يوميات عمال العزل الصحي.. "أبطال الكواليس الخلفية"

عاملان صحيان في مركز العزل بمستشفى إسنا جنوبي مصر، يرويان يومياتهما وإجراءات الحماية التي يتبعانها
في المعركة، جنود مهمشين، لا تكتمل الصورة بدونهم، وعلى الرغم من تحملهم الجزء الأكبر من الخطر، فإنهم صامدون، يمارسون عملهم في هدوء وبساطة، إنهم أبطال الكواليس الخلفية.. العاملون بمستشفى العزل في مدينة إسنا بمحافظة الأقصر، جنوبي مصر.
لرغبتها في مساعدة أهلها، قررت نيرمين عادل التقدم إلى وظيفة عامل نظافة، بعد تخييرها بين وظيفتها الحالية أو عامل أمن، ولكنها لم تدرك إنها بعد 5 أشهر من العمل، ستكون جزءا مهما من الطاقم الطبي المسؤول عن مستشفى العزل بإسنا المركزي.
تقول، نيرمين ابنة قرية الشيخ فضيل بمدينة إسنا: "بعد علمنا بتحويل المستشفى إلى مستشفى للعزل، خيرتنا الشركة المسؤولة عن توظيفنا بين العمل لمدة 14 يوما متواصلة أو التوقف، وكنت من ضمن المتقدمين من دون تفكير".
وتضيف ابنة الـ 17 عاما وهي أصغر عاملة بالمستشفى: "أردت أن أساهم مثل الدكاترة والتمريض وبالفعل التعامل معنا بالمثل، وذلك للحفاظ على أنفسنا وعلى الطاقم الطبي والمرضى".
من بين 35 عاملا آخر أثبتت أصغر عاملة بالمستشفى جدارتها في مسؤوليتها عن قسم الطوارئ والاستقبال، مع مواصلة العمل لمدة 60 يوما متواصلة. تتابع قائلة: "ارتبطت بالمكان وبالدعوات التي أتلقاها من المرضى حين أساعدهم".
وعن أول أيام العمل، تقول نيرمين: "كنا قلقين في البداية ولكن الوضع في المستشفى مطمئن، وعملنا على طمأنة المجموعات التي حضرت للتبديل".
تعمل نيرمين لمدة 12 ساعة يفصلها بعض الوقت لتناول وجبة الإفطار، فهي تعمل من 12 ظهرا وحتى 12 مساء، وتتولى مسؤولية نظافة وتعقيم الأرضيات والأسطح والستائر والحوائط وهو ما تبدأ به صباحا، مع تغير الشراشف وتعقيم الحمامات في حالة حضور مريض للغرفة.
تقول: "وقت الإفطار كل عامل يأكل في الدور المسؤول عنه، أو في السكن في حالة عدم مسؤوليته عن شيفت، وقليلا ما نتجمع مع باقي العمال والعاملات".
بعدما ينتهي يوم العمل، تعود نيرمين إلى غرفتها لتواصل مسؤوليتها الأخرى: "أنا في الصف الثالث الثانوي أزهري حاليا، وامتحاناتي ستبدأ في 31 مايو، ولذلك عندما أعود إلى غرفتي أستذكر الدروس عن طريق الإنترنت".
تحلم نيرمين لدخول كلية الشرطة أملا في تحقيق العدل وإبعاد الظلم، ولكنها تعود في حلمها لعلمها بضرورة توفر من يساعدها في الالتحاق بحلمها، وتضيف: "لا أعلم ماذا سيكون مستقبلي في الجامعي، ولكنني آمل أن يكرمني الله".
لا تخاف نيرمين، من العدوى فهي تضع ثقتها بالله، بالإضافة إلى اتخاذها الاحتياطات الوقائية، والتي تحرص المستشفى على توفيره لحماية الجميع، نظرا لأن العامل هو حلقة الوصل بين كل من يوجد بالمبنى.
تقول: "كل قسم له ملابسه، فأنا أستبدل الواقيات أكثر من 5 مرات في اليوم على حسب الحالات، نظرا لوجودي في قسم الطوارئ باستمرار. أبدأ بارتداء القفازات والكمامات وواقيات الرأس والقدمين، وعند الدخول لغرفة العناية المركزة أو الطوارئ أستبدل كل الملابس بأخرى، وبعد التعامل مع مخلفات المريض نستبدل الملابس مرة أخرى، مع تعقيم اليدين والوجه بالماء والصابون والكحول كل مرة".
وعلى الرغم من صغر سنها فإن تلك المرحلة في حياة نيرمين، ستسجل في تاريخ حياتها الحافل بالمثابرة والاجتهاد، وتحمل المسؤولية. تقول: "أحمد الله أنه كتب لي الوجود في ذلك المكان لتقديم المساعدة، ونيل دعوات المرضى".
حين تدق الساعة 12 مساء، تعود نيرمين لسكنها ليتسلم عنها أحمد عبدالدايم، ابن قرية الدير، ليبدأ الشيفت المسائي، بالمستشفى حيث بدأ عمله هناك في أكتوبر الماضي، ولكنه قرر الاستمرار بعد تحويل المستشفى إلى مركز عزل المرضى المصابين بفيروس كورونا.
وعلى الرغم من عمل أحمد الليلي متوليا مسؤولية نظافة وتعقيم قسم الاستقبال، فإنه يظل موجودا في فترة النهار، وبابتسامته البشوشة، يقف الشاب الثلاثيني في استقبال المرضى من بوابة المستشفى، ليلازمهم طوال رحلتهم بعد توصليهم لغرف الاستقبال لإجراء الأشعة وتحاليل الدم.
45 يوما، هي فترة عمل عبدالدايم بالعزل، بعد خروجه لمرة واحدة سابقا وعودته لمنزله ليرى طفله البالغ من العمر عاما واحدا وزوجته التي تنتظره، ليطمئنها. فهو يعود لخدمة "أهله وإخوته"، كما يقول.
يتخذ أحمد احتياطاته للوقاية، مثل زميلته نيرمين، فهو يرتدي لكل قسم ملابسه ويتخلص منها، ثم يغير كل هذا لدى التعامل مع أي حالة.
يسعد عبدالدايم الحاصل على الثانوية الصناعية، حين يطمئن المرضى، ويعمل على دعمهم النفسي. يقول: "نحن أكثر من يتعامل مع الحالة ومخلفاتها ونستقبل جميع الحالات، بدون إشعارهم بأية رهبة في التعامل معهم ومحاولة تقليل توترهم".
يواصل عبدالدايم عمله لقرب الظهيرة في تمام الـ 12 ظهرا، ولكنه يظل موجودا طوال اليوم لمساعدة من يريد من المرضى.
اعتاد أحمد على استبدال أدوات التعقيم، حتى لا يكون ناقلا للعدوى: "بين كل مرحلة والأخرى يجب تعقيم وتطهير الأيدي وتغيير الملابس 5 أو 7 مرات يوميا".
لا يختلف رمضان عن الأيام العادية، فالتجمعات للإفطار أصبحت ممنوعة وكذلك السحور.
يحرص أحمد حين العودة لمنزله على حماية أسرته الصغيرة. يقول: "أعزل نفسي 4 أيام بعد إجراء التحليل قبل الخروج من المستشفى، زيادة في الاطمئنان".