التراث الليبي في مهب الريح.. النهب يهدد 27 مليون وثيقة
ثورة عارمة اندلعت عبر شبكات التواصل خلال اليومين الماضيين، قادها مثقفو ليبيا، خوفًا على التراث المهدد بالوقوع بيد مليشيات تركيا.
أصوات من الداخل والخارج، توحدت ضد قرار لهيئة الأوقاف في طرابلس التابعة لحكومة الوفاق غير الشرعية، أمهلت فيه المركز الوطني للمحفوظات والدراسات التاريخية (مركز جهاد الليبيين سابقًا) بإخلاء المبنى، خلال 3 أيام، ما يعرض 27 مليون وثيقة تحفظ أهم مواد التاريخ الوطني خاصة فترة نضال الليبيين ضد الغزو والاحتلال الإيطالي إلى النهب.
بداية القصة
طالبت "أوقاف الوفاق"، (الجهة المالكة)، مبنى المركز الوطني للمحفوظات والدراسات التاريخية، الذي يقع في مكان متميز بوسط العاصمة عام 2017 برفع قيمة الإيجار من 2000 دينار إلى 96 ألف دينار شهريًا، إلا أن تعثر الأخير في تلبية مطلب "الأوقاف"، دفعها لإمهال القائمين على المركز ثلاثة أيام، لتسليم المقر أو الحجز عليه إداريًا، غير عابئة بما يحويه المركز من وثائق معبرة عن تراث الليبيين.
موقف هيئة الأوقاف المتعنت، أطلق شرارة لم تخبُ جذوتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتندلع حملات من الداخل ومن الخارج تطالب سلطات "الوفاق"، بالتدخل وإنقاذ التراث اليبي، دون جدوى.
الصحفي الليبي محمود البوسيفي نشر بيانًا عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، والذي وقع عليه آلاف المثقفين والمواطنين، طالبوا فيه حكومة "الوفاق"، بحماية وحفظ وإنقاذ مركز المخطوطات والدراسات التاريخية (مركز توثيق جهاد الليبيين ضد الغزو الإيطالي) من النقل، والاستيلاء على مقاره التي تحوي وتحفظ أرشيف الذاكرة الوطنية من مخطوطات ووثائق مكتوبة ومسموعة ومرئية تم العمل على حفظها وأرشفتها منذ عشرات السنين، مؤكدين أن الشعوب تبنى شخصيتها من خلال الذاكرة الوطنية من مخطوطات ووثائق وأرشيف وطني يسجل تاريخها مسيرتها وكفاحها وجهادها.
نقل الوثائق.. جريمة
وأشار الموقعون على البيان إلى خطورة نقل الوثائق التي مرت عليها عشرات السنوات، ما سيسبب تلفها وضياعها وفقدان أرشفتها وتبعثرها، وبالتالي فقدانها وعدم الاستفادة منها، مؤكدين أن ذلك الأمر "جريمة لا يجب السماح بحدوثها".
وطالبوا باعتبار المركز بما يحوي من كنوز الوثائق والمخطوطات والشهادات الموثقة المكتوبة المسموعة والمرئية، مسألة سيادة وطنية إسلامية تاريخية للحاضر والمستقبل، لا يجب أن تنفرد جهة واحدة بالتصرف فيه وفي مقاره لأسباب إدارية، ويجب منع ممارسة الضغوطات على المركز وحمايته وصيانته وحل المسألة بشكل نهائي بما يحفظ المركز في مقره الحالي.
الصحفي الليبي أحمد الخميسي، أعرب عن استغرابه من إصرار "هيئة الأوقاف" على أخذ مقر المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية، بحجة أنه وقف رغم وجود 9 آلاف عقار وقف، بينها مقر حكومة الوفاق غير الشرعية.
ابتزاز ودعوات للاعتصام
رئيس تحرير صحيفة "الوسط" الليبية بشير زعبية، طالب حكومة "الوفاق" غير الشرعية بالتدخل لوقف الابتزاز الذي يتعرض له المركز الليبي للوثائق والمحفوظات التاريخية، قائلا: "الأوقاف ليست جهة مستقلة خارج الدولة، هي جهة تحت سلطة المجلس الرئاسي وحكومته، وينبغي على الأخير أن يتدخل ويوقف الابتزاز الذي يتعرض له المركز الليبي للوثائق والمحفوظات التاريخية"، متسائلا: هل نستعين أيضا بالأمم المتحدة (يونسكو) مثلا؟.
كما دعا محمد كرازه عميد المصورين الليبيين، إلى الاعتصام لإنقاذ مركز الدراسات التاريخية من العبث بالوثائق وتاريخ الأجداد، قائلا، عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "دعوة اعتصام لإنقاذ مركز التوثيق من العبث بالوثائق وتاريخ أجدادنا.. المقر مهدد".
27 مليون وثيقة
وقال رئيس مجلس الثقافة العام محمد محيا، عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إن المركز يحوي بداخله أكثر من 27 مليون وثيقة ومخطوطة تاريخية، ناهيك عن الأبحاث والدراسات والتراجم والكم الهائل من المطبوعات والكتب القيمة وهو منارة تعليمية كان لها الفضل الكبير في البحث التاريخي والتوثيق.
واستنكر رئيس مجلس الثقافة العام، التصرف "غير المبرر" من هيئة أوقاف الوفاق، قائلا: حتى لو تراكمت الايجارات وتعذر الدفع للأوقاف يجب وجود حل غير الإخلاء الفوري"، متسائلا: ألا يكفينا ما حصل للدار العربية للكتاب؟ ألا يعتبر هذا الصرح الكبير ذا منفعة علمية ومجتمعية وثقافية مهمة؟.
مناشدة اليونسكو
المحلل السياسي الليبي العربي أبو بكر الورفلي، أطلق نداء عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، ناشد فيه "الليبيين الشرفاء في الداخل والخارج من المؤرخين والمثقفين والأدباء والمهتمين وكل الناس المسارعة بمناشدة منظمات دولية ومناشدة منظمة الثقافة والعلوم ومقرها باريس اليونسكو بشأن إنقاذ مركز دراسات جهاد الليبيين".
وقال الورفلي، إن مركز دراسات جهاد الليبيين يتعرض لتهديد حقيقي وخطر داهم، حيت أفادت مصادرنا بأن المكتبة الموجودة بالطابق تحت الأرض والتي تحتوي على مليوني وثيقة ومخطوطة قد تتعرض في أي لحظة إلى النهب والعبث بمحتوياتها، مدشنًا وسم "#انقذوا_مركز_دراسات_جهاد_الليبيين ".
دعوات للتدخل
محمد الشكري محافظ مصرف ليبيا المركزي المنتخب من مجلس النواب الليبي، دعا رجال الأعمال شراء مبنى لمركز المخطوطات، مطالبا إياهم في الوقت نفسه بالتنازل عنه لصالح المركز.
وتساءل عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "هل يفعلها رجال الأعمال الوطنيون من باب مسؤوليتهم الاجتماعية فيتنادون من أجل شراء مبنى المركز الوطني للمخطوطات التاريخية (الذاكرة التاريخية لشعبنا) والتنازل عنه لصالح المركز".
تصرفات غير مسؤولة
التكتل المدني الديمقراطي في بنغازي، أعرب عن رفضه هذه التصرفات "غير المسؤولة"، قائلا، إنها تعرض موروثنا الليبي التاريخي للخطر، مطالبًا بوقف هذه العملية، التي لا تستهدف أفرادًا بأعيانهم، لكنها تستهدف "ذاكرة الوطن التاريخية"، الذي يحتوي على وثائق تاريخية لا تقدر بثمن.
ودعا التكتل، القوى الوطنية كافة من أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني ومستقلين للوقوف معًا ورفض ما يتعرض له المركز الوطني للمحفوظات والدراسات التاريخية.
aXA6IDUyLjE0LjI1Mi4xNiA= جزيرة ام اند امز