المغرب يستعد لإصدار قانون مناهضة العنف ضد النساء
القانون أثار الكثير من الجدل بين الحكومة والجمعيات النسائية المدنية وفاعلين سياسيين وحقوقيين منذ اقتراحه.
خطوة تشريعية أخيرة تفصل المغرب عن الاعتماد الرسمي لقانون مناهض للعنف ضد النساء، (وهو الأول من نوعه في المغرب)، حيث يُنتظر قريبا أن يعود مشروع قانون رقم 103.13 (يتعلق بمحاربة العنف ضد النساء) إلى الغرفة الأولى بالبرلمان المغربي للمصادقة النهائية، بعد أن قطع شوطا مهما من مساره التشريعي.
وأثار هذا القانون الكثير من الجدل بين الحكومة والجمعيات النسائية المدنية وفاعلين سياسيين وحقوقيين منذ اقتراحه من قبل الحكومة المغربية السابقة 2013، وإعادة طرحه من طرف الحكومة الحالية. ووضع بمجلس النواب بتاريخ 21 يوليو/تموز 2016.
وصادق مجلس المستشارين (الغرفة الثانية بالبرلمان المغربي) في جلسة عمومية، مساء الثلاثاء 30 يناير/كانون الثاني الماضي، بالأغلبية على مشروع القانون المعني، بعد أن ظل حبيس رفوف الغرفة لما يزيد على سنة.
وإن كانت الحكومة ترى أن مشروع القانون يهدف إلى تمكين المغرب من نص قانوني معياري متماسك وواضح وكفيل بضمان الحدود الدنيا من شروط وضوابط الحماية القانونية للنساء ضحايا العنف، فإن الكثير من جمعيات المجتمع المدني تسجل قصورا في مشروع القانون، وترى أنه لا يرقى إلى طموحات المغرب الحديث في سياق الدينامية الحقوقية التي يعرفها.
وتعبر نزهة الصقلي، فاعلة سياسية وحقوقية، عن تثمين جزئي لمشروع القانون، حيث تعتبر أن المغرب قطع شوطا مهما في النص على قانون يحمي النساء من العنف، لكنها تسجل تحفظها الذي لا يخلو من أسف، موضحة: "الأكيد أنه خطوة إيجابية لكن تبقى محدودة".
وقالت نزهة الصقلي لـ"بوابة العين" الإخبارية: إن الجمعيات النسائية والحقوقية المدنية، التي ناضلت لزمن طويل وراكمت في الترافع عن قضايا النساء وعرّفت بالعنف ضدهن إلى أن جعلته قضية رأي عام، لم يلتفت لملاحظاتها من الطرف الحكومي، ولم تأخذ توصياتها ولا مطالبها التي مرت عبر التشريع بعين الاعتبار.
وأكدت الصقلي أن الجمعيات غير راضية بالنظر للنواقص التي يعرفها مشروع القانون، معللة بأنه يستظل بالمرجعية المحافظة، خصوصا فيما يخص قضايا النساء، على حد تعبيرها، للحزب الأغلبي داخل الحكومة.
وقدمت نزهة الصقلي، الوزيرة السابقة، بعض الأمثلة كعدم تجريم الاغتصاب الزوجي، وعدم التطرق لظاهرة السرقة بين الزوجين، وكذا محدودية التعريف المقدم للعنف، وكذا عدم تضمين القانون الحماية الواجبة.
وأشارت الفاعلة في مجال المرأة وحقوق الإنسان إلى القانون التونسي حول العنف ضد النساء، وكونه جاء جامعا لآراء الفاعلين.
ومن جهتها، عبرت لطيفة بوشوى رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء، في تعليق على مسار القانون لـ"بوابة العين" الإخبارية، عن أسفها لمسار القانون. وقالت إن الخطوة فيها تقدم، لكن القانون عرف تعثرا كبيرا منذ 2013 ، من حيث عدم اعتماد مطالب الحركة النسائية التي كانت تطالب بقانون شامل للقضاء على العنف تكون فيه جوانب الوقاية وحماية الضحية والإدماج في المجتمع، وجبر الضرر والمقاربة الزجرية.
وقالت لطيفة بوشوى: "نحن سنعمل من داخل القانون الجديد، هو قانون مهم يهم نصف المجتمع، لكننا سنستمر بالمطالبة بقانون شامل يناهض العنف ضد النساء ويعتبره تمييزا".
وترى وزيرة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية بسيمة الحقاوي، أن مشروع القانون يتضمن خلق آليات مؤسساتية ومندمجة للتكفل مع الحرص على ضمان سرعة التدخلات ونجاعتها لمختلف الجهات المعنية بتطبيق القانون وإعماله.
وتعتبر أن مشروع القانون جاء بمضامين تجرم بعض الأفعال باعتبارها صورا من صور التحرش أو الاعتداء أو الاستغلال الجنسي أو سوء المعاملة أيا كانت طبيعة الفعل، وتشدد العقوبات في حالات العنف المرتكب على أساس الجنس أو استحضار وضعيات الضحية كالقاصر أو المرأة الحامل وضد الزوجة أو الطليقة.
ويستحضر المشروع حسب الحكومة، الحقوق التي كرسها دستور المملكة والذي نص على المساواة والنهوض بحقوق المرأة وحمايتها وحظر ومكافحة كل أشكال التمييز، وكذا التزامات البرنامج الحكومي الذي أولى عناية مقدرة للنهوض بأوضاع المرأة وحمايتها، والالتزامات الواردة في الخطة الحكومية للمساواة "إكرام" في أفق المناصفة، بالإضافة إلى الالتزامات الدولية للمملكة والمرتبطة بمكافحة كل أشكال التمييز ومناهضة العنف ضد النساء.
وتتمثل مضامين مشروع القانون في تحديد إطار مفاهيمي من قبيل تحديد مفهوم العنف ضد المرأة مع التفصيل في تعريفه باستحضار كل مظاهره وأشكاله، وكذا تجريم بعض الأفعال باعتبارها عنفا يلحق ضررا بالمرأة والتي لم تكن تعتبر إلى عهد قريب عنفا ممارسا ضدها كالامتناع عن إرجاع الزوجة المطرودة من بيت الزوجية، والإكراه على الزواج، والمساس بحرمة جسد المرأة، وتبديد أو تفويت أموال الأسرة بسوء نية.
وكان المغرب قد أطلق مؤخرا حملة وطنية لوقف العنف ضد النساء في الأماكن العامة، تحت شعار "جميعًا ضد العنف.. #بلغوا_عليه"، وذلك في دعوة صريحة للتبليغ عمن يمارسون العنف ضد النساء.
يُذكر أن نحو ستة ملايين امرأة وفتاة مغربية تعرضن للعنف، بما يمثل 62% من مجموع نساء البلاد، حسب الأمم المتحدة، وأن أكثر من نصف المعنفات المغربيات متزوجات، ويصل عددهن إلى 3.7 ملايين امرأة.
ووفق وثيقة للمكتب الإعلامي للأمم المتحدة، فإن "نساء المغرب يتعرضن للتعنيف، باعتباره ظاهرة متجذرة في بنى اجتماعية جائرة، ولا يرتبط بتصرفات فردية ومعزولة".
وحسب معطيات رسمية للمندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة وطنية للإحصاء) فإن ما يقارب 6 ملايين امرأة (62.8%) يتعرضن لشكل من أشكال العنف، وأن 3.8 مليون امرأة تعنف بالوسط الحضري و2.2 مليون امرأة تتعرض للعنف في الوسط القروي.
ومن بين أنواع العنف التي رصدها بحث المندوبية خارج مؤسسة الزواج، العنف النفسي بنسبة انتشار بلغت 84%، وانتهاك الحريات الفردية بنسبة 31% والعنف المرتبط بتطبيق القانون بنسبة 17.3% والعنف الجسدي ومنه الشكل الخطير باعتداء باستعمال أداة حادة أو الحرق بنسبة 15.2% والعنف الجنسي وفيها العلاقات الجنسية تحت الإكراه بنسبة حوالي 8.7%، إضافة إلى العنف الاقتصادي بنسبة 8.2%.
aXA6IDEzLjU5Ljk1LjE3MCA= جزيرة ام اند امز