"الدراعة" الموريتانية.. ثوب وهوية عابرة للحدود
مثلت "الدراعة" الثوب الرجالي التقليدي للموريتانيين، الذي يعبر عن اعتزازهم بهويتهم، ويناسب لحظات الاسترخاء والمناسبات الاحتفالية.
ويرى البعض أن نمط هذا الثوب التقليدي وشكله الفضفاض يجعله بعيدا عن واقع العصر ومتطلبات العمل، ويحوله إلى جزء من الموروث الثقافي، ويتصدى آخرون لهذه الفكرة معتبرين أن الدراعة جزء من هوية مجتمع يجب أن تبقى حاضرة وبقوة في مختلف الميادين والساحات.
لا تمثل "الدراعة" ثوبا خالصا للموريتانيين فحسب؛ بل يستخدمها سكان أفريقيا ما بين "واد نون" بالمغرب شمالا إلى نهر النيجر جنوبا.
ومع ذلك تعتبر موريتانيا – الواقعة في قلب هذا الفضاء- مصدر كل التطور الذي شهدته حياكة وتطريز هذا الثوب على مدى تاريخه الممتد من أواخر القرن السابع عشر.
تحدي الدراعة
اهتمام الموريتانيين بالدراعة، واعتبار البلد مرجعية تاريخية وحاضرة بل وعاصمة لهذا الثوب في شبه المنطقة، أذكى التفاعل مع هاشتاق "خلي الدراعة" الذي انطلق مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي.
وركز عدد من الموريتانيين على أهمية الاعتزاز بالدراعة وعدم تركها للمناسبات فقط، بل وصل حد التباهي والاستعراض لأحدث خطوط الموضة المتعلقة بهذا الثوب، وانتنشر الصور التي اعادت إلى الفضاء مناسبات احتفالية لذكريات جميلة مع هذا الثوب.
الكاتب الموريتاني إسلمو أحمد سالم، كتب حول الدراعة "المنتج الذي يناسب البيئة الصحراوية الأكثر صمودا أمام المسخ"، على حد تعبيره.
وأضاف في تدوينة بحسابه على فيسبوك" لقد رفضت الدراعة كل محاولات القص والتغيير ولم تقبل تغيير النمط، وإن قبلت الانسجام مع قامة صاحبها".
واعتبر "أن الدراعة تظل الوحيدة القادرة على التناغم مع جلسة الشاي وسهرات الموسيقى التقليدية على آلة (التيدنيت) و(آردين)، والوحيدة التي تشعرك بالاسترخاء والرفاهية والطمأنينة على التمسك بالمورث الثقافي و القيمي".
واستطرد في القول "تظل الدراعة جميلة وأنيقة ومريحة، وجميلة".
أما الكاتب والإعلامي الموريتاني عبدالفتاح ولد باب، قال في تدوينة بحسابه على فيسبوك إنه لن يغير عادته في ارتداء الدراعة في المناسبات العامة، معتبرا إياها "أكثر راحة من غيرها من الملابس الضيقة".
وأوضح أن الدراعة تظل دائما تمثل لأهل الصحراء "الدرع المتين الذي يقيهم الحر والقر رغم ضرورة تكييفها مع من يلبسها بحيث تسايره طولا وقصرا".
الكاتب سعيد زريبيع دوّن قال إنه "لا أحد يحق له أن يزايد على أحد مهما اختلف معه حول الدراعة".
وأضاف "نحن نحاول الحفاظ عليها شامخة كما يفعل آباؤنا وأجدادنا، ونحاول أن نحافظ على ذلك بكل ما أوتينا من جهد".
واعتبر زريبيع "أن العيب ليس في ارتداء الدراعة؛ لكن العيب كل العيب في توظيفها لغير وظائفها"، مضيفا أن "الدراعة ليست مجرد ثوب أبيض وأزرق إنها تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا، هي جينات كرامة وعزة نفس إن شئنا القول"، على حد تعبيره.
تاريخ الدراعة
الكاتب والمدون الموريتاني الشيخ مزيد اختار في تناوله للدراعة التوقف عند تاريخ ارتداء هذا الثوب في الفضاء الصحراوي، مبينا أن "الدراعة" بدأت تنتشرُ تدريجياً وتتوسّع مع أواخر القرنِ السّابع عشر.
وكشف أن الأمير أعلي شنطورة، إمارة الترارزة وهي إحدي الإمارات التقليدية الموريتانية (1703-1727)، كان أولّ من لبس الدراعة، التي عُرفت حينئذٍ بالشّنظورة وتمت تسميتهُ بها.
وأضاف أنه سرعان ما أصبحت زياً شعبياً في السّنوات اللاحقة، وأخذت في التّوفر بشكلٍ ملحوظٍ في عام 1743م الذي عُرف بعام الدراريع في منطقة ودان وولاتة، وربما على كلّ الطريقٍ القوافلي.
وخلص الكاتب إلى أنه في عام 1743 ظهرت الدراعة بشكلها الحالي المعروف في الصحراء الغريية وموريتانيا بعد أن كانت تخاط دون جيب وتسمى "الملكية" لالتقاء أكمامها، فكان طولها لا يتعدى الـ15 ذراعا، أي ما يقارب الـ7 أمتار ونصف المتر.
ومع هذه الدّراعة، يضيف الكاتب: "كان يوضعُ اللثام غالباً، وخصوصاً في لحظات الغُبار حيثُ كان الناس في المجتمع الصحراوي ما زالوا يلثّمون عموم الوجه، باستثناء الحدقتين.