الجيش الليبي يهدف إلى إعادة ليبيا إلى أهلها، بينما المليشيات تهدف لبيعها إلى أنقرة
بالرغم من انعقاد القمّة الدولية حول ليبيا في برلين قبل يومين وبحضور دولي كثيف لكلّ من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين مع إيطاليا والإمارات العربية المتحدة ومصر والجزائر والكونغو وتركيا، فإن مخرجات هذه القمّة، تبدو غامضة حتى الساعة، خصوصا أن بيانها الختامي يحمل كثيرا من التأوّيل.
فالمشاركون أجمعوا في نهاية القمّة التي استمرت نحو 4 ساعات في العاصمة الألمانية على أن "لا حلول عسكريّة في ليبيا"، الأمر الّذي يخالف الوقائع، فبالتزامن مع مشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الّذي وافق على هذا البند العريض في البيان الختامي، كانت المليشيات الإرهابية التي يدعمها أردوغان ويقودها حليفه فايز السرّاج رئيس حكومة "الوفاق الوطني" الليبية المنتهية صلاحيتها، تشنُّ هجوماً شرساً على مواقع الجيش الوطني الليبي الّذي يقوده المشير خليفة حفتر في مناطق عدّة من البلاد، وذلك رغم الهدنة الهشّة بين الطرفين.
ويُضاف لهذا الخرق التركي الواضح للبند الرئيسي في البيان الختامي للقمّة، قضيّة حظر إرسال الأسلحة إلى ليبيا الذي فرضته الأمم المتحدة في عام 2011، وحين كان قادة العالم يتجاهلون أردوغان خلال التقاط صورةٍ تذكاريّة، كان مرتزقة الأخير من السوريين في طريقهم إلى ليبيا، وهو أمر مثبّت بالصوت والصورة وكلنا رأيناهم في الطائرة عبر مقطعٍ مصوّر تداولته كبرى وكالات الأنباء الدولية والعربية.
الجيش يهدف إلى إعادة ليبيا إلى أهلها، بينما المليشيات تهدف لبيعها إلى أنقرة، وهذا يعني أن الطرفين لا يمكن لهما أن يلتقيا أبداً في حلول سياسيّة سلمّية
لذلك لا يمكن لأردوغان أن يلعب دور الوسيط في إنهاء الوضع العسكري المتدهور في ليبيا رغم مشاركته في قمّة برلين، فالمليشيات التي يدعمها عسكرياً ولوجستياً هناك، شنّت هجمات على مواقع الجيش الليبي منذ اللحظات الأولى من إعلان البيان الختامي للقمّة، كما أن تلك الهجمات تزامنت مع جلب أنقرة دفعة جديدة من مرتزقة سوريين إلى ليبيا للانضمام لصفوف تلك المليشيات، وهذا يعني أن أنقرة لا تزال تحاول تغيير موازين القوى على الأراضي الليبية لصالح حليفها السرّاج بالقوّة.
وبالتالي إصرار المجتمعين في البيان الختامي عبر بندين أساسيين على عدم جدوى الحلول العسكرية في ليبيا مع التأكيد على عدم إرسال الأسلحة إليها، هو ضربٌ من الخيال، فهذين الأمرين يحصلان باستمرار، وتزامنا مع انعقاد القمّة الدولية حول ليبيا في برلين، فأردوغان استغل الهدنة الهشّة بين الجيش الليبي ومليشيات السرّاج ومدّ الأخير بمرتزقة وأسلحة متطورة، وهذا دليل آخر على أن المليشيات لن تلتزم أبداً بتنفيذ هذين البندين وستواصل خرق الهدنة الحالية.
وعلى نحو هذا، يمكننا القول إن قمّة برلين قد فشلت، فالأسلحة تتدفق إلى ليبيا من أنقرة وكذلك المرتزقة السوريين، والمبعوث الأممي إلى ليبيا أكد وجود ما يتراوح بين ألف وألفي مرتزق سوري على الأراضي الليبية، الأمر الّذي يعني أن المليشيات لن تقبل أبداً بالاستسلام للجيش الليبي، وهي تستعد لهجومٍ أوسع.
وإلى جانب هذا كله، تفيد التجارب بوضوح بأنه لا يمكن أبداً التعايش مع المليشيات الإرهابية المدعومة من أنقرة حيناً وطهران حيناً آخر، وما يحصل منذ سنوات في سوريا والعراق واليمن من كبرى الدلائل الحيّة أمامنا، وكما أن الحلّ في هذه البلدان الثلاثة يكمن بالقضاء النهائي على هذه المليشيات وحلّها ومحاسبة قادتها ومقاتليها على جرائم الحرب، الحلّ ذاته يجب أن يتكرر في ليبيا.
لذا، لن تكون هناك حلول جدية في ليبيا بعد قمّة برلين ما دام أن أنقرة تمدّ السراج ومليشياته بالأسلحة والمرتزقة، والحلّ الوحيد يكمن في المواجهة العسكرية المباشرة بين الجيش الليبي وهذه المليشيات حتى القضاء عليها نهائياً. لذلك على الجيش أن يعاود الهجوم على مواقعها وأن يتراجع عن التزامه بالهدنة الهشة معها، لا سيما أن الميليشيات تستمر في خرقها، فالجيش يهدف إلى إعادة ليبيا إلى أهلها، بينما المليشيات تهدف لبيعها إلى أنقرة، وهذا يعني أن الطرفين لا يمكن لهما أن يلتقيا أبداً في حلولٍ سياسيّة سلمية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة