التحرّر من الجماعات الأصولية التي تختطف الدول ليس أمراً سهلاً، وهي مهمة الجيوش الوطنية مثلما فعل الجيش المصري العظيم مع الإخوان.
بعد سنواتٍ من الانقسام والحرب الأهلية الطاحنة وتفشي الإرهاب واستقرار الفوضى في ليبيا، تحرّك الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر باتجاه تمركز الجماعات الأصولية والتنظيمات الإرهابية في طرابلس العاصمة وما حولها، للقضاء عليها وإنهاء سيطرتها على العاصمة، بعدما أخرجها الجيش من قبل من مناطق متعددة من ليبيا.
صراع المصالح للدول الأوروبية في ليبيا كان عاملاً مؤثراً في إطالة أمد الأزمة الليبية مع العجز الأممي، ولا يمكن أن تحل أي أزمة بهذا التشعب والتدخلات الخارجية وتفشي الفوضى والإرهاب إلا بانتفاضة وطنية وعمل عسكري محكم
التحرّر من الجماعات الأصولية التي تختطف الدول ليس أمراً سهلاً، وهي مهمة الجيوش الوطنية مثلما فعل الجيش المصري العظيم حين استعاد الدولة بمساندة كاملة من الشعب، وذلك بإنهاء حكم جماعة الإخوان المسلمين، وها هو الجيش الليبي يسعى لتنفيذ المهمة نفسها وتحقيق الهدف ذاته.
ظلّت الدول العربية تدعم توحد ليبيا وفرض الدولة سيطرتها على كامل ترابها الوطني، ولكن أطرافاً عربية وإقليمية كانت تنفخ في كير الفتنة الليبية، وتزوّد الإرهابيين بالمال والسلاح للمحافظة على وضع الفوضى داخل ليبيا ولاستغلالها للتخطيط للعمليات الإرهابية وكقاعدة خلفية للهجمات على دول الجوار الليبي في مصر وتونس وغيرهما.
هذه الأطراف تمثلها دولتان هما قطر وتركيا، وهما الدولتان الداعمتان لجماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات الإرهابية في الدول العربية والعالم، وبخسارتهما ليبيا وعودة الدولة الليبية لنفسها ولشعبها ولجيشها تكونان قد خسرتا ورقة كبيرة من أوراق قوتهما وتأثيرهما.
التحرر من الحكم الأصولي شديد الصعوبة، وهو يمثل مرحلة مهمة من استعادة استقرار الدول بعد ما كان يعرف بالربيع العربي وفيه شيء من الشبه مع مرحلة الاستقلال والتحرر من المستعمر بكل ما تعنيه من ألم وتضحية، فلا مستقبل لدولة ولا لشعبٍ تحت الحكم الأصولي الغاشم وتحت استقرار الفوضى.
ليبيا دولة غنية بنفطها وموقعها الاستراتيجي وقد عاشت ما يقارب العقد من الزمان في ظل فوضى راسخة وإرهاب دموي قضى على مقدراتها وآذى شعبها أيما إيذاءٍ، وقد حان لها أن تستعيد دولتها واستقرارها وتتخلص من الحكم الأصولي الإرهابي، الذي فرض سيطرته عبر أمراء الحرب وقادة المليشيات وزعماء التنظيمات.
مرحلة استعادة الدول العربية من الخصوم لم تزل سارية منذ سنواتٍ، سواء من النفوذ الإيراني أم من النفوذ الإخواني المدعوم تركياً وقطرياً، وليبيا معركة مستحقة في الحرب الإقليمية الشرسة في منطقة الشرق الأوسط، وتحرّك الجيش الليبي جاء لإنهاء حالة الفوضى، بعدما استنفد كل السبل السلمية المدعومة عربياً ودولياً، وبعد ممانعة وتعطيل ورفض لكل الحلول من قبل أمراء الظلام ومن يدعمهم.
المؤامرة على ليبيا بدأت قبل سقوط نظام القذافي من قبل القيادة القطرية التي سعت لإخراج عناصر الجماعات الأصولية والإرهابية من جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم «الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة» التي كانت تابعة لتنظيم القاعدة من السجون، فيما كان يعرف بالحوار أو المصالحة التي كان يقودها سيف الإسلام القذافي آنذاك، وحين انطلق ما كان يعرف بالربيع العربي كانت هذه العناصر جاهزة لحمل السلاح.
دعمت قطر هذه العناصر بالمال والسلاح، بل وبالضباط العسكريين القطريين، وكان تحرك هذه الجماعات الإرهابية للسيطرة على طرابلس العاصمة وكامل ليبيا، ولكنها فشلت بسبب يقظة الشعب الليبي، وإعادة بناء الجيش الوطني وعجزها عن اختراقه، وصولاً إلى اللحظة الحالية وإعلان الجيش الليبي عملية «طوفان الكرامة» لتطهير العاصمة طرابلس.
الأحداث الميدانية تتغير كل لحظة، ولكنها تشير جميعاً إلى تقدمٍ ملحوظٍ ونجاحات متتابعة للجيش الليبي بدعم من الشعب لإنجاح هذه الخطة التاريخية «تطهير طرابلس» لإنقاذ ليبيا واستعادة استقرارها وفرض سيادتها على كامل ترابها الوطني.
فرض الجيش الليبي سيطرته على المطار وعلى أحياء بكاملها من العاصمة طرابلس، وهو يطلع الرأي العام الليبي على كل التطورات في مؤتمرات صحفية تشرح تطور العمليات وأهدافها، وقد أظهر حرصاً شديداً على سلامة المواطنين وحسن التعامل مع المعتقلين من قبل الجيش في مواقف متوالية ومتجددة، كما يليق بجيش وطني يحرر شعبه، وطالب المواطنين بعدم نشر إحداثيات مواقع الجيش أو صور له.
كان خطاب المشير حفتر واضحاً في هدفه وغايته، وقال فيه: «لبيك طرابلس لبيك، دقّت الساعة وآن الأوان وحان موعدنا مع الفتح المبين».
وأضاف: «ادخلوها بسلام على من أراد السلام، ولا تطلقوا النار إلا رداً على من أطلق النار منهم، ومن ألقى سلاحه منهم فهو آمن، ومن لزم بيته فهو آمن، ومن رفع الراية البيضاء فهو آمن، مرافق العاصمة أمانة في أعناقكم».
العجز الأممي عن إيجاد أي مخارج دبلوماسية لإنهاء الأزمة في ليبيا هو القائد الأساس لهذا التحرك العسكري من قبل الجيش الوطني الليبي، وقد أفادت مصادر لموقع «العربية نت» بأن «جوتيريس طلب من حفتر مراعاة قواعد الاشتباك والقوانين الدولية»، وأن «حفتر أبلغ جوتيريس أنه لن يتحاور مع عناصر (القاعدة) أو (داعش) أو (الإخوان)».
من الطبيعي أن يعبّر جوتيريس عن «قلقه»، هذا القلق الأممي الذي تكرر مراراً وتكراراً في كل أزمات المنطقة المتتابعة في العقد الأخير، وهو تعبير عن العجز أكثر منه خطوة لأي نوعٍ من الحلول، والدول لا تتحرر بالقلق، بل بسواعد الرجال الصادقين والجنود المخلصين.
لا أحد يتوقع أن تنتهي هذه العملية بسهولة، بل ستواجه صعوباتٍ ولكنها تتجه بشكلٍ عامٍ نحو الحسم، واستعادة الدولة وإنهاء الانقسام والقضاء على الفوضى، وسيكون على الجيش التواصل مع المكونات الشعبية بشتى تصنيفاتها القبلية أو المدنية من أجل توحيد الجميع في مواجهة الأصولية والإرهاب، وهو ما سيسهل نجاح العملية العسكرية بأقل الخسائر.
صراع المصالح للدول الأوروبية في ليبيا كان عاملاً مؤثراً في إطالة أمد الأزمة الليبية مع العجز الأممي، ولا يمكن أن تحل أي أزمة بهذا التشعب والتدخلات الخارجية وتفشي الفوضى والإرهاب إلا بانتفاضة وطنية وعمل عسكري محكم تحدوه استعادة الدولة وفرض السيادة الوطنية، والتاريخ خير شاهد.
بعض المواقع السياسية المعلنة التي تتحفظ على بعض الجوانب من العملية العسكرية للجيش الوطني الليبي يمكن تفهمها بأنها مواقف تؤكد مبادئ إنسانية عامة أعلنها الجيش بنفسه من قبل، ولكن بعضها الآخر هو محاولة لإبقاء الوضع على ما كان عليه وإطالة أمد الأزمة.
أخيراً، فالمصلحة الكبرى في تحرك الجيش الوطني الليبي هي للشعب الليبي والدولة الليبية بعد نهاية كل الحلول الأخرى وفشلها.
نقلاً عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة