تمديد وتحشيد واعتذار.. الثلاثية الملغومة في ليبيا
تمديد البرلمان التركي لبقاء قواته في ليبيا، وارتفاع وتيرة التحشيد للمليشيات الموالية لأنقرة، وأخيرا اعتذار المبعوث الأممي الجديد نيكولاي ملادينوف.. 3 وقائع منفصلة لكنها تتقاطع عند خط تماس الأزمة الليبية، وتفاقم الضبابية حول مسارات الحل.
خلاصة ساقها خبراء يرون، في أحاديث متفرقة لـ"العين الإخبارية"، أنها تأتي كنتيجة بديهية للتطورات الحاصلة، خصوصا في ظل تعثر بعض المسارات السياسية والاقتصادية.
وحذروا من أن الأتراك يرغبون في ترسيخ احتلالهم لليبيا، ومحاولة الوصول إلى منابع النفط والغاز بالهلال النفطي.
قرار متوقع
حسين مفتاح، المحلل السياسي الليبي، اعتبر أن موافقة البرلمان التركي على تمديد مهمة قوات بلاده في ليبيا 18 شهرًا إضافيًا، تبدأ في 2 يناير/كانون الثاني 2021 (موعد نهاية فترة تواجدهم الحالية)، لم يكن مستغربًا، خاصة في ظل سيطرة حزب العدالة والتنمية التابع للرئيس رجب طيب أردوغان، والذي يسيطر 290 من أعضائه على المؤسسة التشريعية.
وأشار مفتاح إلى أن المثير في الأمر يكمن في المدة التي حددتها الرئاسة التركية بـ18 شهرًا، وهي نفس المدة المحددة للحكومة الانتقالية التي ستقود ليبيا حتى إجراء انتخابات، ما يعني أن أنقرة مصرة على التواجد في ليبيا، ومحاولة السيطرة والاستفادة من أي حكومة متواجدة في طرابلس، سواء "الوفاق" المتورطة معها في اتفاقيات، أو أي حكومة قادمة.
وأكد أن قرار البرلمان التركي لا يمكن فصله عن التحركات الميدانية للمليشيات المسلحة في العاصمة الليبية طرابلس، لافتا إلى أن تركيا تغير أوراقها في ليبيا وفقا للمعطيات، فمع أنها كانت تتمسك بوزير داخلية الوفاق فتحي باشاغا وحاولت تسويقه كرئيس للحكومة المقبلة، إلا أنه مع تعثر المسار السياسي الذي تقوده البعثة الأممية، اتجهت لمحاولة الإبقاء على فايز السراج.
وحذر مفتاح من اندلاع حرب في أي لحظة بين مليشيات طرابلس ومصراتة، بعد قرار السراج إعادة تشكيل مليشيا الردع التي يترأسها متطرف يدعى عبدالرؤوف كارة، وفصله عن وزارة الداخلية، ووضعه في منافسة مع باشاغا.
وأشار إلى ضغوطات تعرض إليها المبعوث الأممي إلى ليبيا نيكولاي ملادينوف، ما جعله يعتذر، بشكل مفاجئ ولأسباب غير مقنعة، عن استلام مهامه في ليبيا، بعد التشاور معه ولمدة 6 أشهر.
احتمالات
عز الدين عقيل، المحلل السياسي الليبي، كشف، من جهته، عن الأسباب الكامنة وراء الأحداث المتلاحقة حول ليبيا، خلال الـ48 ساعة الأخيرة، مشيرًا إلى أن إغراءات غاز شرق المتوسط تحرك تركيا وتجعلها متمسكة بالتواجد في ليبيا لأطول فترة ممكنة، عبر الاستعانة بالمليشيات المسلحة وغيرها.
وأوضح عقيل، أن بقاء تركيا في ليبيا شأن استراتيحي بالنسبة للأتراك الذين يهمهم الحفاظ على اتفاقياتهم البحرية مع السراج، ببقاء هذا الأخير صامدا بأي ثمن.
وأشار إلى أن تركيا استعدت لاحتمالين، أولهما بقاء السراج رئيسًا للمجلس الرئاسي، وترشيح رئيس حكومة من الشرق، وهو ما يفضله الأول، لتطوير القدرات الأمنية للميليشيات التي تحميه.
وتابع أن الاحتمال الثاني الذي استعدت له تركيا يكمن في تغيير كل الوجوه الحالية في طرابلس بقدوم حكومة جديدة، معتبرا أن أردوغان سيساوم حينها على سحب القوات، مقابل أن يضمن عدم تراجع الحكومة عن الاتفاقيات الموقعة مع حليفه السراج.
وأكد أنه إذا ظن أردوغان أن الحكومة الجديدة لن تلبي مصالحه وستشكل تهديدًا، فسيطور قواته وعلاقاته الداخلية مع الميليشيات المسلحة، لتنفيذ انقلاب بواسطة القوة العسكرية التابعة له في ليبيا، ما سيعيد البلاد إلى أوضاع عنيفة.
وحول اعتذار ملادينوف، قال عز الدين عقيل، إنه "تراجع بسبب ضغوط أنجلوساكسوني، مورست عليه خلف الكواليس، بمعنى أن الأمريكيين والبريطانيين أجازوه في العلن وضغطوا عليه في الكواليس للاعتذار، في محاولة منهم لإتمام المبعوثة الحالية لمهمتها في ليبيا.
اتفاقية استعمارية
أما المحلل السياسي الليبي، حسين المسلاتي، فرأى أن التحشيدات التي تقوم بها المليشيات المسلحة تأتي بأوامر من غرفة عمليات مركزية تديرها تركيا، مشيرًا إلى أن محاولة التفرقة بين سلوك المليشيات والسياسة التركية الاستعمارية في ليبيا، بعيدة عن الواقع.
رسميا.. أردوغان يسلم البرلمان مذكرة إرسال قواته إلى ليبيا
وأوضح المسلاتي أن "القارئ للاتفاقية التركية التي وافق عليها البرلمان التركي ومددها مساء الثلاثاء، يرى أنا استعمارية، فمن يعطي الأوامر بعدد القوات وتحركاتها هو الرئيس أردوغان الذي يحرك المليشيات التابعة له، ضاربا بعرض الحائط كل الاتفاقيات الدولية وقرارات برلين ولجنة 5 + 5 (العسكرية)".
وتابع أن أي طريق نحو الحل يبزغ في ليبيا تأتي بعده الأوامر من تركيا للمليشيات بزعزعة الاستقرار عبر تحركات مشبوهة، لإفقاد الشعب الليبي الثقة في المسارات الحالية، وإعادة الأوضاع في ليبيا إلى المربع الأول وهو حالة الاحتراب.
ليبيا 2020.. خسائر الإخوان ومرتزقة أردوغان
وأشار إلى أن الوضع المتعثر في ليبيا والتدخلات الخارجية القطرية والتركية، وانقسام المجتمع الدولي، ألقت بظلالها على المبعوث الأممي الجديد الذي رفض أن يدخل في مهمة يفشل فيها قبل أن يبدأ.
خيوط متزامنة
محمد عامر العباني، عضو مجلس النواب الليبي، اعتبر أن الخيوط المذكورة ليست متشابكة، وإن كانت متزامنة، لأن غايات هذه الجهات مختلفة.
وأوضح العباني أن المليشيات لا ترغب في حلها ونزع سلاحها، بل في استمرار الأمر الواقع والحصول على مزيد من المكاسب.
وأشار إلى أن الأتراك يرغبون في ترسيخ احتلالهم لليبيا ومحاولة الوصول إلى منابع النفط والغاز بالهلال النفطي، كما أن تركيا تعمل - كما سبق وأن أعلن رئيسها - على إعادة إرث أجدادهم.
ووفق النائب، فإن تركيا تحاول إعادة ضم ليبيا إليها، وإعادتها لرايتها وإدارتها من أنقرة، بمعنى أنهم لا يفكرون بالخروج من ليبيا بعد أن دخلوها، وأقاموا القواعد الجوية والبحرية فيها.
وحول اعتذار ملادينوف، قال إن "ملادينوف يبدو العاقل الوحيد الذي تمكن سريعا من فهم طبيعة ما يجري في ليبيا من صراع، ونأى بنفسه حتى لا يحسب عليه فشل وإخفاق البعثة الأممية في الدعم".
aXA6IDE4LjE5MS4xMDcuMTgxIA== جزيرة ام اند امز