هل لبنان يمتلك إرادة وطنية تجعله ينأى بنفسه في ظل استحكام مليشيا حزب الله وقدرته على التأثير على القرار السيادي في البلاد؟
لا أحد يستطيع تجاوز الرسائل الإيرانية منذ دخول الحزمة الأولى من العقوبات الأمريكية حيز التنفيذ؛ فمن استهداف مليشيا الحوثي لناقلتي النفط السعودية في جنوب البحر الأحمر وتهديد الملاحة الدولية إلى استضافة زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله للناطق باسم جماعة الحوثي في مقر الحزب اللبناني في الضاحية الجنوبية من العاصمة بيروت، رسائل لا تحتمل كثيرا من التأويل؛ فهي موجهة إلى السعوديين أولا ثم إلى الأمريكيين ثانيا، رسائل واضحة تماما؛ فالإيرانيون يقولون للمنطقة إنهم متمسكون بأذرعهم وقادرون على تمرير أجنداتهم وبمسوغات النأي عن النفس التي يرددها لبنان سياسيا ليبقي على شعرة معاوية بينه وبين الآخرين من حوله.
هل يدرك لبنان أن شعار النأي بالنفس هو مجرد ورقة للاستهلاك لا معنى لها، وأن لبنان مع «حزب الله» بات مضرا لأشقائه العرب حتى أولئك البعيدين عنه والمحبين له في اليمن القصي جنوب جزيرة العرب؟
قبل أيام من استقبال حسن نصر الله للمسؤول الحوثي كان قد بدأ في تشكيل عملية ضغط على رئيس الوزراء سعد الحريري مطالبا الحريري بتقديم حكومته للبرلمان اللبناني، وأن ينهي مشاوراته حول تشكيلها، ويدرك حسن نصر الله أنه يضع الحريري في مأزق سياسي خاصة أن السعودية كانت قد أعلنت في مايو 2018م عقوبات طالت شخصيات سياسية تابعة لتنظيم حزب الله على رأسها حسن نصر الله، وبذلك حسمت السعودية موقفها حول الحزب كليا؛ فالسعوديون يرفضون التفريق بين أتباع الحزب سياسيا أو عسكريا، وبذلك أدرج الحزب بجميع أنشطته في قوائم الإرهاب، وهذا ما يدفع به حسن نصر الله لإحراج سعد الحريري الذي يقف في موقف صعب سياسيا ويزداد صعوبة مع تجاوزات حزب الله وتدخلاته في الشؤون الخارجية سواء في سوريا أو اليمن أو البحرين.
هل لبنان يمتلك إرادة وطنية تجعله ينأى بنفسه في ظل استحكام حزب الله وقدرته على التأثير السياسي والعسكري على القرار السيادي في لبنان؟ وهذه الإشارة هي مضمون استقبال حسن نصر الله للناطق باسم الحوثيين محمد عبدالسلام في بيروت؛ فالرسالة ليست أن يكون الحوثيون في اليمن يحملون ما اصطلح عليه بـ«الثلث المُعطل»، بل أن يتمكن الحوثيون في اليمن من تطويع القرار السيادي لمصلحة الأجندة الإيرانية، فلقد تجاوز الجميع مفهوم التعطيل وأصبحنا أمام مشهد أكثر وضوحا وعلينا أن نقرأه كما هو.
الخمينيّون.. مصطلح يلخص حال أدوات اليمن ولبنان وسوريا هذه الأدوات التي وصلت إلى مرحلة أنها باتت متمكنة من القرار السيادي وتحولت إلى صانعة للسياسة الداخلية في بلدانها وكذلك الخارجية؛ فبالعودة إلى شكوى اليمن الموجهة إلى وزارة الخارجية اللبنانية في يوليو 2018م حول تدخلات حزب الله في الشؤون الداخلية لليمن ومدى الأضرار التي ترتبت عليها تدخلات حزب الله سواء عبر إرسال الخبراء العسكريين والأمنيين أو توفير المنصات الإعلامية في لبنان أو تهريب الأسلحة لمليشيا الحوثي والرد اللبناني الذي لم يرتقِ لحجم التورط اللبناني في اليمن؛ فهذا دليل على مدى الضعف الذي تعانيه الدولة الوطنية في لبنان شأنها شأن الدولة اليمنية.
الضعف البنيوي في الدولتين نتيجة تغوّل المليشيات الإيرانية هو واقع على المنطقة والعالم التعامل معه بشكل صارم، ولابد من وقفة حكومية يمنية والتصعيد الدبلوماسي تجاه تدخلات حزب الله والتي بلغت حد المجاهرة بالدعم السياسي عبر أعلى المستويات الممكنة، ومن المؤكد أن الإيرانيين وهم يرسلون هذه الرسائل للسعودية لا يأبهون بشكل أو بآخر على ما يحصده اليمنيون وكذلك اللبنانيون من دمار وخراب طالت بلدانهم وعملت على قتل أبنائهم وتهجير شعوبهم.
واقعة استقبال حسن نصر الله للمتحدث باسم الحوثيين محمد عبدالسلام، والتي جاءت قبل أيام من موعد المشاورات اليمنية في جنيف؛ تؤكد سعي الحوثيين لتسوية سياسية يحصلون منها على ما حصل عليه حزب الله في لبنان، والذي لم يعد يبحث عن تعطيل الدولة اللبنانية، بل إدارة الدولة كلها؛ وهذا هو هدف الحوثيين أي (خمننة اليمن) وهذا أسوأ من الثلث المعطل سياسيا، لأن فيه توجيها كاملا للسياسة والاقتصاد والحياة الاجتماعية؛ ما سيضع اليمن في فلك أكثر إضرارا بجواره العربي وأكثر إفقارا بشعبه الفقير أصلا، فهل يدرك لبنان أن شعار النأي بالنفس هو مجرد ورقة للاستهلاك لا معنى لها، وأن لبنان مع «حزب الله» بات مضرا لأشقائه العرب حتى أولئك البعيدين عنه والمحبين له في اليمن القصي جنوب جزيرة العرب.
نقلا عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة