أحاديث وزارية بالشارع.. مقر «ميونخ» يضيق عن «عناوين مهمة»
لا تتوقف السياسة عن إثارة "عناوين مهمة" بمؤتمر ميونخ للأمن، سواء بقاعته الرئيسية أو في غرف مغلقة مخصصة للمفاوضات والمباحثات السرية.
لكن "حركة السياسة" في المؤتمر الأمني الأبرز عالميا طالت، في نسخته الـ60، الشوارع الملاصقة لفندق بيرنشهوف، المقر التاريخي لفعاليات المؤتمر.
وفيما يتحرك العابرون من وإلى الفندق، حيث مركز السياسة والأضواء، توقف وزير خارجية النمسا ألكسندر شالنبرغ، مع مساعديه في الشارع أمام بيرنشهوف، يناقش أجندته في المؤتمر.
هنا، مر رئيس الحكومة البلغارية نيكولاي دينكوف. ثم اقترب الرجلان من أجل مصافحة عادية، قبل أن يطلب وزير الخارجية النمساوي حديثا ثنائيا، على أحد جانبي الشارع.
وتبادل الرجلان أطراف الحديث لما يقارب الدقائق الـ5 والمسافة بينهما متقاربة للغاية، مباشرة أمام مراسل "العين الإخبارية" الذي كان قريبا منهما.
الحديث السياسي تناول بشكل أساسي قضية مكافحة الهجرة غير الشرعية، وكانت لغة الخطاب النمساوية واضحة، إذ كان شالتبرغ يؤكد ضرورة فعل شيء من أجل مكافحة هذه الظاهرة.
خلفيات "الحديث العابر"
وقضية مكافحة الهجرة غير الشرعية التي تتوافد إلى دول أوروبا الغربية عبر بوابة القارة الشرقية، تحتل أولوية قصوى على جدول أعمال ومناقشات الحكومة النمساوية الحالية التي ترأسها شالنبرغ لفترة والآن يلعب دورا وزيرها للشؤون الخارجية.
وكانت النمسا تلقي باللوم على بلغاريا ورومانيا فيما وصفته بضعف الحدود الأوروبية أمام حركة الهجرة غير الشرعية، ورفضت انضمام البلدين لمنطقة شنغن في نهاية 2022، ما وتر العلاقة بينها، قبل أن تتوصل الدول الثلاث لاتفاق يقضي بالسماح بانضمام البلدين إلى المنطقة فيما يتعلق بالحركة الجوية فقط (رحلات الطيران).
لكن يبدو أن هناك ملفات عالقة لا تزال تشغل الحكومة النمساوية في علاقتها مع بلغاريا، ما دفع وزير الخارجية لاستغلال الفرصة وإثارة الأمر مع رئيس الحكومة البلغارية، في الشارع أمام مقر مؤتمر ميونخ للأمن.
وعلى مدار 3 أيام، في النصف الثاني من فبراير/شباط من كل عام، يلتقي العشرات من قادة الدول والحكومات، إضافة إلى وزراء الدفاع، في فندق بيرنشهوف الشهير، في مدينة ميونخ، جنوبي ألمانيا، لاستعراض الملفات الأمنية الملحة بالعالم عبر جلسات ونقاشات مفتوحة.
بيد أن الأمر لا يتوقف عند ذلك، فخلف الأبواب المغلقة في الفندق الشهير تُجرى لقاءات دبلوماسية رفيعة المستوى على هامش البرنامج الرسمي للمؤتمر، لقياس المواقف والوقوف على الأرضية المشتركة في القضايا الدولية الملحة، وأحيانا إبرام اتفاقات دولية مهمة.
ومكان انعقاد المؤتمر "فندق بيرنشهوف" يحفّز على مثل هذه اللقاءات السرية، فهو يمتد على عدة مبان متصلة بممرات، ما يفتح مجالا أمام انعقاد العديد من اللقاءات السرية المتزامنة.
كما يتميز الفندق بزواياه وأركانه البعيدة عن الأنظار التي تعد مساحة مثالية لانعقاد النقاشات الدبلوماسية السرية، أو اللقاءات العابرة بين المسؤولين.
الأكثر من ذلك، يكتم السجاد الفخم في ممرات وغرف الفندق أصوات الأقدام، كما يسهل العدد الكبير من السلالم والممرات الخلفية الوصول الخفي إلى قاعات الاجتماعات والغرف المغلقة بدون رصد، ما يجعل "بيرنشهوف" مثاليا لعالم الدبلوماسية السرية الذي يدور على هامش الفعالية السياسية الدولية.
وعادة ما تخصص إدارة المؤتمر 100 غرفة في الفندق للاجتماعات السرية والمغلقة، على أن يستمر كل اجتماع نصف ساعة في المتوسط، حسب الإذاعة الألمانية.
"قمة جبل الجليد"
وكان رئيس مؤتمر ميونخ السابق، الدبلوماسي المخضرم فولغانغ أشينغر، تحدث قبل سنوات عن محورية اللقاءات السرية في المؤتمر، وقال "البرنامج الرسمي لمؤتمر ميونخ هو مجرد قمة جبل الجليد".
فولفانغ قال أيضا "مؤتمر ميونخ يعد مكانا يتم فيه اختبار ومناقشة الأفكار الأمنية والدفاعية، وبناء التحالفات، حيث تجري التجهيزات لدفع السلام العالمي قدما".
وكمثال على الإسهام الذي تقدمه اللقاءات السرية على هامش مؤتمر ميونخ، ذكر أشينغر اتفاقية "ستارت 2" للحد من الأسلحة النووية التي بدأت المفاوضات الخاصة بها على هامش مؤتمر ميونخ عام 2009.
وبعد عامين من مؤتمر 2009، تبادلت وزيرة خارجية الولايات المتحدة آنذاك هيلاري كلينتون ووزير خارجية روسيا سيرغي لافروف وثائق التصديق على الاتفاقية أيضا على هامش مؤتمر ميونخ الذي جرى عام 2011.