باحث سياسي يفند لـ"العين الإخبارية" أسباب أزمة ليبيا ويعدد مخاطر الإخوان
بين أتون المليشيات وسندان الصراعات السياسية لا تتضح معالم المستقبل الليبي العالق، في انتظار انتخابات قد تكشف ضبابية المشهد.
وفي إطار محاولة لتفكيك أسباب فشل الانتخابات، وإيجاد طرق لحل المعوقات التي حالت دون الوصول إليها، وإيضاح مخاطر تنظيم الإخوان على الحوار السياسي والانتخابات ومستقبل البلاد، جاء حوار "العين الإخبارية " مع الباحث السياسي الليبي عز الدين عقيل.
- اشتباكات طرابلس.. غياب الوساطة الأممية يجر ليبيا لساحة العنف
- تصعيد عسكري في ليبيا.. نذر حرب أم استعراض قوة؟
أسباب الفشل ومنهجية الحل
وتحدث السياسي الليبي قائلا إن "سبب فشل حل أزمة الانتخابات يكمن في خارطة الطريق التي انبثقت عن ملتقى الحوار السياسي الذي رعته الأمم المتحدة بين أطراف النزاع، وأنتج حكومة انتهت ولايتها ولاتزال في الحكم، وأقر إجراء انتخابات في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي، فشلت أيضا بسبب الخلاف وظروف أحاطت بالبلاد".
وبحسب عقيل فإن منهجية حل الأزمة "ابتعدت كليا عن طبيعة الحل الجوهري أو المنهجية الناجعة التي استخدمت بنجاح بعشرات الدول التي مرت بنموذج دولة النزاع المسلح ومكنتها من إعادة سلامها واستقرارها"، لافتا إلى أن "حل أزمة نموذج الحالة الليبية كان يجب أن يقوم على معالجتين أساسيتين".
وبين أن المعالجات الناجعة تعتمد على عاملين الأول هو "تقديم الدعم الفني الدولي وممارسة أقصى قدر من الضغوط الدولية على الطبقة الحاكمة المتمسكة بالسلطة حتى الموت لإجبارها على صناعة قاعدة دستورية مشتركة تلزمهم بتنفيذ إجراءات تجديد الشرعية السياسية لحساب آخرين".
أما الثاني فهو "إنهاء المحرك الرئيس للأزمة وهو التهديد الأمني بالاختيار بين فرض واحد من نموذجين، الأول النزع العنيف للسلاح المارق كما جرى بسريلانكا ورواندا وشرق ليبيا، أو النزع السلمي كما جرى بلبنان والبلقان وسيراليون وكولومبيا وكثير من النماذج الأخرى".
واعتبر عقيل أن "إهمال تلك الخارطة للدور الجوهري لأطراف الصراع بصناعة السلام أدى إلى استمرار العنف وانتهاك الهدنة واستفحال وجود المرتزقة الذي تحول مؤخرا إلى كارثة وطنية".
وأكد أن "تلك المشكلة لا يمكن أن تنتهي إلا بانتهاء واختفاء المليشيات المحلية كليا لكون المليشيات قادرة على إعادة المرتزقة فور حاجتها لخدماتهم من جديد، حتى بحال تحقق خروجهم من البلاد فعلا".
ومن المشكلات المؤدية لفشل الانتخابات الليبية أيضا يرى عقيل أن "صناعة مسار أمني فاشل وعقيم سمح باستمرار العنف وتعدد اختراق الهدنة، ووقف إطلاق النار بصورة متكررة وجسيمه لأنهم يعتبرون الخرق فقط بهجوم إقليم على آخر، بينما لا يعتبرون الحروب داخل الإقليم الواحد خرقا للهدنة فهي مسموح بها".
وأضاف أيضا أن "غياب وجود أذرع اقتصادية للمليشيات خارج البلاد تسمح بالضغط على أطراف الصراع لضبط مواقفهم وإحكام السيطرة على تصرفاتهم".
الأسباب الخارجية والتنظيمية
الباحث السياسي الليبي تحدث أيضا عن الأسباب الخارجية المباشرة لفشل الانتخابات، قائلا إن "أولها غياب الإرادة الدولية حتى هذه اللحظة حيال مساعدة ليبيا على استعادة استقرارها بسبب استمرار الصراع الأجنبي على الهيمنة عليها والاستيلاء على مواردها".
وأوضح أن "هذا هو ما ولد استمرار الحاجة الحيوية للقوى الغربية الكبرى للسيطرة على القرار السياسي الليبي من خلال ضمان استمرار الفوضى وتغييب السيادة".
أما عن الأسباب التنظيمية لفشل وانهيار الانتخابات، فأرجعها عقيل إلى "تعمد المجتمع الدولي تغييب أطراف الصراع عن الوعي بالمفهوم الحيوي للدولة الجديدة الجامعة".
وأكد أن ذلك "كان سببا في استنفار المليشيات التي وقعت بقلب زخم الانتخابات بهدف فرض البقاء الحصري بالمشهد السياسي على الأشخاص والجماعات المسيطرة على نموذج الدولة الفاشلة القائم منذ عام 2011، عبر محاولة فرض مشاركة أشخاص وجماعات متطرفة وجهوية فقط بالانتخابات ما أدى إلى فشلها".
هناك أيضا، بحسب عقيل "غياب القاعدة الدستورية التي تعكس توافق أطراف الصراع والتي ما كان يجب لأحد طرفيها أن يقوم بصياغة الأدبيات الانتخابية منفردا بحسب التاريخ الدولي الطويل لآليات حل صراعات دول النزاع المسلح".
سجل مشوّه.. وضمانات غائبة
وأوضح عقيل أن من بين الأسباب الفنية أيضا التي أدت لفشل الانتخابات السابقة "فساد سجل المترشحين الرئاسيين والبرلمانيين معا بقدر هائل من المستندات المزورة والأشخاص المزيفين وغير الليبيين".
إضافة إلى "إصدار عشرات الآلاف من البطاقات الانتخابية للموتى وطريحي الفراش وفاقدي الأهلية العقلية، وانعدام اليقين حيال اعتراف أطراف الصراع بنتائج الانتخابات وغياب الضمانات الأمنية بتنفيذ عملية انتخابية حرة ونزيهة".
عقيل اعتبر أيضا أن من ضمن أسباب فشل الانتخابات الليبية هو "التزوير المستندي الصادم، إلى جانب الإطاحة بمبدأ تكافؤ الفرص بتوريط المال العام بتمويل حملات دعائية أضرت باقتصاد البلاد".
أيضا هناك "الموقف الشعبي العدائي تجاه الأحزاب السياسية الذي سمح بزيادة تعقيد التدخلات الأجنبية في ظل غياب حاد للزعامات السياسية المحترفة والمقبولة شعبيا، وبروز تهديد العاقبة المترتبة على هذا العداء حتى بحال انتخاب برلمان جديد وفقا للقاعدة الانتخابية الحالية".
ويرى عز الدين أيضا أن مستقبل بلاده السياسي "يقوم كليا اليوم على المجهول وانعدام اليقين".
خطر الإخوان على الحوار والانتخابات
وحول مخاطر الإخوان على الحوار الليبي والانتخابات، أشار عقيل إلى أن "إنجاز القاعدة الدستورية بالشراكة مع مجلس الدولة يستحيل في ظل تمسك الإخوان المسيطرين عليه بموقفهم الاجثتاتي (الإقصائي) المتطرف ضد الدخول الليبي الجماعي إلى الجمهورية الثانية أو الدولة الليبية الثالثة التي يدافع عنها البرلمان بالمقابل بقوة وحزم".
وحمّل الباحث السياسي الليبي "المجتمع الدولي، مسؤولية هذا الفشل لإظهاره تخاذلا مؤسفا حيال مساعدة الطرفين على تجاوز هذا التحدي، بل قيامه عنوة وعمدا بتخريب الحل الذي توصل إليه الطرفان بهذا الخصوص".
وتساءل عز الدين عقيل عن مدى إمكانية تدخل المجتمع الدولي وتحديدا الحكومات الغربية لإجبار أطراف الصراع على الدخول بأي انتخابات مقبلة.
وتابع: "هل نشهد انتخابات قادمة تقوم على إقصاء قوى سياسية أو اجتماعية بعينها، لأن هذا ما يناسب المصالح الغربية في ليبيا، لنجد أنفسنا أمام انهيار انتخابي جديد بسبب ارتداد البلاد إلى مربع التمزق والاصطفاف والعنف؟".
وواصل عقيل تساؤلاته حول إمكانية النجاح بتطهير السجل الانتخابي وسجلي المترشحين الرئاسي والبرلماني مما يعجان به من تزوير وفساد، أو إعادة الاعتبار لبطاقات الناخبين في ظل استمرار الوضع الأمني الراهن والاختراق المروع الذي تتعرض له قطاعات ومؤسسات الدولة من الجماعات المتطرفة.
واستبعد الباحث الليبي إمكانية الوصول إلى قاعدة دستورية في ظل إصرار تنظيم الإخوان والدول الإقليمية الداعمة التنظيم على مواصلة سياسة الإقصاء والعزل وإخلاء المسرح الانتخابي لهم حصرا لضمان استمرار سيطرتهم على كرسي الرئيس وربما البرلمان.