ولد من رحم «الغرفة الخلفية».. أسرار لا تعرفها عن مؤتمر ميونخ
سياسيون وخبراء أمنيون وعسكريون من جميع أنحاء العالم يلتقون، الجمعة، في ميونخ بأروقة مؤتمر الأمن الأشهر، لكن قلة يعرفون كيف بدأت الفكرة.
ومن المتوقع أن يشارك بمؤتمر هذا العام 50 رئيس دولة وحكومة، وما يقرب من 100 وزير، ومئات الخبراء وموظفو الخدمة المدنية، بالتزامن مع الاحتفاء بمرور ٦٠ عاما على انطلاقه.
"ليست ذكراه الحقيقية"
لكن لا تحمل مقولة "مؤتمر الأمن الدولي يحتفل بذكرى ميلاده الستين" الدقة الكافية، إذ لم يُعقد أي مؤتمر قبل ستين عاما، أي في فبراير/شباط 1964.
إذ يرجع التاريخ الأصلي إلى ما قبل ذلك بشهرين ونصف، في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 1963، ولا يعقد المؤتمر الحالي في نوفمبر/تشرين الثاني بل في فبراير/شباط.
وتأسس المؤتمر تحت مسمى "اجتماع دراسات الدفاع الدولي"، قبل أن يصبح مؤتمر ميونخ الأمني، أو "سيكو" للاختصار، أو مؤتمر ميونخ للأمن (MSC)، وغالبا ما يطلق عليه مؤتمر ميونخ فقط.
كما لم يعقد المؤتمر في عامين فقط على مدى العقود الماضية؛ أولها في 1991، حيث تم إلغاء الحدث بسبب حرب الخليج، وفي عام 1997 لم يكن هناك منظم للمؤتمر، إذ كان المؤسس إيوالد هاينريش فون كلايست قد تقاعد، ولم يكن هناك خليفة له.
لا يرضي المؤسس
الأكثر من ذلك، اعتبرت مجلة "زود دويتشه" الألمانية أن فون كلايست، مؤسس المؤتمر ومديره لمدة 34 عاما، لم يكن ليستمتع بالمؤتمر الحالي، بعدما نما وانتشر مفهومه للأمن.
إذ أطلقه بناء على تعريف ضيق للأمن يستند إلى مقاومته لأدولف هتلر وثقته العميقة بالأمريكيين (الذين أنقذوه بأنفسهم من النازيين).
فما تمت مناقشته خلال الحرب الباردة من قبل مجموعة من الرجال في الغرف المغلقة حول الحفاظ على السلام والردع، تحول الآن إلى حدث معقد وعلني للغاية، ويتم عرضه مثل مسلسل ضخم عن الحرب والسلام.
وأظهر فون كلايست وجهة نظره الخاصة حول المؤتمر قبل وقت قصير من وفاته في محادثة مؤثرة مع السياسية أنتجي فولمر، قائلا: "بالنسبة لي، الأمر يتعلق بالعلاقة بالحرب"، وأردف "يمكنك أن تقول بالفعل إنه كانت هناك جسور بين المعسكرات المختلفة في العالم".
ويحتوي الاقتباس على الأقل على جوهر الفكرة التي لا تزال تقود المؤتمر الأمني اليوم، الحرب والجسور، ليظهر التساؤل حول إمكانية التوفيق بين الشر والرغبة في السلام.
التأسيس
عند التأسيس، حاول فون كلايست استخدام وسائل عصره؛ مجلة متخصصة، ومؤتمر، وسلطة المناضل، وأوضحت أطروحة مكتشفة حديثا، لم تسمها المجلة الألمانية، أنه تم تنفيذ الفكرة بدعم من وكالة المخابرات المركزية.
وعندما كانت الحرب الباردة محتدمة، جمع كلايست ثلاثين وربما أربعين شخصية من صناع القرار، كما يطلق عليهم بمصطلحات اليوم، من قلب حلف شمال الأطلسي بقاعة غرفة الحرف في ميونخ، وكان من بينهم وزراء ونائبون وجنرالات واستراتيجيون، وكانت هذه هي بداية مؤتمر ميونخ.
والمغزى، أراد كلايست إنشاء منتدى مفتوح للتبادل يتجاوز الأشكال الخاضعة للبروتوكول المنظم بشكل صارم للزيارات الرسمية أو الرحلات الوزارية، ومؤتمن للغاية، تقريبا مثل المجتمع السري.
لذلك تنبع مشاكل المؤتمر، ومجتمع السياسة الأمنية عموماً، بالنسبة لعامة الناس، خاصة في ألمانيا، من فترة الغرف الخلفية هذه عندما كانت السياسة الخارجية مشروعاً نخبوياً، واختصاصاً لا يتعدى قِلة من الناس.
واليوم، أصبح مؤتمر العلوم العسكرية السابق حدثا لا بد منه لخبراء السياسة الخارجية، سواء كانوا مسافرين من أقصى شرق الكرة الأرضية أو غربها.
براءة الاختراع أم التطوير؟
منذ عام 2008، لعب فولفغانغ إيشنغر، ثالث رئيس لمؤتمر ميونخ للأمن، وعدد قليل من المساعدين في الخلفية، دورًا مهمًا في تطوير المؤتمر لشكله الحالي، وكان واعيا بما يكفي لإدراك الضعف في تنظيم المؤتمر في الأوقات السابقة.
ففي عهد سلفه تيلتشيك جاءت الحصة الأكبر من التمويل من ميزانية مكتب الصحافة الفيدرالي، وقامت حكومة ولاية بافاريا والقوات المسلحة الألمانية بضمان الأمن والخدمات اللوجستية، لكن المؤتمر لم يكن له شكل قانوني مسجل ولا براءة اختراع لمسماه.
وقام إيشنغر بتحويل المؤتمر إلى سوق للمعلومات وجهات الاتصال، واستفاد إيشينغر من هذا، إذ كان له الحق في تسجيل اسم المؤتمر باسمه وأصبح للمؤتمر الأمني شركة.
كما فقدت الحكومة الفيدرالية الألمانية، التي كان لها في الواقع مصلحة سياسية كبيرة في تنظيم هذا الاجتماع على الأراضي الألمانية، نفوذها لأن إيشنغر قام بتجنيد مانحين من القطاع الخاص ووسع المؤتمر إلى سوق ضخمة للمعلومات والاتصالات.
وأصبحت المساهمات المالية من برلين أقل أهمية وأصبح المؤتمر يلعب بقواعده الخاصة.
وقام إيشينغر بنقل حقوقه في المؤتمر الأمني في البداية لشركة ذات مسؤولية محدودة غير ربحية وإنشاء هيكل قانوني.
أهمية المسرح
من جهة أخرى، كان هناك الكثير من الانتقادات لاستراتيجية إيشينغر التوسعية خلال هذه المرحلة، وقالوا إن المؤتمر سيكون كبيرا للغاية وتعسفيا للغاية، خاصة بعدما أصبح دافوس، المنتدى الاقتصادي العالمي في سويسرا، مثالاً تحذيرياً، حيث الازدحام شديد، ومحتوى أقل مما ينبغي.
لكن الرؤساء ورؤساء الحكومات والوزراء الأقوياء استمروا في القدوم إلى ميونخ، وفي أروقة سيكو، تجرى اتصالات لطيفة، ويجمع المؤتمر الخصوم معًا، ويتم تبادل الأوراق، وتقرأ الخطب على المسرح وترفع الرموز.
وألقى الرئيس الألماني السابق يواكيم غاوك وقت وجوده في السلطة، محاضرة على الأمة، وتحدثت أنغيلا ميركل بحرية وقوة عن عمق قناعاتها، وفي عام 2022 اعتلى فولوديمير زيلينسكي المسرح في ميونخ قبل أيام قليلة فقط من بدء الحرب مع روسيا واهتزاز الغرب وسيشارك اليوم أيضا.
aXA6IDMuMTQ0LjguNzkg جزيرة ام اند امز