سنوات حكم مظلمة.. حقبة اختطاف المرزوقي لتونس
لا يختلف اثنان على أن فترة حكم المنصف المرزوقي الذي تولّى منصب رئيس تونس المؤقت بين سنتي 2011 و2014 في فترة الانتقال الديمقراطي
التي أعقبت رحيل الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي من أحلك الفترات التي مرّت بها تونس. وتواصلت هناته إلى أن أصبح مطلوبا دوليا، وذلك على خلفية تصريحاته المحرضة ضد بلاده.
ثلاث سنوات من حكم المرزوقي وصفت بأسوأ الفترات في تاريخ البلاد وهو ما أكده الأمين العام لحركة الشعب ذات التوجّه القومي، زهيّر المغزاوي، الذي اعتبر أن فترة حكم المرزوقي "كانت مسخرة حقيقية وكانت البلاد مستباحة لكل الدوائر العربية والأجنبية".
صولات وجولات ومناورات الرئيس المؤقت السابق تواصلت بدعم من حركة النهضة الإخوانية التي كانت أبرز رؤوس حكومة "الترويكا" آنذاك, حيث عرفت فترة حكمه قرارات اعتباطية وخطابات متشنّجة واتهامات بإهدار المال العام وصفقات مشبوهة وتشهير وتصريحات ونعوت مسيئة لشعبه، وغيرها من التجاوزات والجرائم التي لا تحصى ولا تعد والتي أثارت غضب جلّ التونسيين خاصة الطبقة السياسية مطالبين بضرورة محاسبته.
فضيحة تسليم المحمودي
تعدّ صفقة تسليم البغدادي المحمودي، آخر رئيس وزراء في عهد نظام العقيد معمر القذافي إلى ليبيا، التي كانت تعيش آنذاك على وقع حرب أهلية مسلّحة من أكبر جرائم المرزوقي.
صفقة "بيع" المحمودي التي طبخت بين حركة النهضة الإخوانية والرئيس المؤقت هزّت الرأي العام التونسي والعربي، ما اضطر الرئيس المؤقت لإنكار علمه بها، وهو ما فنّده كلّ من رئيس الحكومة الإخواني حمادي الجبالي والمحمودي نفسه.
رسالة البغدادي المحمودي التي أرسلها إلى الرئيس المؤقت بتاريخ 16 مايو 2021 ترجاه فيها للتدخّل للحيلولة دون تسليمه تحدّث فيها عن عملية "الابتزاز" التي تعرّض لها في سجنه بالمرناقية، وعن الخطوط العريضة لصفقة تحرّكها قيادات من حركة النهضة بالتعاون مع أطراف ليبية، وهو ما يؤكد مرّة أخرى علم المرزوقي بالصفقة وتفاصيلها.
إهدار المال العام
شطحات المرزوقي لم تقتصر على عقد صفقات مشبوهة, فقد كشفت مجموعة "أنونيموس" المتخصصة في اختراق المواقع الحكومية والنضال الإلكتروني ضد الفساد والرقابة 16 فاتورة مسرّبة من القصر الرئاسي تحمل ختم الضبط المركزي لرئاسة الجمهورية تقارب قيمتها 180 ألف دينار تونسي (63 ألف دولار أمريكي).
فواتير القصر أثارت موجة جدل كبيرة، خاصة أنها تعلّقت بمآدب وحفلات استقبال ومصاريف استقبالات في أفخم النزل بتونس، لا علاقة لها ببروتوكولات دبلوماسية وإنما ترتبط باجتماعات حزبية وعلاقات شخصية للرئيس المؤقت تثبت إهداره للمال العام واستغلال منصبه.
ومن ذلك التكفّل بسفر نائبة عن حزبه آنذاك "المؤتمر من أجل الجمهورية" بمبلغ قدره 8 آلاف دينار (3000 دولار) ووثائق تشير إلى أن استهلاك السمك مثلا في القصر تجاوز ما قيمته 10 آلاف دينار، فضلا عن اتهامات بتوظيف الموارد المالية والبشرية لمؤسسة الرئاسة في حملته الانتخابية الرئاسية.
قطيعة بين سوريا وتونس
المرزوقي الذي اتخذ من القصر الرئاسي غرفة عمليات لتطبيق أجندات خارجية, أعلن قرار طرد السفير السوريّ من تونس سنة 2012.
قرار اعتبر سابقة خطيرة في تاريخ الدبلوماسية التونسية ووصفته المعارضة في تونس بالقرار المتسرّع والفردي، وهو ما دفع نوّاب المعارضة بالمجلس التأسيسي آنذاك لعقد جلسة عامة طارئة لتدارسه.
قطيعة بين البلدين دامت لسنوات وتلاشت في آخر لقاء جمع وزير الشؤون الخارجية التونسي عثمان الجرندي بنظيره السوري فيصل المقداد على هامش أعمال الجزء رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقد بنيويورك خلال سبتمبر المنقضي وهو أوّل لقاء يجمع مسؤولين كبيرين في البلدين منذ قطع العلاقات.
إرهاب واغتيالات سياسية
المرزوقي الذي فتح أبواب القصر الرئاسي لاستقبال شيوخ الفتنة من تنظيم الإخوان الإرهابي على غرار يوسف القرضاوي ووجدي غنيم عاش التونسيون خلال فترة حكمه على وقع ضربات إرهابية متتالية.
ومن ذلك عملية الشعانبي وسيدي علي بن عون وغيرها من العمليات الإرهابية التي أسقطت العشرات من شهداء المؤسستين الأمنية والعسكرية واغتيال المعارضين محمد البراهمي وشكري بلعيد.
"إنجازات الرئيس"..كتاب أسود
لم يذكر للرئيس المؤقت أي إنجازات خلال فترة حكمه فقد استغل الرجل موقعه لاستغلال الأرشيف الرئاسي والتلاعب بوثائق رسمية من أجل إصدار "الكتاب الأسود" الذي يعكس سواد حقبة حكمه.
كتاب المرزوقي الذي أثار موجة غضب عارمة واستنكارا للتلاعب بأرشيف البلاد نال من رموز حقبة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة وعدد من الوجوه الإعلامية، ولم يسلم منه حتى النوادي الرياضية كالترجي الرياضي التونسي الذي يعتبر من الفرق الرياضية التي تتمتع بشعبية كبيرة في البلاد، وأبطال أولمبيين كالبطل الأولمبي محمد القمودي والذين وصفوا بـ"الفاسدين والمناشدين والمساهمين" في الدعاية لنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
موجة من الغضب واجهها المرزوقي مرّة أخرى بأكاذيب للتنصّل من المسؤولية حيث صرّح بأن الكتاب لم يكن معدا للنشر وأنه جهّز لتوزيع نسخ منه لجهات رسمية إلاّ أنه سرق من المطبعة.
تجدر الإشارة إلى أنّ السلطات التونسية أصدرت مؤخرا مذكرة اعتقال دولية بحق الرئيس المؤقت السابق المنصف المرزوق، وذلك على خلفية تصريحاته المحرّضة على تونس ودعوته لأطراف أجنبية للتدخّل في الشأن الداخلي للبلاد خلال وجوده في فرنسا، والتي أثارت غضب التونسيين واتهموه بالخيانة العظمى.
aXA6IDMuMTI4LjE3MS4xOTIg جزيرة ام اند امز