ضوء أخضر للدبيبة أم كارت أحمر.. ماذا تعني تصريحات مبعوث ليبيا الأممي؟
لم تمضِ أيام على إحاطة المبعوث الأممي عبدالله باتيلي أمام مجلس الأمن بشأن ليبيا، حتى أعقبها بتصريحات أشعلت الساحة السياسية في البلد الأفريقي، وأثارت المزيد من التكهنات، حول مستقبل الفترة المقبلة.
وكان المبعوث الأممي إلى ليبيا، قال في إحاطته أمام مجلس الأمن يوم الثلاثاء الماضي، إن حكومة موحدة تتفق عليها الأطراف الليبية أصبحت أمراً ضرورياً لقيادة البلاد نحو الانتخابات، في تصريحات عززتها تأكيد مندوبة الولايات المتحدة بمجلس الأمن، أن بلادها على استعداد لدعم تشكيل حكومة تصريف أعمال مهمتها الوحيدة قيادة البلاد حتى تقام انتخابات نزيهة.
إحاطة ذهب كل فريق في تفسيرها حسب ما يريده على الأرض؛ فمعارضو حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، اعتبروها ضوءًا أخضر من أمريكا، للدفع بحكومة جديدة، نحو قيادة البلد الأفريقي حتى إجراء الانتخابات، إلا أن مؤيديه اعتبروا أنها رسالة لدمج حكومته بحكومة الشرق التي يرأسها أسامة حماد، على أن يكون الدبيبة رئيسًا لتلك الحكومة.
إلا أن أياما خلت على تلك الإحاطة المثيرة للجدل، حتى أتبعها المبعوث الأممي بتصريحات أخرى، كان لها نصيب من ذلك الجدل، بعد توجيهها رسائل متباينة.
فما آخر رسائل باتيلي؟
ففي حوار أجراه معه موقع الأمم المتحدة، يوم السبت، قال المبعوث الأممي، إن ليبيا اليوم لديها حكومتان، واحدة في الشرق وأخرى في الغرب، محذرًا من أن هذا الوضع يمكن أن يثير المزيد من المخاوف بشأن مستقبل بلد يعاني من قيادات سياسية وأمنية وعسكرية منقسمة.
وشدد المبعوث الأممي على ضرورة عدم استمرار هذا الأمر، قائلا: "قد تسقط ليبيا في غياهب انقسام طويل الأمد قد يخلق وضعا تفقد فيه البلاد سيادتها، ووحدة أراضيها (..) الشعب الليبي قلق للغاية من هذا الأمر، هم يريدون أن تظل بلادهم أمة موحدة. وهذا أمر مهم للغاية بالنسبة لهم. ولهذا السبب نحن كمجتمع دولي، يتعين علينا أن نستجيب لتلك الدعوة إلى الوحدة، وتلك الدعوة لاستعادة سيادة ليبيا".
وبحسب المبعوث الأممي، فإن هناك حاجة لحكومة موحدة تهيئ الظروف لبيئة مواتية لإجراء الانتخابات، مشيرًا إلى أن البلاد لم تعتد تحتمل تشكيل حكومة مؤقتة أخرى، في تصريح فسره مراقبون بأنها متضارب؛ فكيف يريد حكومة موحدة تقود الانتخابات وفي الوقت نفسه، لا يريدها مؤقتة؟!
إلا أن تلك التصريحات قد تكون مفهومة في إطار المبادرة التي أعلنها المبعوث الأممي في أبريل/نيسان الماضي، قائلا: إن "المحاولات الجادة لتوحيد المؤسسات الليبية، لا تستثني السلطة التنفيذية لكن يتوجب مقاربة توحيد الحكومة في هذا الوقت الحساس، بكثير من الواقعية والحذر لأن ذلك قد يخلق تعقيدات سياسية وإجرائية، بل حتى قانونية ودستورية، ليبيا في غنى عنها"، في إشارة إلى رغبته في توحيد حكومتي الشرق والغرب.
ورغم ذلك، فإن تصريحًا آخر بدا متناقضا مع تلك الرؤية؛ فالمبعوث الأممي قال إن الشيء الذي لا يريده جميع الليبيين اليوم، المزيد من وجود حكومتين أو ثلاث حكومات في نفس الوقت. إنهم يريدون حكومة واحدة لليبيا وجيشا واحدا لليبيا. يريدون جهازا أمنيا واحدا لليبيا ليس فقط لتأمين العملية الانتخابية، وإنما أيضا لتأمين أوضاع المواطنين.
ماذا تعني تلك التصريحات؟
يقول المحلل السياسي الليبي أيوب الأوجلي، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن تصريحات المبعوث الأممي دائما ما تكون "فضفاضة"، ويمكن فهمها على أكثر من وجه.
إلا أن تصريحات المبعوث الأممي الأخيرة، "غير منطقية" لعدد من الأسباب؛ أولها: أنه ناقض نفسه عند حديثه عن أن الحكومة القادمة لا يجب أن تكون حكومة مؤقتة، وفي ذات الوقت تحدث عن ضرورة أن تهيئ هذه الحكومة الظروف المناسبة للانتخابات، بحسب المحلل الليبي.
السبب الثاني يتمثل في أنه حتى لو اعتبرنا أن هذا التصريح يصب في مصلحة حكومة الدبيبة التي "فشلت" في إجراء الانتخابات خلال العام 2021 فهو أمر غير منطقي أيضا؛ كون الأخيرة فشلت في بسط ولايتها على كامل الأراضي الليبية.
وأشار المحلل الليبي، أن الأمر الثالث هو حديثه عن ضرورة اجتماع القادة السياسيين لتشكيل حكومة موحدة، ما يتناقض مع تصريحاته السابقة، عندما اعلن البرلمان فتح باب الترشح للحكومة الجديدة بالتوافق مع مجلس الدولة، معتبرًا ذلك الأمر خطوة أحادية الجانب.
هل يتجه لدمج الحكومتين؟
وحول إمكانية تفكير المبعوث الأممي في دمج الحكومتين، قال الأوجلي، إن باتيلي ربما يسير في هذا الاتجاه، لكن البرلمان سيكون أول المعارضين، بالإضافة إلى أن الدبيبة نفسه سيرفض هذا الاتفاق.
وأشار إلى أن المبعوث الأممي يحاول فقط كسب الوقت لإيجاد آلية تزج به وببعثته بأي طريقة للمشاركة في اختيار الحكومة الجديدة على غرار ما تم في ملتقى الحوار السياسي في جنيف، مؤكدًا أن مسألة تشكيل حكومة جديدة أمر لا مناص منه.
أما عن إمكانية فشلها كسابقتها (حكومة فتحي باشاغا التي يرأسها حاليا أسامة حماد)، قال المحلل الليبي، إن القوى الفاعلة داخليا يجب عليها الاتفاق على شكل جديد لحكومة جديدة، ومحاولة إقناع القوى الدولية بها في أسرع وقت ممكن.
وضع أشار إليه عضو مجلس النواب علي التكبالي، في تصريحات صحفية، مشيرًا إلى أن إزاحة حكومة الوحدة لن تبدأ فعلياً قبل نهاية العام الحالي، متوقعًا ألا يكون رئيس الحكومة منتهية الولاية قادراً، خلال هذه الفترة، على إحداث أي إجراءات حاسمة، بالنظر إلى إعلان مجلس النواب انتهاء ولاية حكومته قبل 17 شهراً من الآن.
في السياق نفسه، قال رئيس المجلس الأعلى لقبائل ازوية، السنوسي الحليق، في تصريحات صحفية، إن المبعوث الأممي حصل على ضوء أخضر من مجلس الأمن بشأن تشكيل حكومة جديدة موحدة بدلاً من حكومة الدبيبة.
إشكاليات
وأشار إلى أن الليبيين رحبوا بهذه الخطة وبضرورة أن يكون هناك جسم سياسي جديد ينهي الأجسام العديدة في الشرق والغرب وأن يقود لانتخابات، مؤكدًا أنه لا يوجد حل لإجراء الانتخابات الآن في ظل الانقسام الحالي ووجود حكومتين واحدة في الغرب وأخرى في الشرق.
وشدد على أنه من الضروري أن تكون هناك حكومة واحده بإشراف واحد وأن يكون هناك جسم متوافق عليه يوحد المنطقة الشرقية والغربية لمتابعة الانتخابات وتأمينها والإشراف عليها.
إلا أن عضو مجلس النواب عبدالمنعم العرفي، قال في تصريحات صحفية، إن تصريحات المبعوث الأممي، تناولت قضية تشكيل حكومة جديدة دون توضيح كيف سيتم تنفيذ ذلك ومتى يمكن توقع وصولها؟
وأشار إلى أن هناك إشكالية أخرى تواجه هذا الملف وهي عدم استعداد عبدالحميد الدبيبة لتسليم السلطة أو التنازل عن كرسي الحكم.