أيام قليلة وينتهي عام 2024، ومثل كل عام تقوم جهات بحثية وإعلامية بمراجعة حصاد العام وتقييم استراتيجي لما شهده من أحداث وتطورات.
هذا العام الأكثر جدارة بتلك المراجعة أكثر من أي عام مضى. بل قد لا أبالغ إذا قلت إن العام الذي يلملم أيامه ليرحل، يبدو هو الأطول من بين الأعوام الأخرى. بل يمكن فعلاً اعتبار عام 2024 بدأ قبل موعده الرسمي، حيث تم تدشين ذلك العام من حيث "الأحداث والتحولات" الكبيرة، قبل انتهاء العام الماضي (2024) بثلاثة شهور تقريباً، وتحديداً في السابع من أكتوبر.
فالهجوم الذي شنته في ذلك اليوم عناصر تابعة لحركة حماس على أهداف إسرائيلية، أشعل في المنطقة نيراناً لم تنطفئ حتى الآن. ولا يزال لهيبها مشتعلاً بغير رحمة. وبنفس المنطق، ستكون لأحداث العام الحالي تداعيات وأصداء ستظل تتردد في العام الجديد، وربما لما هو أبعد.
فقد كان الوضع في القضية الفلسطينية ثابتاً لا يتحرك؛ لا تقدم يُذكر في المفاوضات ولا أفق واضحاً نحو حل سياسي أو تسوية سلمية عادلة تستعيد حقوق الفلسطينيين وتضمن السلام والأمن للمنطقة ككل. وفي الوقت ذاته، لا إمكانية بالمرة لإنهاء الاحتلال بالقوة أو بأي شكل من أشكال العنف. وجاء الحدث الجلل الذي وقع في 7 أكتوبر، كسر هذه الحلقة من الجمود والثبات. وكما استمرت تداعياته طوال عام 2024، متوقع أيضاً أن تمتد تأثيراته وبصماته لتغطي عام 2025، أو جزءاً منه على الأقل.
وبخلاف الدمار الذي أصاب قطاع غزة وكثيراً من مناطق لبنان، تمتد آثار وتداعيات هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول إلى النطاق الإقليمي ككل. وكانت البداية قبل أسابيع فقط من انتهاء العام، بانقلاب الأوضاع في سوريا جذرياً. حيث تم إسقاط نظام بشار الأسد وتولي هيئة تحرير الشام السلطة هناك، ثم توغل إسرائيل في أراضٍ سوريَّة وراء الجولان والمنطقة العازلة.
لكن التطور الأهم والأعم في عام 2024، هو سقوط منظومة أو حزمة "الفاعلين من غير الدول"، حيث انهار ذلك النمط من الفاعلين وأثبت بجدارة ضعف قدرته على الصمود والبقاء في نظام إقليمي ملتهب ومتوتر باستمرار. ربما لا يعني ذلك انتهاء تلك التنظيمات والكيانات التي شكلت هذا النمط وبلورته في الشرق الأوسط. لكن أثبتت التطورات الجوهرية التي شهدها العام الحالي أن تلك الكيانات ربما اكتسبت قوة ظاهرية ومكانة لا تملك مقوماتها الحقيقية. وأن أي تنظيم أو جماعة أو كيان من هذه الكيانات، لا يضارع الدولة ولا يمكن مقارنته معها.
وارتباطاً بهذا التطور المفصلي، شهد أيضاً عام 2024 عملية إضعاف مُركبة لإيران. شملت "كسر أذرعها" الإقليمية "وتقليم أظافرها" العسكرية في لبنان وسوريا واليمن وفلسطين. وتضمنت أيضاً ضربات مباشرة تلقتها طهران وتكبدت بسببها خسائر عسكرية ومعنوية مهمة. أي أن إيران خضعت لاستنزاف استراتيجي متعدد المستويات، لينتهي عام 2024 وهي تعاني إنهاكاً اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً.
في 2024 أيضاً، وقعت مفاجأة لم يكن يتوقعها كثيرون في العالم، وهي فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، وبالتالي عودته إلى البيت الأبيض الذي سيدخله مجدداً في العشرين من يناير/كانون الثاني المقبل. وقد أحدث فوز ترامب بالرئاسة صدمة في مختلف أنحاء العالم، سواءً بالنسبة لمن كانوا يخشونه ويتحسسون من سياساته وقراراته المفاجئة وشعبويته الفجة، أو أولئك المؤيدين له الذين يعتبرونه شخصاً حازماً وعملياً وقابلا للتفاهم بطبيعته كرجل أعمال يحترف إبرام الصفقات.
وكان واضحاً خلال الشهرين الأخيرين (نوفمبر وديسمبر) من عام 2024، مدى الارتباك والترقب الذي انعكس في سلوكيات ومواقف كثير من دول العالم، تحسباً وانتظاراً لما سيقوم به ترامب في ولايته الثانية. وفي ظل الرسائل المتعددة التي بعثها ترامب في اتجاهات متعددة، ليس من الواضح ما هو نصيب الشرق الأوسط من توجهات وقرارات ترامب بعد عودته إلى البيت الأبيض.
في المجمل، تعرضت منطقة الشرق الأوسط في عام 2024 إلى زلازل عنيفة وتطورات جذرية لم تترك كبيرة ولا صغيرة. ورغم أن العام ينتهي زمنياً، لكنه مستمر موضوعياً، فلا تزال المنطقة تنقلب رأساً على عقب وغير معلوم حتى الآن متى أو كيف ستتم هيكلتها وإعادة بنائها مجدداً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة