كتاب يكشف أسباب عدم انتماء نجيب محفوظ لأي أيديولوجيا
محفوظ ترك خلفه نتاجا أدبيا ثريا كان سببا في أن تختاره الأكاديمية السويدية عام 1988 ليحصل على جائزة نوبل في الآداب
يكشف كتاب "مقامات في حضرة المحترم" الأسباب التي دفعت الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ "1911- 2006" إلى عدم الانتماء لأي أيديولوجيا أو تنظيم سياسي.
وتحل الجمعة 30 أغسطس/آب الذكرى الـ13 لرحيل محفوظ، الذي رحل في عام 2006، بعد أن ترك خلفه نتاجا أدبيا ثريا كان سببا في أن تختاره الأكاديمية السويدية عام 1988 ليحصل على جائزة نوبل في الآداب، كأول روائي عربي يفوز بالجائزة، وهو لا يزال العربي الوحيد الذي فاز بها.
ويستشهد الناقد سيد الوكيل في كتابه الصادر مؤخرا في القاهرة عن دار "بتانة" برواية "قلب الليل" باعتبارها مفتاحا لفهم أسباب حرص محفوظ على عدم اعتناق أيديولوجيا معينة هنا أو حزب سياسي هناك، فالبطل "جعفر الراوي" خاض مثل هذه التصنيفات ولم يخرج منها بشيء حقيقي يشعره بالوقوف على أرضية ثابتة.
ويقول الوكيل في مقدمة الكتاب: "أحتاج قدرا كبيرا من الشجاعة لأقول إنني أصبحت أسيرا لنجيب محفوظ، لهذا كان جهادي الخاص، هو أن أحرر ذاتي منه. اقتضى مني هذا البعد عن كتابة الأدب سنوات كثيرة، استعنت عليها بالقراءة والنقد، حتى كادت رغبتي في الإبداع تذوي، ثم اكتشفت أن كل ما كتبته أثناء ذلك لم يكن إلا محاولة للفرار من أسره".
لا يكتسب الكتاب أهميته فقط كونه أحدث المقاربات النقدية لاكتشاف عالم نجيب محفوظ الذي يبدو مثل قارة شاسعة يتجاور فيها الأدب والسينما والفلسفة والتجربة الحياتية ذاتها بل للخصوصية الشديدة التي ينطلق منها المؤلف في رصده لتلك القارة.
وإذا كان القارئ اعتاد في الكتب النقدية لغة جافة، باردة، محايدة ينأى فيها الناقد بمواقفه الشخصية وميوله الذاتية عن بحوثه ودراساته، فإنَّ الموقف هنا على النقيض تماما من هذا التصور النمطي.
الوكيل ليس مجرد ناقد بل هو أيضا مبدع بارز صدرت له العديد من المجموعات القصصية والروايات منها "فوق الحياة قليلا"، "للروح غناها" و"الحالة دايت" ولعل المبدع هو الذي انتصر على الناقد بداخله في تلك الرؤية التي يختتمها الرجل بقوله: "ذاتي أصبحت ممتلئة بنشوة الرحلة ذاتها، فرأيتُ أن من واجبي أن أكتبها امتنانا وعرفانا، وأنا أتلمس طريقا وعرا، في واقعنا الأدبي بين الناقد والمبدع القابعين في روحي، ربما أصل إلى مقام الرضا".
ويمضي المؤلف في نحت ملامح خصوصية تجربته على مستوى الشكل، فهو لا يقسم العمل إلى فصول أو أبواب بل إلى "مقامات" مثل: مقام الأسرار، مقام الوصل، مقام الكمال، تتناول قضايا الأنواع الأدبية لدى عميد الرواية العربية وعلاقة أدبه بالإشكاليات السياسية والفكرية والدينية الملحة في عصره.
ويتناول الكتاب أيضا مسألة المدارس النقدية المختلفة من أدب محفوظ وكيف جرت محاولات عديدة لقراءة أدبه وفق منطلقات يسارية اشتراكية وكيف أن عبقرية صاحب الثلاثية تكمن في الوقوف على مسافة واحدة من الأيديولوجيات المتصارعة.
بالطبع فكرة "المقامات" نفسها تتقاطع مع الحس الصوفي المتفلسف الذي اتسمت به مجمل التجربة المحفوظية سواء في رواياته وقصصه أو حياته ذاتها، كما تشير كلمتا "حضرة المحترم" في العنوان إلى رواية محفوظ التي تحمل العنوان نفسه.
وفيما يشبه ثنائية القطب والمريد، يعبر الوكيل بلغة صوفية تذكرنا بثنائية القطب والمريد عن علاقته بمحفوظ قائلا في المقدمة أيضا: "اخترتُ تيهي في طرقات محفوظ لأعرف طريقي، فهالَني أن طرقاته لا تنتهي".
هناك انطباع شائع بأن عالم القصة القصيرة عند محفوظ ليس بأهمية عالمه الروائي، بل يمضي البعض في هذا التصور المغلوط بعيدا، إذ يتهمون أديب نوبل بأنه كتاباته القصصية ذات طابع مدرسي وبالتالي فلننحيها جانبا! هذا بالضبط ما يتصدى له الوكيل منصفا القصة القصيرة كنوع أدبي مظلوم لدى محفوظ، مؤكدا أنَّه نتيجة هذا الانطباع الخاطئ كانت كارثية، إذ جرى تجاهل ثلث نتاج الرجل دون أن يأخذ حظه.
ويفتح الكتاب ملفا شائكا حين يفاجئ الوكيل قارئه بما يسميه "العنف النقدي في قراءة نجيب محفوظ" الذي بلغ ذروته في ردود الأفعال على روايته "أولاد حارتنا" التي كان ضمن تبعاتها محاولة اغتياله في عام 1994 استنادا إلى فتوى دينية صكتها عقلية إرهابية متطرفة.
aXA6IDE4LjIyNC41OS4xMDcg جزيرة ام اند امز