ما إن أعلن رسمياً عن سقوط نظام بشار الأسد وفراره إلى روسيا، وسيطرة {إدارة العمليات العسكرية} بقيادة أحمد الشرع {الجولاني} على العاصمة دمشق، حتى عاد الحديث وبقوة عن القرار الأممي الصادر عن مجلس الأمن الدولي حول سوريا والمعروف بـ2254 ..
وهو قرار صدر في عام 2015، و في هذا المقال نحاول شرح أبعاده وكيفية تطبيقه والتعامل معه الآن من خلال النقاط التالية:
أولاً: لقد مثل القرار آنف الذكر آنذاك خارطة طريق دولية، ورؤية شبه مشتركة بين الدول لمستقبل سوريا المثقلة وقتها بمعارك عسكرية بين المعارضة السورية المسلحة وحكومة الرئيس السوري السابق بشار الأسد، على ضوء تدخل روسي بطلب من إيران، التي كانت بدورها قد أرسلت وأدخلت مليشيات متطرفة عراقية ولبنانية وأفغانية وباكستانية عاثت فساداً كبيراً ودمرت البلاد، إضافة لمجموعات قاعدية وداعشية وإخوانية متشددة وموضوعة على قوائم الإرهاب الدولي.
ثانياً : القرار 2254 كما يقول الكثيرون ومنهم المبعوث الأممي الخاص لسوريا قبل ساعات صدر بوجود نظام الأسد، وقد عرقل الأخير تطبيقه، وقد فقدت بنود كثيرة في القرار مفعولها بعد سقوط النظام، ولم يعد ثمة دور لما يسمى المجتمع الدولي في نقل السلطة، لأن النظام انهار، وأمسكت بالسلطة «قوة ثورية مسلحة» بحسب التوصيف الأممي الآني.
ثالثاً : في ضوء هذه الحقيقة الساطعة سطوع الشمس يأتي بيان اجتماع مدينة العقبة الختامي قبل أيام، ليكرس القرار الدولي ويجعل منه مفتاحاً رئيسياً للمرحلة الانتقالية في سوريا ما بعد سقوط بشار الأسد، وهذا شكل حالة من الانقسام بين حكام دمشق الجدد والائتلاف الوطني المعارض على سبيل المثال، وأدى إلى طلب رسمي من {الجولاني} أحمد الشرع للمبعوث بيدرسون خلال اجتماعهما قبل أيام بضرورة تعديل بنود القرار الدولي، وفقاً لمعطيات المستجد العسكري والسياسي الكبير الذي حصل في سوريا يوم الـ 8 من ديسمبر الجاري.
رابعاً : السؤال هنا : ماذا تبقى من قرار مجلس الأمن؟ ، والجواب لدى بعض المراقبين يأتي سريعاً ليقول: ما تبقى هو حاجة القوة التي تمسك بزمام الأمور في دمشق حالياً إلى لقاء الشرعية الثورية مع شرعية قانونية تنظِّم عملها في بداية الطريق.
خامساً : من الناحية الفنية بات من الضروري وجود قواعد ما تنظم المرحلة الانتقالية، فلا تنظَّم هذه المرحلة بمراسيم من دون مرجعية، وبحيث تشمل هذه المرجعية الهدف المراد الوصول إليه.
سادساً : يجري ذلك من خلال الإرادة الطوعية للقوة المسلحة الحاكمة من دون تدخل خارجي، لأن ثمة هدفا تريد تحقيقه ( أهداف ثورة سوريا التي انطلقت في مارس عام 2011 ) ، وهي أساس الشرعية الثورية، كما أن لديها ظرف إقليمي ودولي تريد تجاوزه ( عقوبات وغيرها ).
سابعاً : يمكن أن تشمل الحكومة الانتقالية أطرافاً سياسية متعددة، كما يمكن أن تشكل حكومة تكنوقراط لضمان الاستجابة لحاجات المجتمع والدولة وسرعة التنفيذ، ولكن لا يضع الدستور تكنوقراط من القانونيين ولا يطرح للاستفتاء قبل أن تناقشه وتتوافق عليه القوى الاجتماعية والسياسية المؤيدة لعملية الانتقال
ثامناً : من حيث الإجراءات والمضمون، يمكن أن يعمل قانونيون على صياغة التعديلات والاقتراحات، أما مصدر هذه التعديلات والاقتراحات ومكان إقرارها فهو الحوار السياسي والمجتمعي على بنوده، ويكون إقرار المسودة في جمعية وطنية تـأسيسية يشارك فيها الجميع.
تاسعاً : وكي تصل سوريا الانتقالية بشكلها الجديد، استفتاء الشعب على الدستور بأكمله بنعم أو لا، يجب أن يأتي فقط بعد مناقشة بنود الدستور بنداً بنداً، وأن يصوت عليها ( بالإجماع أو بأكثرية غير عادية ) أعضاء جمعية تأسيسية، وأن يتم تسجيل الاعتراضات والتحفظات كاملةً دون نقصان.
أخيراً وهذا مهم للغاية : إذا كانت ثمة حاجة ملحة لإنهاء الفراغ الدستوري الآن في سوريا، يمكن العودة إلى دستور عام 1952 مؤقتاً، إلى حين صدور دستور جديد، وفي ظل وحدة الأرض والشعب والقوات المسلحة وسيادة القانون ستتنوع المشارب والآراء والتيارات، ويحترم هذا التنوع مثلما تحترم حقوق المواطن وحرياته، وتعبر سوريا هذه المرحلة الحساسة نحو بر الأمان بمساعدة أشقائها العرب والجادين في الإقليم والمجتمع الدولي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة