«لا مساومة» مع الإرهاب.. مالي في «معركة وجود» ضد «القاعدة»

صراع محتدم بين العقيد أسيمي غويتا رئيس المرحلة الانتقالية في مالي، وإياد أغ غالي، زعيم جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، ذراع القاعدة، يمثل لحظة فارقة بمسار الدولة.
خبراء سياسيون وأكاديميون رصدوا هذا الصراع في ظل رفض المجلس العسكري "أي مساومة مع الإرهاب"، ويصر على خيار "الحسم الأمني" كسبيل وحيد لحماية البلاد واستعادة سيادتها.
مواجهة بلا هوادة
وتحت عنوان: "في مالي، تتصاعد المواجهة بين إياد أغ غالي"، قالت مجلة "جون أفريك" الفرنسية إن المواجهة تتصاعد بين زعيم "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، والعقيد آسيمي غويتا، رئيس المجلس العسكري الانتقالي.
وأوضحت المجلة الفرنسية أنه "بينما يرفض غويتا الدخول في أي مفاوضات مع الجماعات الإرهابية، مفضّلًا استراتيجية "الحل الأمني الشامل" لاستعادة السيطرة على الأراضي الوطنية، يواصل أغ غالي هجماته المتعددة، ساعيًا لفرض سطوته على كامل التراب المالي.
وتابعت: "هكذا، يبدو أن الصراع بين الرجلين لا يعرف أي منطقة وسطى: لا تسوية ولا حوار، بل حرب مفتوحة على المستويين العسكري والسياسي".
ويقود العقيد غويتا، الذي صعد إلى السلطة بعد انقلاب عسكري في 2021، سياسة تقوم على رفض التفاوض مع الجماعات المسلحة، في وقت يواصل إياد أغ غالي، زعيم "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبطة بالقاعدة، هجماته الشرسة سعيًا لفرض سطوته بالقوة والتوسع نحو العاصمة باماكو.
وبين رجل دولة يرفع شعار "استعادة الأرض والسيادة" وبين إرهابي يطمح لإقامة مشروع متشدد، تقف مالي أمام حرب شاملة لا تعرف حلولًا وسطية.
ويرى مراقبون أن المعركة بين غويتا وأغ غالي تتجاوز حدود مالي، إذ ترتبط مباشرة باستقرار منطقة الساحل الأفريقي، فنجاح الحكومة المالية في تحجيم نفوذ الإرهاب سيشكل نموذجًا لدول أخرى مثل بوركينا فاسو والنيجر، التي تواجه تحديات مشابهة وتبنت بدورها خيار المجالس العسكرية ذات الطابع السيادي.
وأمام إصرار المجلس العسكري بقيادة أسيمي غويتا على خوض معركة شاملة ضد الإرهاب، ووسط دعم شعبي واسع لهذه السياسة، تبدو مالي في طريقها إلى مرحلة جديدة من المواجهة الحاسمة.
وبينما يرى البعض أن خيار "الحسم الأمني" محفوف بالمخاطر، يؤكد خبراء أن هذا الخيار هو الوحيد القادر على حماية الدولة وإعادة بناء مشروع وطني مستقل، بعيدًا عن مساومات الماضي وضغوط القوى الأجنبية.
هيبة الدولة
من جانبه، قال الباحث الفرنسي جان-لوك مارتان، المتخصص في شؤون الساحل بمركز الدراسات الاستراتيجية في باريس لـ"العين الإخبارية"، إن سياسة غويتا تمثل نقطة تحول في التعاطي مع الإرهاب.
وأضاف "لسنوات طويلة، تبنت الحكومات المالية السابقة استراتيجية مزدوجة تجمع بين الحوار والعمليات العسكرية، لكنها لم تحقق أي نجاح ملموس".
وتابع "على العكس، توسع نفوذ الجماعات الإرهابية وزاد نفاذها إلى مناطق شاسعة. ما فعله غويتا هو إعادة تعريف أولويات الدولة: الأمن أولًا، ثم التنمية".
وأضاف أن المجلس العسكري "استطاع إعادة بناء معنويات الجيش المالي، وتحريره من الوصاية الأجنبية، خصوصًا بعد خروج القوات الفرنسية وقوات الأمم المتحدة".
وشدد على أن الرهان السيادي الذي يرفعه غويتا يحظى بقبول شعبي واسع "لأن المواطن المالي يرى لأول مرة قيادة وطنية تتحمل المسؤولية الكاملة في مواجهة الإرهاب دون حلول ترقيعية".
خيار غويتا
من جانبه، قال موسى تراوري، الباحث في جامعة باماكو والمتخصص في شؤون الساحل الأفريقي لـ"العين الإخبارية"، إن ما يجري في مالي هو "معركة وجود".
وقال: "الجماعات الإرهابية لا تريد المشاركة في بناء الدولة، بل تسعى إلى هدمها وفرض مشروع متشدد غريب عن الثقافة المالية"، موضحاً أن غويتا فهم هذه الحقيقة جيدًا، ولهذا رفض أي تفاوض معهم. هذا الموقف ليس خيارًا شخصيًا، بل هو انعكاس لإرادة الشعب المالي الذي سئم وعود السلام الزائفة".
وأضاف تراوري أن التحول الأبرز في عهد غويتا هو التحرر من النفوذ الأجنبي والاعتماد على الشراكات الجديدة، سواء مع دول الجوار أو شركاء دوليين جدد مثل روسيا، في إطار سياسة متعددة الأقطاب.
واعتبر أن هذه الخطوات "منحت مالي فرصة لإعادة ترتيب بيتها الداخلي بعيدًا عن الضغوط التي فرضتها فرنسا والأمم المتحدة سابقًا".
وأكد أن "المجلس العسكري لا ينكر أهمية التنمية، لكنه يدرك أن التنمية لا يمكن أن تتحقق في ظل انعدام الأمن. لذلك، فإن سياسة غويتا تمثل رهانًا واقعيًا وعمليًا يضع الأمن في المرتبة الأولى".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTEg جزيرة ام اند امز