الأشرعة "منخفضة الكربون".. ابتكار العصر لمستقبل التجارة البحرية
وسط غيوم آفاق الاقتصاد العالمي وتشعب تحديات المناخ، تتسارع وتيرة الابتكارات العصرية المرنة على مسار الحياد الكربوني ودفع عجلة الاقتصاد.
لعل أبرز تلك الابتكارات النظيفة التي تأمل الحكومات منها المساهمة في تسريع تعافي الاقتصادات العالمية وبلوغ أهداف المناخ، الأشرعة "الدوارة" أو الأشرعة منخفضة الكربون.
الأشرعة منخفضة الكربون.. ودفع التجارة العالمية
يُعدّ أول ابتكار للمراكب الشراعية في تمكين التجارة البحرية يعود إلى القرن السادس والثلاثين، لكن اليوم تُكيف شركات الشحن البحري في العصر الحديث تلك التقنية القديمة سعيًا للحد من الانبعاثات الكربونية وبالتالي السيطرة على أزمة الاحترار العالمي.
وبحسب "بلومبرج"، تستثمر بعض أكبر شركات التجارة البحرية في إعادة تهيئة سفن أو بناء أخرى بتصاميم حديثة لتسخير طاقة الرياح تلبيةً لأهداف مكافحة التلوث ومعايير الانبعاثات.
وسيؤدي التحوّل إلى سفن تجارية تعمل بطاقة الرياح، باستخدام بدائل سواء كانت طائرات جر شراعية عملاقة لسحب سفن الشحن أو أشرعة قابلة للنفخ أو إسطوانات دوارة سريعة تولّد الدفع؛ لمضاعفة أعداد تلك السفن بحلول 2023. رغم أنها باشرت ذلك انطلاقاً من أرضية ضعيفة، إلا أن عمالقة الشحن العالمي، بما فيهم "كارجيل" و"ميرسك تانكرز" و"ميتسوي"، يتجهون نحو طاقة الرياح لخفض الانبعاثات، ويراهنون على التقنية المعاد إحياؤها للمساعدة لتحقيق هدف الصناعة في خفض انبعاثات الغازات الدفيئة من الأسطول العالمي بنسبة 50% بحلول 2050، مقارنة مع مستويات 2008.
ويولي قطاع التجارة البحرية حاليًا كثيراً من الاهتمام لطاقة الرياح بعد بضع سنوات من النشاط البطيء، حيث نشهد كثيراً من الزخم والنشاط. لكن سيستغرق الأمر بعض الوقت.
ستستفيد 25 سفينة تجارية، بما فيها سبع سُلمت في 2022، من الابتكارات التي تعمل بالرياح بحلول نهاية العام الجاري، وفقاً لتقديرات "الرابطة الدولية لطاقة الرياح"، بل أن هذا الرقم سيتضاعف تقريباً إلى 49 سفينة بحلول نهاية 2023.
نُفذت عمليات تسليم أو الطلبيات البارزة خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، رغم تعطلها بسبب وباء "كوفيد-19. على سبيل المثال، ركبت شركة "أيرسيز"، شراعاً طائراً من قماش مرن مستأجر من "إيرباص" فوق سفينة تابعة لأسطول شركة "لويس دريفوس أرماتيورز"، ويمكن بسطه بضغطة زر. ستخفض الأداة سالفة الذكر تكاليف شحن الوقود وانبعاثات الغازات الدفيئة بقدر الخمس، أو ما يصل إلى 10 آلاف طن متري من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، حسبما تقول الشركة.
وأشارت شركة "أيرسيز" إلى إن التركيز على كبح الانبعاثات التي ينفثها قطاع الشحن البحري يسرع تبني الابتكارات القائمة على طاقة الرياح. ويدرك مالكو السفن أن عليهم تقليل انبعاثاتهم الآن، ويحتاجون إلى البدء في الاستثمار لتحقيق أهداف 2050. لذا، من المنطقي بالنسبة لهم تضمين طاقة الرياح كجزء من أي حل، فهي مصدر وفير ومجاني وغير محدود للطاقة.
طائرات ورقية.. وأشرعة صلبة
فيما عززت شركة الشحن اليابانية "كاواساكي كايسن كايشا"، طلبيات الطائرات الورقية من "أيرسيز" إلى خمس طلبيات ووقعت عقداً لتركيب ما يصل إلى 50 طائرة فوق أسطولها المكون من نحو 420 سفينة في يوليو.
إن نشر تقنيات الدفع بطاقة الرياح تشكل "مكوناً رئيسياً في استراتيجية كاواساكي" لاعتماد هدف طموح يتمثل في تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050.
وستختبر "كارجيل" شراعين صلبين بارتفاع 37 متراً مصنوعين من الفولاذ والزجاج المركب، واللذين سيحملهما ناقل يبلغ ارتفاعه 230 متراً استأجرته عملاقة السلع الغذائية من شركة "ميتسوبيشي". يتجاوز طول السفينة 220 متراً، ويمكن أن يساعد الشراعان بخفض الانبعاثات على سفينة بنيت حديثاً لتعمل بطاقة الرياح بنسبة تصل إلى 30%، ما يعادل 6400 طن متري من ثاني أكسيد الكربون سنوياً تقريباً.
وتنوي عملاقة السلع الغذائية تخصيص السفينة لعمليات النقل التجارية لمدة تصل إلى ستة أشهر بعد تسليمها في الربع الأول من 2023. كما تخطط "كارجيل" لتعديل ما يصل إلى 10 سفن أخرى إذا نجحت التجربة.
وينقل قطاع الشحن البحري 90% من حجم التجارة العالمية، ويمثل 3% من انبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى العالم، أو ما يقرب من مليار طن متري من ثاني أكسيد الكربون سنوياً. لذا اعتمدت "المنظمة البحرية الدولية"، وهي وكالة تابعة للأمم المتحدة تنظم تلوث الهواء الناجم عن صناعة الشحن؛ تدابير إلزامية لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة. فاعتباراً من مطلع يناير، سيتعين أن تفي السفن التي يزيد وزنها الإجمالي عن 400 طن بكفاءة استخدام طاقة معينة، وسينبغي على معظم مالكي السفن تطبيق تدابير تقنية لتتوافق انبعاثاتهم مع المستويات المطلوبة. كما ستُلزم السفن بالتوافق مع هذه المعايير للحفاظ على استمرار عملها التجاري عالمياً.
فيما يشكل الاستثمار الرأسمالي الذي تتطلبه الأنظمة العاملة بطاقة الرياح أكبر عقبة أمام عديد من مالكي السفن، إذ يمكن أن تكلف الدوارات والأشرعة الصلبة مليون إلى 1.5 مليون دولار ببساطة لنصب كل منها، وغالباً ما تحتاج السفن إلى ثلاثة أشرعة أو أكثر على الأقل.