محمد الفيومي.. أزهري كفيف أضاء طريقه بالابتهال
شيخ أزهري مصري، ولد كفيفا فاقدا للبصر، لكنه حفر اسمه بحروف من نور في عالم الابتهال والإنشاد الديني.. ما قصته؟
"أمدح المكمل أحمد الرسول.. النبي المفضل صاحب القبول.. الغمام ظلل دونه يحول.. من به تمثل نال كل سول.. صاح سر كجدا نحوه وزور".. بهذه الكلمات اشتهر الشيخ محمد الفيومي، عالم الإنشاد الديني والتواشيح والابتهالات الدينية في القرن العشرين لدى الجمهور المصري والعربي.
في فترة قليلة استطاع أن يترك بصمته وسط المبتهلين والمنشدين الدينيين، نظرًا لصوته المليء بالشجن وقوة إحساسه في قول الابتهالات، وعلمه الغزير في فن الابتهالات والأناشيد الدينية.
كان الشيخ محمد الفيومي من أكثر المنشدين حبًا لإلقاء الابتهالات والتواشيح الدينية، ما خلد صوته وابتهالاته المليئة بصدق الإحساس والكلمات والمعاني التي تدل على حبه لوطنه مصر، والدعوة للمحبة والتسامح بين جميع البشر، وقيم الخير ومساعدة الآخرين.
دراسة واسعة في فن الابتهال
ربما كانت ظروف نشأته وطبيعة حياته هي التي خلقت منه عالما جليلا في الإنشاد والابتهال، فضلًا عن دراسته الواسعة في الأزهر الشريف.
على الرغم من أنه ولد كفيفا فاقد البصر تمامًا، لم يمنعه ذلك من الالتحاق بالأزهر الشريف في العاشرة من عمره، خاصة أن والده كان عالما أزهريا ومتخصصا في تصحيح اللغة العربية، فكان بمثابة الداعم والسند الأساسي للفيومي، الذي نبغ في تجويد القرآن وتلاوته، وفهم أصول إلقاء الإنشاد الديني والابتهالات.
ولد الفيومي في حي الجمالية التابع لحي الحسين بالقاهرة، في ٢٥ مارس/آذار ١٩٠٥، وتتلمذ على يد الشيخ حسن الجرسي لفهم أصول القرآن، ليدخل بعدها بسنوات إلى عالم الغناء والطرب واحتراف الألحان والموسيقى. وبعد تردده فترات طويلة على حفلات وأمسيات الغناء والطرب وتقديم الأناشيد الدينية، لمح فيه العازف والملحن دَاوُدَ حسني، وهو يهودي مصري، بذرة الصوت الطروب والأداء العذب، مقدمًا له نصيحة بضرورة التوجه إلى اتجاه الإنشاد الديني.
ومن هنا كانت بداية بزوغ نجم منشد ومبتهل ديني جديد، فهم الابتهال وتعلمه عبر أسطوانات الشيخ علي محمود، صاحب أول مدرسة إنشاد وابتهال بمصر، ليصبح فيما بعد خليفته وإماما لمسجد الحسين خلفًا له بعد وفاته عام ١٩٤٦.
السر في الموسيقى
كان عام ١٩٥٤ بداية الفيومي لاحتراف الابتهال والإنشاد بالإذاعة المصرية، ليحتل في فترة الخمسينيات مكانة كبيرة وسط المبتهلين، ليقدم أول عمل سينمائي مع شكري سرحان وسعاد حسني في فيلم " السفيرة عزيزة" مقدمًا ابتهالات ضمن السياق الدرامي للفيلم، ليشارك بعد عامين في فيلمه الثاني "رصيف نمرة ٥" بتقديم أغان وأناشيد دينية. ولكن طموحه الجم وعشقه الأولي للموسيقى وفنون الإنشاد والتواشيح والابتهالات، جعله يتطلع دائمًا إلى الأكثر، لتأتي له الفرصة عبر مؤسس الموسيقى العربية الموسيقار الكبير عبدالحليم نويرة، الذي عهد له بالإشراف على تحفيظ أجيال جديدة بالموسيقى العربية عام ١٩٧٢.
عرف عن الشيخ الفيومي علاقاته القوية بأسرته وأصدقائه، وحبه لاستقبال الجميع في منزله، فتذكر بعض المصادر التاريخية عن شخص الفيومي أنه كان خلوقا كريما ومحل احترام واعجاب بين جمهوره وعشاقه وشركائه في الفن من المبدعين والفنانين والمخرجين والشعراء والملحنين، حتى كان منزله مليئا بالأحباب طوال الوقت.
ونجح الفيومي على المستوى الشخصي والمهني في نيل مكانة كبرى بين كبار المنشدين والمبتهلين منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا.
ومن أشهر ابتهالاته: أمدح المكمل، نبي الهدي، نسب شريف، هتف الطير، أصاحب آمالي، كل ما في رحاب الكون، يا سيد الخلق، يا أرشد داع.
وعلى الرغم من رحيله من نحو ٢٩ عاما، لا تزال ابتهالاته عالقة في أذهان الجمهور، مردديها مبتهلين ومنشدين كل الأزمنة.