لماذا يسعى "حزب الله" لإلغاء اتفاق الطائف؟

يتهم حزب الله وأنصاره في التيار العوني وحركة أمل اتفاق الطائف بأنه وراء مشكلات لبنان الاقتصادية والسياسية حاليا
كان لافتاً للغاية رفع بعض المتظاهرين اللبنانيين شعارات تدعو لإنهاء العمل باتفاق "الطائف" بالتزامن مع لافتات أخرى تدعو لوقف الالتزام بالنظام السياسي الذي استمر منذ 30 عاماً، أي عام 1989، وهو العام نفسه الذي تم التوقيع فيه على اتفاق الطائف وإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية، فمَن هي الأطراف التي تسعى لإلغاء "الطائف"؟ ولماذا السعي لإلغاء الاتفاق في هذا التوقيت؟ وما هي المخاطر التي تحدق بلبنان حال إلغائه؟ وماذا تملك الدول العربية والقوى الوطنية من أوراق للحفاظ على الاتفاق الذي جلب السلام للبنان خلال العقود الثلاثة المقبلة؟
خلط الأوراق
يتهم حزب الله وأنصاره في التيار العوني وحركة أمل "اتفاق الطائف" الذي أنهى الحرب الأهلية التي استمرت منذ عام 1975 حتى توقيع الاتفاق عام 1989، بأنه وراء المشكلات التي يعاني منها لبنان على مدار الثلاثين عاماً الماضية، ويوحي الحزب بأنه مع المتظاهرين ضد الفساد والفقر والإفلاس وارتفاع معدلات البطالة والعجز في الميزانية وغيرها من المشكلات الاقتصادية، وتلمح قيادات في التيار الوطني الحر بأن مشاكل لبنان الحالية هي "الثمار المرة" لاتفاق الطائف، وهذا بالطبع غير حقيقي، فالمشاكل الهيكلية للاقتصاد اللبناني نتيجة لمحاولات ما يسمى "محور الممانعة" سحب لبنان بعيداً عن محيطه العربي وإلحاقه بالصف الإيراني، فما هي مشكلات حزب الله مع اتفاق الطائف؟
أولاً: يرى حزب الله أنه حقق وأنصاره في الانتخابات النيابية الأخيرة نتائج أكبر بكثير من "الحصة السياسية" التي يحصل عليها بموجب اتفاق الطائف، وترى إيران أن هذه الفرصة لن تتكرر لإنهاء العمل باتفاق الطائف أو تعديله على أقل تقدير، ليتناسب مع "عدد الناخبين" الذين صوتوا للحزب وحلفائه.
ثانياً: تعتقد إيران أن سيطرة حزب الله على مفاصل الدولة، و"صوته العالي" في مجلس الوزراء والبرلمان هي الفرصة المثالية لإلغاء اتفاق الطائف.
ثالثاً: نص اتفاق الطائف الذي يتكون من 4 مواد رئيسية في مادته الأولى على أن "لبنان عربي الهوية والانتماء، وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية"، ويعتبر حزب الله أن الاتفاق بهذه الوضعية السياسية يعرقل التحول الكامل للدولة اللبنانية بعيداً عن الأجندة العربية لصالح ما يسميه "محور المقاومة".
رابعاً: يدعو اتفاق الطائف صراحة إلى إلغاء جميع أنواع المليشيات في البلاد، وعملياً حزب الله هو المليشيا التي تتحكم في مفاصل الدولة، وتختطف مجلس الوزراء، وتملي شروطها على البرلمان، ولذلك يسعى حزب الله للتخلص بكل ما يذكره بأنه مليشيا خارج سيطرة الدولة، خاصة أن اتفاق الطائف نص بوضوح على ضرورة فرض هيبة وسيطرة الدولة على كل شبر من أراضي الدولة اللبنانية، والواقع يقول إن حزب الله هو من يعرقل فرض هيبة وسيطرة الدولة على كثير من المناطق، بل إن المؤسسات الرئيسية في الدولة سواء كانت أمنية أو حتى خدمية تأتمر بأمر الحزب، وليس بأمر المسؤولين التنفيذيين عن هذا المكان أو ذاك، خاصة أن اتفاق الطائف طالب بتعزيز دور القوات المسلحة، وأن المهمة الأولى للجيش اللبناني هي الدفاع عن الوطن، لكن حزب الله يدعي أنه المدافع عن لبنان، ويختطف المهمة التي أوكلها اتفاق الطائف، حيث طلب اتفاق الطائف صراحة من الجيش اللبناني الانتشار على كل الحدود اللبنانية.
خامساً: مهّد رئيس الجمهورية الجنرال ميشال عون الرأي العام اللبناني للحديث عن إلغاء الاتفاق منذ عام تقريباً اعتمادا على مجموعة من العوامل أبرزها قانون الانتخاب الذي أفرزه الاختلال في الميزان السياسي والعسكري والديموغرافي، والخوف من بندقية حزب الله التي زادت من سطوتها منذ عام 2000 عقب الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، وتجذر هذا الأمر بعد حرب صيف 2006، وأحداث الداخل اللبناني 2008، بالإضافة إلى اكتساب الحزب مهارات عسكرية جديدة، نتيجة مشاركته في الحرب السورية التي بدأت منذ مارس 2011 .
خطوات عملية
لجأ حزب الله إلى بعض الممارسات العملية لتفريغ اتفاق الطائف من مضمونه، وتمهيد الساحة اللبنانية والعربية لهذا الأمر من خلال مجموعة من الخطوات أبرزها:
1- تفريغ منصب رئيس الوزراء من صلاحياته، والتشكيك في تعبيره عن مصالح كل اللبنانيين، ففي القمتين العربية والإسلامية اللتين استضافتهما مكة المكرمة أواخر شهر رمضان الماضي، للرد على الاعتداءات الإيرانية على 4 سفن في الخليج العرب أيد رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري البيان الختامي الصادر عن القمتين، الذي يدين الاعتداءات على الملاحة في الخليج العربي، لكن هذا الموقف لم يعجب حزب الله والتيار الوطني الحر اللذين وصفا موقف الحريري بالموقف الشخصي وليس باعتباره رئيس وزراء لبنان ويعبر عن كل اللبنانيين.
2- عطّل حزب الله انعقاد مجلس الوزراء لمدة تزيد على شهرين اعتماداً على وزرائه ووزراء حلفائه الذين يمثلون أغلبية داخل مجلس الوزراء، والذين لا يحضرون الجلسات إلا بأوامر من الحزب، والهدف من كل ذلك حرمان منصب رئيس الوزراء من الصلاحيات التي جاءت في اتفاق الطائف، والمؤكد أن ما يشهده لبنان اليوم من مشاكل اقتصادية كان بسبب تعطيل عمل الحكومة، فإقرار الميزانية الذي تأخر أكثر من 4 أشهر كان كفيلاً بتوفير 11 مليار دولار تعهدت المؤسسات الدولية بتوفيرها للبنان حال إقرار الميزانية، وهو الأمر الذي لو تم منذ يوليو/تموز الماضي ما كانت المظاهرات الحالية في الشارع.
3- قراءة دفتر الحياة اليومية اللبنانية منذ الاتفاق على منصب رئيس الجمهورية تقول إن هناك استهدافا دائما لرموز اتفاق الطائف وتصفيتهم سياسياً، وإخراجهم من المؤسسات ومواقع القرار، وهناك من يقول إن التسوية الرئاسية هي أكثر الخطوات العملية التي أضعفت اتفاق الطائف.
ورغم سعي إيران وحلفائها لإلغاء أو تعديل أو إعادة تفسير اتفاق الطائف فإن الواقع يؤكد أن رئيس الحكومة ليس وحده من يدافع عن اتفاق الطائف، فقد تعهد رؤساء مجالس الوزراء السابقون ومنهم فؤاد السنيورة وسلام تمام ونجيب ميقاتي بكسر الحصار على رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري عندما قاموا بزيارة خلال الأسابيع الأخيرة للمملكة العربية السعودية، والدفاع عن صلاحيات رئيس الوزراء كما جاءت في اتفاق الطائف، وهو ما قطع الطريق على إيران وحزب الله لتطويع الحريري، حيث يشكل رؤساء مجالس الوزراء الثلاثة 99% من المزاج السني العام المؤيد لاتفاق الطائف والانتماء العربي، وأعلن رؤساء مجالس الوزراء الثلاثة رفضهم التام للتدخل في جدول أعمال مجلس الوزراء، وأصبحوا الآن يمثلون غطاء سياسيا واسعا للرئيس الحريري، الهدف منه الحفاظ على اتفاق الطائف، وتجديد الدماء في الشرايين اللبنانية العربية، كما أن دعم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لاتفاق الطائف سيشكل رافعة سياسية قوية لكل اللبنانيين الغيورين على وحدة واستقلال القرار اللبناني.
الرهان الآن على وعي وحيوية الشباب اللبناني الذي يتظاهر في الشارع، فقد كشفت فعاليات وأيام التظاهر مدى الفهم الحقيقي من جانب الشارع لأسباب الواقع اللبناني المرير الذي "يبدأ وينتهي" عند ممارسات حزب الله وحلفائه وليس نصوص اتفاق الطائف.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTMxIA==
جزيرة ام اند امز