الجيش الليبي 2022.. جرعة أمل في شرايين الجنوب
جرعة أمل يبثها الجيش الليبي في شرايين الجنوب المهمل ترسم درعا أنقذ منطقة غارقة منذ سنوات طويلة في الأزمات والانفلات الأمني.
ووسط ما تعيشه ليبيا من أزمات سياسية واقتصادية وأمنية، يعاني الجنوب من النصيب الأكبر منها، قبل أن يتراءى طريق الخلاص على يد الجيش.
ورغم أن أزمات ليبيا بدأت بعد الإطاحة بزعيم ليبيا الرحل معمر القذافي عام 2011، إلا أن مآسي الجنوب سبقت ذلك التاريخ.
فالمنطقة الذي تعد مرتعا لعصابات التهريب المشكلة حتى من غير الليبيين، تئن تحت وطأة الانفلات الأمني لعدم وجود مؤسسات أمنية، علاوة على استغلال المافيات والمليشيات المسلحة هناك لعامل بعد المنطقة ومحاذاتها للحدود النائية مع الدول الأفريقية المجاورة.
وسهلت تلك العوامل تشكّل العصابات وتقويتها عبر استعمالها لإيرادات عمليات تهريب البشر والنفط.
بنغازي الليبية في 2022.. بلسم الإعمار يضمد ندوب الإرهاب
كما أن الجنوب الليبي يعتبر أيضا الملاذ الأول للتنظيمات الإرهابية التي تشن من وقت لآخر هجمات على موانئ وحقول النفط، إضافة لهجمات متكررة على مقار إدارة النهر الصناعي المنتشرة في الصحراء الليبية لافتكاك سيارات ومؤن وغيرها.
عمليات الجنوب
في 2022، تغير الوضع، حيث بدأ الجيش الليبي مبكرا هذا العام بشن عملية عسكرية في 13 يناير/ كانون ثاني لطرد التنظيمات الإرهابية وعصابات المخدرات والتهريب والهجرة السرية التي تتخذ من المنطقة ملاذا تنشر منه التطرف والإجرام.
كما استهدفت العملية أيضا تجمعات لميليشيات المرتزقة المختلطة بين الليبيين وجنسيات أخرى تتمركز عند ما يعرف بـ"المثلث الحدودي " الواقع جنوب شرقي ليبيا قرب الحدود الليبية التشادية والسودان.
وفي تلك الفترة، نعم جنوب البلاد، بفضل الجيش، باستقرار لكنه مؤقت حيث تسببت المساحات الشاسعة للمنطقة الصحراوية الجبلية النائية في تجمع العصابات من جديد.
وبالفترة نفسها، شهدت أيضا جهود كبيرة من الجيش لتحقيق الأمن بالجنوب، إلا أنه في الوقت ذاته كان يواجه تحديات كبيرة من الفصائل المسلحة الأجنبية التابعة للمعارضة التشادية والسودانية ومن بقايا تنظيمي داعش والقاعدة التي تتخذ من الحدود مقرات لها، وتحاول الحفاظ على ما اكتسبته من نفوذ خلال الأعوام الماضية التي كان فيها الجنوب الليبي بلا جيش.
وإثر ذلك، أعلن الجيش الليبي، في 19 إبريل/ نيسان الماضي، عن إطلاق عملية عسكرية بريّة واسعة جنوبي البلاد لملاحقة الخلايا الإرهابية التابعة لتنظيم داعش المتمركزة في المنطقة.
وجاء تحرك الجيش بعد ساعات فقط من هجوم إرهابي بسيارة مفخخة استهدف معسكراً لكتيبة طارق بن زياد بمنطقة أم الأرانب بمدينة سبها عاصمة الجنوب الليبي وأسفر عن جرح 3 عناصر من الجيش وخسائر مادية، فيما أعلن آنذاك تنظيم داعش مسؤوليته عن الهجوم.
تلك العملية الإرهابية التي تكررت مرة أخرى بهجوم آخر على معسكر للجيش في الجنوب دفعت الجيش الليبي في 29 مايو/ أيار الماضي، للإعلان عن إطلاق حملة عسكرية أخرى في المنطقة وذلك لملاحقة الجماعات الإرهابية التي تتخذ من تلك المناطق معقلا لها.
وآنذاك، قال مدير إدارة التوجيه المعنوي بالقيادة العامة للجيش اللواء خالد المحجوب، في بيان مقتضب، إن "هذه العملية العسكرية تشمل كافة مناطق الجنوب بعد رصد تحركات مشبوهة لبقايا الجماعات الإرهابية".
وفي 2 يونيو/ حزيران الماضي، أطلق الجيش الليبي عملية عسكرية أخرى في الجنوب لملاحقة فلول داعش وذلك بمشاركة أكبر هذه المرة من سلاح الجو لرصد تحركات عناصر التنظيم في الجبال الصحراوية الوعرة التي يصعب وصول القوات البرية.
واستمرارا لتلك العمليات، أعلن الجيش الليبي في 16 نوفمبر/ تشرين ثاني المنقضي، أن "قوة مهام نفذت عملية عسكرية ضد داعش أسفرت عن مقتل 7 من عناصر التنظيم".
وكنتاج لجهوده في تطهير الجنوب، أعلن الجيش الليبي في 7 سبتمبر/ أيلول الماضي، القضاء على الإرهابي القيادي الداعشي المهدي دنقو العقل المدبر والمخطط لعدة عمليات إرهابية، من بينها مذبحة الأقباط المصريين التي ارتكبها داعش في سرت الليبية حين سيطر عليها عام 2015.
زيارات حفتر
العمليات العسكرية كانت سببا مباشرا في استقرار الجنوب الذي أصبح الوضع آمنا بشكل كبير، إلا أن الجيش لم يكتف بذلك بل واصل دعمه بزيارات أجراها قائده العام المشير خليفة حفتر، للتحاور مع أهالي المنطقة وسماع مشاكلهم عن قرب، وهي زيارات تعد الأولى لمسؤول بحجمه للمنطقة منذ سنوات حتى ما قبل 2011.
ففي أغسطس/آب الماضي، أجرى حفتر أولى زياراته للجنوب وتحديدا إلى مدينة الكفرة، ثم زار مدينة غات (أقصى الجنوب) في 19 سبتمبر/ أيلول الماضي، وزار أيضا وسط الجنوب حيث حل في 26 سبتمبر/ أيلول الماضي ضيفا على قبائل فزان في مدينة براك الشاطئ، وأيضا سبها عاصمة الجنوب الليبي في 17 أكتوبر/ تشرين أول المنقضي.
كل تلك الزيارات التي حظي فيها حفتر باستقبال شعبي مهيب تحدث خلالها مع أهالي ووجهاء المنطقة وأعيان قبائلها بشكل مباشر عن معاناة الوطن وطالبهم بالوقوف في وجهة ساسة ليبيا المتلاعبين بالبلاد، متعهدا بحماية الجيش لأي موقف وطني يتخذه الشعب لحل الأزمة.
جهود غير مسبوقة
وتعليقا على الجهود التي بذلها الجيش بالجنوب في 2022، قال فوزي الحسناوي اللواء الليبي المتقاعد، إن "مجهودات الجيش الليبي لم تتوقف فقط عن تأمين الجنوب ومحاربة داعش والقاعدة والمليشيات الأخرى ومحاربة مهربي البشر والعصابات الأجنبية".
وأضاف الحسناوي، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن إنجازات الجيش في الجنوب "تواصلت أيضا لدعم المنطقة خدميا حيث أمن الجيش وصول إمدادات الوقود الذي يعد سلعة نادرة هناك".
وتابع: "في السابق، كانت العصابات تسطو على شاحنات نقل الوقود للجنوب باعتبار مناطق الجنوب صحراوية ولا وجود فيها لأي أمن، إلا أن الجيش تدخل مؤخرا وأمن تلك الطرق".
وأوضح أيضا أن "معاناة الجنوب الليبي ليست جديدة فحتى خلال فترة حكم العقيد معمر القذافي كان الجنوب مهملا أيضا وغير آمن".
وسبب ذلك، بحسب الحسناوي يكمن في "المساحة الشاسعة لتلك المنطقة كما أنها صحراوية بعيدة عن مركز ليبيا وبالتالي كان تأمينها أمرا صعبا ويحتاج لعدد كبير من عناصر الجيش".
تحديات
وبحسب المسؤول العسكري السابق، فإن "التركيبة القبلية للجنوب الليبي تمثل تحديا آخر أمام تأمينه، فمعظم القبائل هناك لديها امتدادات عرقية مع دول مجاورة مثل تشاد والسودان وغيرها ما سمح للعصابات غير الليبية باستيطانه".
كما لفت إلى أن "الجنوب يعد مقرا للعديد من الحركات المعارضة للدول المجاورة المتمركزة على الحدود مثل قوات المعارضة التشادية وعصابات مناوي والعدل والمساواة السودانية وغيرها".
تلك الحركات المسلحة يقول اللواء الليبي السابق إنه "كلما زاد الضغط عليها في بلدانها تدخل الحدود الليبية المشتركة في الجنوب وتقوم بعمليات سلب للمواطنين وهجمات لتدعم نفسها بالمال والسلاح".
وأضاف أن سبب مشاكل الجنوب وعدم استقراره تتمثل أيضا في نشاط العديد من العصابات والمليشيات القبلية في تهريب البشر على الحدود وهو مصدر رزقهم منذ مئات السنين وهم الأشد عنفا في مواجهة الجيش".
أيضا انتشار التنظيمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة في تلك المناطق"، يتابع الحسناوي أن "الجبال الوعرة وحالة الانفلات الأمني في الجنوب هي ما دعت تلك التنظيمات للاختباء هناك".
وختم اللواء الليبي السابق حديثه قائلا إن "مهمة تأمين الجنوب مهمة جدا صعبة فشلت فيها الدولة الليبية حتى وقت كانت قوية قبل عام 2011، إلا أن الجيش هذا العام بادر لتحمل تلك المسؤولية العظيمة".
aXA6IDMuMTQ3LjI4LjExMSA=
جزيرة ام اند امز