكر لبنان الذين حميتم الوطن من عشرات السنوات أنتم الذين حميتم الأمن وبدونكم لا دولة ولا حكومة، أنتم أمام سلطة تريد أكل حقوقكم ورواتبكم".
وأكد نادر، في حديث إذاعي، أنه "لا حل للمواطنين مع هذه السلطة إلا عبر الشارع".
على صفيح ساخن
وضمن تصاعد الغضب الشعبي جراء تردي الأوضاع المعيشية وارتفاع أسعار السلع، أقفلت على مدار اليومين الماضيين، معظم الشوارع الرئيسية والفرعية في مدينة طرابلس.
وأشعل محتجون الإطارات، فيما أطلقت دعوات لمسيرات باتجاه منازل النواب، وسمعت رشقات من الرصاص في عدة أحياء، وفقا لوسائل إعلام محلية.
المشهد نفسه رصدته تقارير إعلامية في بلدة حلبا، مركز محافظة عكار، حيث أقدم غاضبون على قطع الأوتوستراد بالسواتر الترابية، وأطلقت رشقات الرصاص لإقفال كافة المحلات التجارية، خاصة محلات الصيرفة.
كما أفادت "الوكالة الوطنية للإعلام" بقطع الطريق عند نقطة السلطان إبراهيم في الجناح من قبل عشرات الصيادين وعائلاتهم احتجاجا على الأوضاع المعيشية، وهدد أحد الصيادين بحرق مركبه، بسبب عدم قدرته على تأمين البنزين.
وقال مراقبون إن مشاهد أمس واليوم في ساحة رياض الصلح والشوارع من طرابلس إلى عكار، كافية لتوحي بأن الفوضى تأخذ طريقها إلى الانتشار والتوسع.
وبالتزامن مع ذلك، ومع ارتفاع أسعار المحروقات والدواء والخبز، وتردت الظروف المعيشية، فيما أعلن رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر أنه لابد من إضراب جامع شامل وغير منقوص.
"طابور خامس"
وإزاء التطورات الميدانية تلك، أكد وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، عقب اجتماع مجلس الأمن المركزي، أن "أمان البلد مسؤولية مشتركة بين القوى الأمنية والعسكرية من جهة، والمواطنين من جهة أخرى".
وقال: "نمرّ بظروف حسّاسة وبالتالي أيّ تفلّت أو طابور خامس قد يؤدّي لنتيجة سيئة".
وأضاف مولوي أن "القوى الأمنية ستكون جاهزة لحماية الأملاك العامّة وأملاك المواطنين وحفظ الأمن"، مشيرا إلى أن "موضوع أمن المطار مهمّ بالنسبة إلينا، ونتحمّل المسؤولية كي نؤمّن الأمان في البلد".
ويعيش لبنان فراغا رئاسيا منذ انتهاء فترة الرئيس المنتهية ولايته ميشال عون في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وعقد مجلس النواب اللبناني 11 جلسة لانتخاب رئيس جديد للبلاد، انتهت كلها دون نتيجة، لغياب التوافق بعد إصرار حزب الله على فرض مرشحه على مختلف القوى السياسية.
ويأتي الشغور الرئاسي على وقع أزمة اقتصادية طاحنة أدت إلى انهيار في سعر صرف الليرة أمام العملات الأجنبية وفي مقدمتها الدولار، الذي وصل سعره في السوق الموازية إلى 110 آلاف ليرة للدولار الواحد.
وأدى ذلك إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية ومواد الطاقة، ما أثر سلبا على حياة اللبنانيين الذين فشل رئيس حكومتهم نجيب ميقاتي في إعلان تشكيلته الحكومية منذ مايو/أيار الماضي بسبب الخلافات السياسية.
ورغم أن كل يوم يمر على لبنان أصعب من سابقه وسط الأزمات السياسية والاقتصادية المتلاحقة، فإن هذا لم يصنع فارقا، وسط غياب لأي أفق لحل أزمة الشغور الرئاسي التي تعيشها البلاد منذ نحو 5 أشهر.