يسود لدى البعض اعتقاد أن الإعلام مجرد باب إنفاق لا يدر عائدًا ماليًا مباشرًا، لكن التجارب تثبت أنه استثمار طويل الأمد يولّد قيمة عالية، حتى لو لم يظهر أثره في دفاتر الحسابات اليومية.
الإعلام ليس مجرد نشر أخبار أو تقارير، بل هو قوة ناعمة تصنع سمعة الدول وتؤثر في صورتها أمام العالم. حين تتبنى وسيلة إعلامية أو وكالة أنباء تغطية واسعة لمشروع أو مبادرة، فهي تمنح الدولة أو المؤسسة حضورًا مجانيًا في الواجهة الدولية كان سيكلف ملايين لو تم شراؤه عبر إعلانات تقليدية.
ولعل أبرز مثال عالمي على ذلك ما حدث مع اليابان خلال أولمبياد طوكيو 2021. رغم الظروف الصعبة بسبب الجائحة، فإن التغطية الإعلامية الضخمة جعلت اليابان محط أنظار العالم لأشهر متواصلة. هذه الصورة الإيجابية أسهمت في استعادة ثقة السياح والمستثمرين فور إعادة فتح الحدود، وجعلت اليابان تستفيد اقتصاديًا ومعنويًا من الزخم الإعلامي الذي لم يكن هدفه الربح المباشر.
مثال آخر هو النرويج التي استثمرت في حملات إعلامية تبرز ريادتها في مجال الطاقة النظيفة. لم تكن تلك الحملات لجذب إعلانات، وإنما لبناء صورة دولية قوية كدولة صديقة للبيئة. وبعد سنوات من هذا الحضور الإعلامي، أصبحت شركاتها من أبرز المصدرين للتكنولوجيا الخضراء في العالم، وهو عائد اقتصادي ضخم تحقق نتيجة صورة إعلامية إيجابية.
الإعلام أيضًا يمكن أن يغيّر من مكانة الدول في المؤشرات الدولية الخاصة بالقوة الناعمة والسمعة العالمية. كثير من المؤسسات البحثية تضع تقارير سنوية عن الدول الأكثر تأثيرًا، ويكون للإعلام النصيب الأكبر في تشكيل هذه الصورة. فالدول التي تحظى بتغطيات إيجابية متواصلة، سواء عبر إنجازات رياضية أو مبادرات إنسانية أو مشاريع ابتكارية، تحقق قفزات واضحة في مكانتها العالمية.
الإعلام ليس مصروفًا بلا مردود، بل هو استثمار استراتيجي ينعكس في ثقة الشعوب، وقرارات المستثمرين، واختيار السياح لوجهاتهم، وحتى في كيفية تعامل العالم مع الدولة سياسيًا واقتصاديًا. قد لا يظهر العائد في صورة أرباح مالية مباشرة، لكنه يظهر في صورة نفوذ وتأثير طويل الأمد، وهذا هو جوهر القيمة الحقيقية للإعلام.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة