التحول في السياسة الأمريكية من المؤكد أن له أسبابه وتداعياته وهو يحدث في إطار تحول تاريخي يشهده العالم.
من المؤكد أن السياسات الأمريكية خلال فترة الرئيس ترامب أسهمت بشكل كبير في ظهور التساؤلات المهمة والأساسية حول تلك السياسات التي تنتهجها أمريكا، ما أسهم في تحولات مهمة أيضا في المنطقة، وذلك على مستوى التحالفات وإعادة القراءة للمستقبل السياسي للمنطقة.
الكل كان ولا يزال يراهن على حجم المصالح الأمريكية في المنطقة، وأنها ذات ثبات تاريخي على الأقل على المستوى الاستراتيجي، ولكن الظواهر السياسية الأمريكية الحالية في العالم كله لا تتجه بهذا الاتجاه، بل إن العالم أصبح غير قادر على تحديد ما هي الاتجاهات المحتملة للسياسات الأمريكية تجاه قضايا المنطقة والعالم.
صراعات المنطقة ومضاعفاتها سوف تكبر مع كل ارتباك في سياسات أمريكا ومع كل صدمة يمكنها أن تنشأ نتيجة هذه السياسات، والعواقب الفعلية لسياسات أمريكا في المنطقة سوف تكون غير مألوفة بالنسبة للجميع، فالأخطاء السياسية في هذه المنطقة تشبه دخول المرض إلى الجسم فتصيبه كله بالتعب والوهن.
المراهنة على أن السياسات الأمريكية في المنطقة تتعرض للتغير لا تزال مبكرة، فنحن بحاجة إلى الانتظار حتى يتمكن الحزب الديمقراطي من الوصول إلى البيت الأبيض من جديد، ولكن هذا لن يغير شيئا من حجم الصدمة التي تعاني منها منطقة الشرق الأوسط كنتيجة للسياسات الأمريكية، حتى وسائل الإعلام الأمريكية ذات العمق في قراءة اتجاهات السياسة الأمريكية بدأت تتخذ مسارات أكثر حدة في الهجوم أو الدفاع عن مواقفها، وقد شهدت الصحافة الأمريكية مواقف حرجة من هجوم الرئيس ترامب عليها حتى وصفها بأنها صحافة الأخبار غير الصحيحة.
هذا التحول في السياسة الأمريكية من المؤكد أن له أسبابه وتداعياته وهو يحدث في إطار تحول تاريخي يشهده العالم كله وليس منطقة الشرق الأوسط لوحدها، وبحكم طبيعة منطقة الشرق الأوسط وحساسيتها تجاه القرارات الاستراتيجية الدولية، بالإضافة إلى أن الميزان السياسي في المنطقة يعاني من الدقة الشديدة في تقدير الأحمال التي توضع إليه ويتأثر بها، فإن أي اتجاه دولي جديد تكون آثاره أولا في منطقة الشرق الأوسط.
عدة نتائج يمكن الحديث عنها وترتبط بشكل كبير بحجم الصدمة التي تعاني منها منطقة الشرق الأوسط من سياسات أمريكية لم تعتد المنطقة على الخوض فيها منذ الحرب العالمية الثانية، حيث رسمت أمريكا للمنطقة مسارا يحمل بين طياته مصالحها وسياساتها الاستراتيجية.
ولعل السؤال المهم يقول كيف يمكن للمنطقة ودولها التعاطي مع تلك التحولات في الخطاب السياسي الأمريكي؟ في الواقع يجب أن نتفهم حقيقة رئيس آت من قطاع تجاري ليحكم أكبر دولة في العالم، وهذا يجب أن يعني الكثير لنا عند قراءة السياسة الأمريكية.
أعود إلى النتائج التي يجب أن نتفهمها من هذا الواقع للسياسات الأمريكية، أولا: السياسات الأمريكية أصبحت وبشكل دقيق صفقات ينظر إليها بحجم الربح والخسارة، وهذا ما يفسر تلك التناقضات أو التراجعات أو المراجعات الهائلة في المواقف التي يتخذها البيت الأبيض.
ثانيا: إعادة النظر في تقييم الموقف الأمريكي تجاه المنطقة أمر مهم، وليس هناك أي جوانب سلبية من تفهم جاد للسياسة الأمريكية من خلال عقلية رئيسها وسيكون من الطبيعي التعامل مع الواقع السياسي الأمريكي أيضا وفق الربح والخسارة السياسية على الأقل في هذه المرحلة.
ثالثا: القوة الدولية ليست عملية تجارية –ربح وخساره- أو توفير حماية فقط، القوة الدولية لأمريكا كما عهدناها تمثلت في المحافظة على المصالح الاستراتيجية.
وإذا ما تحولت الاستراتيجية الأمريكية وفق هذا المفهوم، فإنه يمكن التبشير أن قوى دولية جديدة سوف توجد في الشرق الأوسط لتكون البديل الاستراتيجي في منطقة لا يمكنها العيش دون وجود قوى دولية في محيطها الجغرافي والسياسي والاقتصادي.
رابعا: إن مجرد اعتماد السياسات الأمريكية على إرباك المنطقة وتعريضها للصدمات المتواترة، سوف يغير من معدلات الثقة بل سوف يسهم في جلب منتفعين إلى المنطقة بشكل أكبر، وخاصة أنه نظريا وعمليا لا يمكن التصديق بأي شكل سياسي أن أمريكا قادرة على مغادرة المنطقة بمجرد أن تقرر ذلك، فالمنطقة يمكنها أن تكلف أمريكا كثيرا من المال سوف تدفعه أمريكا بلا ثمن في حال شعرت بتغير ولو طفيف في مستوى الثقة والتوازنات الاستراتيجية؛ لذلك يمكن وببساطة استبعاد احتمالية التخلي الأمريكي عن المنطقة وفقا للمعطيات الدولية.
خامسا: صراعات المنطقة ومضاعفاتها سوف تكبر مع كل ارتباك في سياسات أمريكا ومع كل صدمة يمكنها أن تنشأ نتيجة هذه السياسات، والعواقب الفعلية لسياسات أمريكا في المنطقة سوف تكون غير مألوفة بالنسبة للجميع، فالأخطاء السياسية في هذه المنطقة تشبه دخول المرض إلى الجسم فتصيبه كله بالتعب والوهن.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة