المشروع التركي القطري ليس المراد منه ليبيا وتونس فحسب، المستهدف الأكبر هو مصر من خلال السيطرة على خاصرتها من الشرق وزعزعة استقرارها عبر ليبيا
متقلبة السياسية التركية إزاء الخارج "الدولي منه والإقليمي"، الثابت الوحيد فيها عدم التخلي عن دعم الأحزاب والتنظيمات الموالية لأيديولوجية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية الحاكم وعلى وجه الخصوص "تنظيم الإخوان المسلمين"، فهي تسخّر لهذا كل طاقاتها السياسة من دعم سياسي وعسكري وتمويلٍ وفتح للحدود وتسهيل للانتقال، حتى صارت هذه المظاهر من الدعم سمة بارزة من سمات سياسة أنقرة داخليا وخارجيا، وهي لم تترك مجالاً أو منفذاً لدعم سلوك وعبث تنظيم الإخوان في سوريا ومصر وتونس وليبيا وفي كل مكان إلا وفتحته، ففي سوريا ظلت الحدود التركية مشرّعة وتدفق الأموال والسلاح بلا حسيب أو رقيب متذرعةً بأمن تركيا والحفاظ عليه، بل وصل الأمر حد التدخل المباشر.
أما التوجه التركي نحو المغرب العربي فكانت بوابته تونس بدعمها حركة النهضة التي تربط زعيمها راشد الغنوشي بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان صداقة حميمية (راجع العلاقة بين الرجلين والصورة التي تجمعهما جالسين أمام قلب الدين حكمتيار زعيم الحزب الإسلامي الأفغاني).
ما عاد بإمكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السيطرة على سرية مشروعه في المنطقة وسعيه الحثيث للعودة بالدول العربية إلى نظام ولايات مسلوبة الخير والثروات لصالح سلطانه الذي يريد له الحكم باسم الدين كما كان أجداده من قبل وهذا ما لن يقبل به السواد الأعظم من الشعب العربي
الحامل للتوسع التركي في المغرب العربي والداعم لذلك ماليا هو قطر عبر نفوذها القوي مع شخصيات في تلك المناطق لا تخفي ولائها المطلق لسياسات الدوحة فيما تسميه دعم "ثورات الربيع العربي"، وفتح لها الباب عريضا إبان تسلم المنصف المرزوقي سدة الحكم في تونس عقب الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي عام 2011.
بعد تراجع التونسيين عن دعم حركة النهضة وحصولها على 67 مقعدا في انتخابات 2014 مقابل 83 لحركة نداء تونس، بات المحور التركي القطري يفكر بساحة بديلة تكون مساعدا في مسألة الهيمنة على دول المغرب العربي، فكانت ليبيا الوجه لذلك من خلال تبني مليشيات درنة ومصراتة وتزويدها بالأسلحة والعتاد، وهذا ما أكده الجيش الليبي بعثوره على أسلحة مختومة بشعار القوات المسلحة القطرية في مخازن المجموعات المسلحة في درنة.
المشروع التركي القطري ليس المراد منه ليبيا وتونس فحسب، المستهدف الأكبر هو مصر من خلال السيطرة على خاصرتها من الشرق وزعزعة استقرارها عبر ليبيا وفسح المجال للعناصر المتطرفة لتحجز مكانا شبه دائم يهدد الأمن القومي المصري.
وما شحنة الأسلحة الأخيرة إلا مثال ودليل دامغ على حقيقة المساعي التركية وأهدافها ومدى سخائها في دعم تلك الجماعات ومن الجماعات التي تحسب على الفكر الإخواني في ليبيا غرفة عمليات ثوار ليبيا, كتيبة 17 فبراير, درع ليبيا، كتيبة ثوار طرابلس، سرايا رأف الله السحاتي.
لا شك أنّ هذه الشحنة ليست الأولى وليست الوحيدة التي تتوجه إلى ليبيا ولن تكون الأخيرة، ففي يناير الماضي اعترضت السلطات اليونانية شحنة أسلحة قادمة من تركيا إلى ليبيا قبل وصولها إلى المياه الليبية ولكن اللافت للنظر في هذه الشحنة التي ضبطتها السلطات الليبية قبل يومين هو ضخامتها من جهة وانسياب تحركها وكأنها مواد مشروعة، إذ صرحت السلطات الليبية في بيان ضبط هذه الشحنة أن فيها من السلاح ما يكفي لقتل 80% من الليبيين.
وعلى الرغم من ادعاء تركيا بأنه لا علم لها بهذه الشحنة وأنها ستفتح تحقيقاً بالحادثة والتعاون لفك خيوطها فإن هذه الادعاءات لا يمكن تصديقها فإذا استطاعت سلطات مشغولة بالحرب والتفكك والانقسام وعدم الاستقرار والفوضى بحكم الواقع المفروض كالسلطات الليبية ضبط هذه الشحنة, فكيف استطاعت هذه الشحنة المرور دون الشعور بها من دولة قوية مستقرة متقدمة مثل تركيا وأجهزة استخباراتها ومؤسساتها الحديثة؟
ولكن شعور أنقرة بافتضاح الأمر هذه المرة وبأنه أمر مسيء بالنسبة لدولة ومؤسساتها مما قد يعرضها للمسؤولية القانونية أمام المجتمع الدولي والقانون الدولي اضطرها إلى الاعتذار والتصريح بفتح تحقيق في الحادثة، وتوجه وزير خارجيتها في زيارة إلى ليبيا لحفظ ماء الوجه، وخوفاً من قطع ذراعها في المغرب العربي عموماً وليبيا خصوصاً ومن تدويل القضية، وإلا فلماذا لا تعتذر تركيا عن الشحنات السابقة من هذا النوع ولا تعتذر عن تدخلاتها السافرة في المحيط العربي عموماً وحدودها المفتوحة لمثل هذه الممارسات في سوريا على وجه الخصوص؟
في الواقع ما عاد بإمكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السيطرة على سرية مشروعه في المنطقة وسعيه الحثيث للعودة بالدول العربية إلى نظام ولايات مسلوبة الخير والثروات لصالح سلطانه الذي يريد له الحكم باسم الدين كما كان أجداده من قبل وهذا ما لن يقبل به السواد الأعظم من الشعب العربي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة