القارئ مهدي العزاوي.. صوت العراق الشجيّ (بروفايل)
قدّم العراق أسماء لامعة في دولة تلاوة القرآن، وأثرى قراؤه المكتبة العربية بتسجيلات وأصوات شجيّة تركت آثارها في وجدان العراقيين والعرب.
ومن بين حملة كتاب الله في العراق يبرز اسم القارئ الشيخ الحافظ مهدي العزاوي، كأحد أفضل الأصوات وأقواها وأكثرها قبولًا وجماهيرية داخل بلاد الرافدين وخارجها.
وارتبط اسم الشيخ العزاوي بالكثير من المناسبات الدينية، وترك إرثا هائلا من التسجيلات للإذاعة العراقية وشركات الإنتاج، شملت الإنشاد الديني والمديح النبوي والأغنيات التراثية.
القارئ مهدي العزاوي
ولد الحافظ مهدي بن فزع بن عبدالله العزاوي عام 1894 في مدينة شهربان بقضاء المقدادية التابع لمحافظة ديالي وسط العراق، وعندما بلغ السابعة نزحت أسرته إلى بغداد ومنها إلى الأعظمية.
وعاش "العزاوي" طفولة قاسية، إذ فقد بصره طفلا، وعاش ضريرا طوال حياته، وكان صوته العذب الشجي وقدرته الفذة على الحفظ والاسترجاع هدية الله له بعد ذهاب نور عينيه ليملأ الدنيا بالقرآن.
أتم "العزواي" حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، وتلقى دروس التلاوة على يد مجموعة من الشيوخ، منهم أحمد المعظماوي الذي علمّه أصول التلاوة والانتقالات النغمية، والملا جاسم البغدادي الكفيف.
وسرعان ما تمكن الطفل "العزاوي" من إتقان القراءات وأصول التجويد، وبرع أكثر ما برع في المقام العراقي وتلقى المقامات من أفواه المشاهير من رواد المقام العراقي في بغداد بدءا من عام 1904.
الإنشاد والمديح النبوي
التحق مهدي العزاوي بفرقة الملا عثمان الموصلي، وتعلم على يديه المديح النبوي، وبعدها سجل عددا من المدائح، أبرزها التي أداها في قاعة الملك فيصل الأول بمناسبة حفل ختان أولاد رئيس وزراء العراق نور الدين محمود عام 1948.
وعند افتتاح الإذاعة العراقية عام 1936 كان "العزاوي" مع أوائل المنشدين الذين قدموا الإنشاد والمديح عبر الأثير، وسجل عددا من المقامات، لكنه لم يستمر في الغناء والإنشاد للإذاعة، وسرعان ما قرر التفرغ لتلاوة القرآن وتسجيل سوره.
وتهافتت شركات التسجيل في بغداد على الشيخ "العزاوي"، وسجل لها مجموعة واسعة من الموشحات والمديح، ومنها أغنية "ليت أمي لم تلدني" و"يا أسمر اللون"، كما أحيا العديد من المناسبات الدينية والليالي القرآنية في بغداد ومدن العراق.
شهرة عابرة للحدود
وبعد ذيوع صيته في كامل أرجاء العراق، سرعان ما انتقلت شهرة القارئ مهدي العزاوي إلى مصر، ونال إعجاب الجماهير والقراء على حد سواء، وأشاد به عباقرة التلاوة في مصر، ومنهم الشيخ عبدالفتاح الشعشاعي والشيخ أبوالعينين شعيشع.
وحين زار القارئ الشيخ "شعيشع" العراق عام 1954 وسمع تلاوة الشيخ مهدي العزاوي أبدى إعجابه الشديد به، وكانت حينها مقامات الجبوري والبهرزاوي والطاهر والميلاوي والإبراهيمي والمخالف جديدة على مسامع القراء المصريين.
وفي عام 1958، توجه الشيخ العزاوي إلى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج، وبعد عودته من الأراضي المقدسة فاضت روحه إلى بارئها وتوفي عام 1959 عن عمر ناهز 65 عاما، وشيع في جنازة مهيبة ودفن في مقبرة الخيزران بالأعظمية.