غوص في التاريخ.. خرافة الإخوان للفصل بين السياسة والدعوة
تجتاح جماعة الإخوان الإرهابية رغبة محمومة في العودة إلى الشارع المصري، بأي شكل، وتبذل جهودا مضنية للتنصل من ممارسات العنف والإرهاب.
هذه الرغبة هي الدافع الوحيد لمحاولاتها اختراق الحياة السياسية والاجتماعية المصرية، التي تأخذ أشكالا مختلفة مثل ادعائها أنها جزء من المعارضة الوطنية واستعدادها للحوار الوطني أو مد اليد للمصالحة والتفاهم، أو ما أطلقته الجماعة مؤخرا، عن فصل السياسي عن الدعوي.
وجاءت الدعوة الأخيرة على لسان القيادي الإخواني محمد جمال حشمت الهارب في كندا والمحسوب على جبهة إبراهيم منير، في حديث صحفي.
ووجه حشمت دعوة لأعضاء الجماعة لضرورة إصلاح شأنها عبر ثلاث خطوات الأولى بدء المراجعة الداخلية والإعلان بوضوح عن الأخطاء التي وقعت فيها كتنظيم، وما يمكن أن تقدمه لمعالجة ما لحق بها من هزائم.
أما الخطوة الثانية فهمي التوقف عن المشاركة والمنافسة السياسية على الرئاسة والبرلمان والمحليات لمده 10 سنوات على الأقل، فيما تمثلت الخطوة الثالثة في قيام التنظيم بالفصل بين السياسة والدعوة.
ووفق مراقبين، لا يمكن اعتبار هذه الدعوة جادة أو حقيقية أو حتى تعبر عن تطلعات فريق إصلاحي في الجماعة، بقدر ما هي محاولة للهروب إلى الأمام، فمن الواضح أن الجماعة تمر بأزمة داخلية كبيرة تحاول الخروج منها.
أول واقعة تاريخية
ويخبرنا التاريخ أن كل دعوة لفصل الدعوي عن السياسي داخل جماعة الإخوان، هي حيلة للمراوغة تظهر في لحظات اكتشاف المجتمع لحقيقة التنظيم وأغراضه، وتلجأ إليها عادة لتشتيت انتباه المجتمع ونسج خيوط الخديعة على البسطاء.
وظهرت أول محاولة للفصل بين أنشطة الجماعة المختلفة في عام 1944 عندما تقدمت حكومة حزب الوفد وقتها بمشروع إعادة تنظيم الجمعيات الأهلية وفق قانون محدد وقواعد ولوائح تنظم فوضى الجمعيات.
ونظرا لأن الإخوان كانت قد تضخمت وتمددت في الشارع المصري في ذلك الوقت، وأصبح لها تنظيم سري مسلح في يد المؤسس حسن البنا، فقد وضعت في موقف صعب مع صدور قانون الجمعيات في صورته النهائية عام 1945.
ومع صدور القانون، أصبح ملزما لها إما التحول إلى حزب بقواعد العمل الحزبي أو التحول إلى جمعية أهلية تنشط في مجال البر والخدمات المجتمعية، فابتكر حسن البنا حيلة شكلية لا حقيقية، حين أنشأ "المركز العام لجمعيات البر والخدمة الاجتماعية للإخوان المسلمين"، ووضع لافتة بذلك داخل المركز العام وجعل رئيس مجلس إدارة المركز شقيقه عبد الرحمن البنا،
كما أسس التنظيم، أفرع لمركز البر مسجلة في وزارة الشؤون الاجتماعية، فيما كانت "هيئة الإخوان المسلمين العامة" تقوم باقي أعمال الجماعة من نشر الدعوة والخطابة والاشتباك مع السياسة اليومية.
ويؤكد عبد الحليم محمود، مؤرخ الإخوان في كتابه "الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ"، أن "البنا بهذه الحيلة فوت الفرصة على الحكومة".
الثانية والثالثة
وفي عام 1950، كانت المرة الثانية التي كان على الإخوان فيها، التمييز بيم أنشطتها الدعوية والسياسية، وبالتحديد في أعقاب الأزمة الإخوانية مع قاده ثورة يوليو/تموز، وظهور فكرة توفيق أوضاع الجمعة وفق قواعد وقوانين ولوائح العهد الجديد.
ولم يتمكن أعضاء الإخوان المؤمنون بهذه الفكرة من حمل الجماعة على الفصل ما بين السياسي والدعوي، ربما لأنهم يعرفون خطورة هذه الخطوة، أو لأنهم غير مقتنعين بالفصل من الأساس.
المرة الثالثة التي ظهرت فيها هذه الدعوة كانت في أواخر العقد التاسع من القرن الماضي، عندما تضخم جسد الإخوان، وانتشر أعضائها في النقابات وفي المحليات وأصبح لابد من الفصل بين العمل السياسي والعمل الدعوي والخيري.
وتبنى هذه الدعوة في ذلك الوقت بعض ممن عرفوا بعد ذلك بقيادات الإصلاح أو القيادات الشابة، وكان على رأسهم عبد المنعم أبو الفتوح وإبراهيم الزعفراني وعصام العريان.
فيما مثلت تصريحات محمد جمال حشمت، قبل أيام، آخر دعوة داخلية في الإخوان، للفصل بين الدعوي والسياسي.
هل الفصل ممكن؟
لكن فكرة الفصل بين الدعوي والسياسي، تتناقض مع الفكرة الرئيسية للإخوان، والتي ترتكز على المزج بين السياسي والديني، وتعرض الجماعة والتنظيم لخطر التحول إلى كيانين.
ويوضح مراقبون أن الإخوان إذا اكتفت بالدعوة ستخسر أكثر مما تكسب، فهي لا تملك خطابا دعويا تتميز به عن سائر الحركات والجماعات التي تتخذ من الدعوة ميدانا رئيسيا لهم ومتمكنين منه.
أما الشق السياسي، فالإخوان لا تملك رصيدا سياسيا كبيرا يمكنها من خوض العمل السياسي معتمدة على ثقة الجماهير؛ فالعمل السياسي في أساسه طرح الرؤية السياسية والحزبية على الناس حتى تحظى بإعجابهم، ويتم ترجمتها إلى أصوات.
لكن الإخوان في الغالب، تعتمد على الكتلة التصويتية الحزبية والتنظيمية التي تمنح أصواتها لمرشحي الجماعة، دون تفكير، وتروج لأفكار الجماعة، رغم افتقار عناصرها السياسية لموهبة العمل السياسي، وبالتالي لا يمكن الفصل بين ما هو دعوي وسياسي، وبين ما هو تنظيمي وسياسي، خاصة مع مزج الجماعة بين الدين والسياسة للتأثير على الناس.
الأهداف الخفية
في التحليل الأخير، فإن دعوة الأخيرة للفصل بين السياسي والدعوي في الإخوان، تهدف لشغل الدولة المصرية بقضايا الإخوان، وبلونة اختبار، ومحاولة لكسب تعاطف بعض من المجتمع المدني، ودفعه للشعور بأن الجماعة تحاول أن تكون ضمن النسيج الوطني، وهذا أكبر خديعة سواء كان الإخوان يقصدونها أم لا.
ولو كان الإخوان صادقين في الإجراء الخاص بالفصل بين الدعوي والسياسي، لكانت الفترة التي كانوا فيها في سدة الحكم (٢٠١٢-٢٠١٣) هي الفترة الأقرب إلى تطبيق هذا المبدأ، فلم تكن الجماعة مطاردة، ولم يكن الحزب ممنوع، ولم الأفراد تحت ضغوط فكرية، فلماذا لم تقم الجماعة بهذه المراجعات والفصل؟
الإجابة على هذا السؤال هي أن الفترة التي سيطرت فيها الإخوان على الحكم، هي اللحظة التي ظهر فيها الوجه الحقيقي للجماعة، وما يتردد هذه الأيام هي محاولة تخفي أو غسل السمعة أو محاوله تمرير للخديعة مره أخرى إلى الشعوب العربية والشعب المصري.
في النهاية، من المستحيل الفصل بين الدعوي والسياسي في الإخوان الإرهابية، ولو فعلوها، سيكون أمرا مؤقتا سيكشفه المجتمع سريعا.
aXA6IDMuMTQ1LjkxLjExMSA= جزيرة ام اند امز